نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خطاب "حزب الله" وردّ إسرائيل الضمني... ملف السلاح (لن) يُطوى!, اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 02:18 صباحاً
منذ انتهاء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، مع ما ترتّب عليها من معادلات جديدة، في ضوء الخسائر القاسية التي تعرّض لها "حزب الله"، ولو سارع إلى إعلان "الانتصار"، الذي فسّره لاحقًا بالصمود "الأسطوري" الذي أجهض "المؤامرة" التي كانت تُحاك ضدّه، بدا واضحًا أنّ ملف السلاح وُضِع على الطاولة، أو بالحدّ الأدنى، خرج من دائرة "التابو" التي أسِر فيها سابقًا، ولم يعد "خطًا أحمر" يحظر تناوله، أو نقاشه بأيّ شكلٍ من الأشكال.
تجلّى ذلك بشكل واضح في الاستحقاقات السياسية التي تلت الحرب، فرئيس الجمهورية جوزيف عون تحدّث في خطاب القسم مباشرة بعد انتخابه، بتأييد نواب "حزب الله"، عن احتكار الدولة للسلاح، ورئيس الحكومة نواف سلام يكرّر بمناسبةٍ ومن دونها، الحديث عن "بسط الدولة سيطرتها على أراضيها كاملة"، مستندًا في ذلك إلى البيان الوزاري الذي أقرّته حكومته، بموافقة الوزراء المحسوبين على "الثنائي الشيعي"، بما في ذلك "حزب الله".
وفي حين تتصاعد منذ أسابيع الأصوات المطالبة بنزع السلاح من دون إبطاء، خصوصًا بعد زيارة نائبة المبعوث الأميركي مورغان أورتاغوس الأخيرة إلى بيروت، التي فُهِم منها أنّ هذا البند يشكّل، جنبًا إلى جنب الإصلاحات الاقتصادية والمالية، شرطًا دوليًا لا يمكن تجاوزه من أجل دعم لبنان، ظهرت مؤشّرات توحي بأنّ الأمور تتقدّم عمليًا، خصوصًا مع إعلان الرئيس عون أنّ القرار بسحب السلاح قد "اتُخِذ"، ولم يبقَ إلا الاتفاق على آليات التنفيذ.
فجأة، ومن دون سابق إنذار، قرّر "حزب الله" الخروج عن صمته، فأعلن على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بعد مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق فيه وفيق صفا، أنّ "لا شيء اسمه نزع سلاح"، داعيًا إلى إزالة هذا البند من القاموس، فكيف تُقرَأ مواقف الحزب المتقدّمة هذه، وهل تنطوي على "محاولة تمرّد" على القرار السياسي، كما فسّرها البعض؟ وهل يمكن أن يؤدّي ذلك إلى تسعير المواجهة، خصوصًا بعد ما اعتُبِر "ردًا ناريًا ضمنيًا" من إسرائيل؟!.
بالنسبة إلى موقف "حزب الله" أولاً، تتعدّد التفسيرات والقراءات، فهناك من يعتبره "موجَّهًا" في المقام الأول إلى البيئة الحاضنة والجمهور، "المُحبَط" في مكانٍ ما من النقاش السياسيّ الحاصل، وما يعتبرها "محاولات استقواء" عليه، وهناك من يرى فيه محاولة "رفع للسقف التفاوضي"، إن صحّ التعبير، بعد مرحلة من الصمت فسّره خصومه على أنّه "ضعف"، فيما يقرأه آخرون بوصفه "تصويبًا للبوصلة"، التي ضيّعها كثير من "المستعجلين" على نزع سلاحه.
ولعلّ القراءة الأخيرة بالتحديد تتقدّم في هذه المرحلة، وفق ما يقول العارفون بأدبيّات الحزب، إذ إنّه ينظر بعين الريبة إلى مواقف الكثير من الأطراف، ممّن حوّلوا "نزع السلاح" إلى شغلهم الشاغل، من دون أن يسعوا إلى أيّ "توازن" في موقفهم، حتى إنّهم لا يدينون الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان، ولو من باب رفع العتب، ولا ينادون بوقفها، بل إنّ بينهم من يعتبر نزع السلاح "المَدخَل" لذلك، لا العكس، ومن دون تقديم أيّ "ضمانات" بطبيعة الحال.
لكنّ العارفين بأدبيّات الحزب يشدّدون على أن هذا الخطاب ليس موجَّهًا ضدّ رئيس الجمهورية جوزاف عون، الذي يحرص الحزب على "التنويه" بمقاربته العقلانية والحكيمة، ولو اختلف معه في تفاصيلها، علمًا أنّ الرئيس عون "يتمايز" برأي عون عن الآخرين، فهو يتحدّث عن حوار وعن استراتيجية دفاعية، حتى إنّه يستبدل تعبير نزع السلاح بسحب السلاح، وكلّها أمور تقول قيادة الحزب إنها "منفتحة" على النقاش الجدّي والمسؤول بشأنها.
هنا، يأتي البعد الثاني في قراءة مواقف "حزب الله" المستجدّة من ملف السلاح، والقائم على "ترتيب الأولويات"، فالحزب لا يعتبر أنّ النقاش "مشروع" في الوقت الحاليّ، أقلّه قبل "إلزام" إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية التي تحتلّها ووقف خروقاتها اليومية لاتفاق وقف إطلاق النار، علمًا أنّ العارفين بأدبيّاته يشيرون إلى أنّه يتلاقى مع الرئيس عون، الذي قال إنه أبلغ أورتاغوس إنّ بقاء إسرائيل في النقاط الخمس يعقّد الموقف ولا يسهّله.
لكنّ "ترتيب الأولويات" هذا، يقرأه آخرون على أنّه محاولة من "حزب الله" للهروب إلى الأمام، أو ربما "للتذاكي"، من خلال خطاب "شعبوي" يهلّل له الجمهور، الذي تعب من خطابات "الركون إلى الدولة"، في وقتٍ "يتفرّجون" على القصف الإسرائيلي المستمرّ لمناطقه، وبالتالي يؤجّل البحث بالسلاح ومصيره، الذي لا يُستبعَد، وفق هذا الرأي، أن يكون هناك من يرغب بوضعه على طاولة المفاوضات الأميركية الإيرانية، التي لا تزال في بدايتها.
وبين هذا الرأي وذاك، يبدو أنّ اللاعب الإسرائيلي دخل على الخطّ مجدّدًا، أو هذا ما أوحت به اعتداءاته التي شهدت في الأيام الأخيرة، وخصوصًا يوم الأحد، تكثيفًا كميًا ونوعيًا، وهو ما اعتبره كثيرون ردًا ضمنيًا على خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، فإذا كان صحيحًا أنّ هذه الاعتداءات والخروقات لم تتوقّف منذ إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، وشهدت في أيام سابقة محطّات "أخطر"، إلا أنّ "رسالتها" هذه المرّة كانت واضحة لكثيرين.
ولعلّ هذه الرسالة "تُفَهم" من السياق الذي خلصت إليه كلمة الشيخ قاسم، الذي أراد سحب بند "نزع السلاح" من الأجندة، وأعاد التلويح في الوقت نفسه بـ"خيارات مفتوحة" لدى الحزب، وإن بقي متمسّكًا بـ"الركون إلى الدولة"، حتى إشعار آخر، وكأنّ الإسرائيلي أراد أن يقول له إنّه لن يتخلّى عن المعادلات الجديدة التي فرضها ما بعد الحرب، وإنّ العودة إلى "معادلات" ما قبل فتح الحزب لما سُمّيت "جبهة الإسناد" ليس مطروحًا بأيّ شكل من الأشكال.
بهذا المعنى، ثمّة من يقرأ في هذا السلوك الإسرائيلي، دخولاً على خطّ السجال القائم حول السلاح، فإسرائيل تؤكد ما سبق أن أبلغته المبعوثة الأميركية للمسؤولين اللبنانيين الذين التقتهم خلال زيارتها، لجهة أنّ "لا استقرار من دون نزع السلاح"، وهي بذلك تلوّح بالذهاب إلى جولة جديدة من الحرب إن اقتضى الأمر، تمامًا كما تفعل في قطاع غزة حاليًا، وربما كما تفعل في جنوب لبنان أيضًا، بصورة أو بأخرى، ولو من "طرف واحد".
في النتيجة، قد يكون الثابت أنّ ملف السلاح لم يوضع على الطاولة ليُطوى، وهو باقٍ في صدارة النقاش السياسي الداخلي، بمعزل عن الموقف المُعلَن لـ"حزب الله"، الذي يقول كثيرون إنّه "يسلّم" بأنّ وضعه اليوم لم يعد كما كان في السابق، بدليل انفتاحه على استراتيجية دفاعية، قد يرغب بأن يتوصّل من خلالها إلى "صيغة ما" لا تحرجه، "صيغة" يراهن الحزب على أنّ أوانها لم يحِن بعد، أقلّه بانتظار نضوج المفاوضات بين واشنطن وطهران!.
أخبار متعلقة :