جريدة هرم مصر

فارجاس.. فتى الأرصفة الذي راهن عليه النصراوي

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
فارجاس.. فتى الأرصفة الذي راهن عليه النصراوي, اليوم الجمعة 18 أبريل 2025 03:38 مساءً

في أحد أحياء مقاطعة مندوزا، شمال الأرجنتين، كان طفلٌ صغير يتجوّل بين الأرصفة، يحمل مكنسة أكبر من جسده، يسأل السكان بهدوء: «هل يمكنني تنظيف قنوات تصريف المياة؟»، لم يكن في الأمر لعبة، بل عمل بسيط يساعد فيه أهله مقابل بيزو أو اثنين.
بضع عملات معدنية يضعها في جيبه، ثم يعود إلى البيت، وقد اختلطت في قلبه رائحة الغبار بطموح غامض.
الطفل الصغير ماتياس فارجاس، الذي سيصبح لاعبًا لفريق الفتح الأول لكرة القدم، ولقبه «مونيتو»، القرد الصغير، هكذا كان يناديه الناس، على خطى أبيه «مونّو»، اللاعب السابق، الذي أحب الكرة، وعرفها جيدًا، بما يكفي، ليحذّر ابنه منها، قائلًا: «ستعاني أكثر مما ستفرح».
ماتياس لم يُجادل، فقط خبّأ الجملة في زاوية من ذهنه، ومضى نحو الحلم.
في الثالثة عشرة، ركب القطار إلى بوينس آيرس لينضم إلى أكاديمية فيليز سارسفيلد، تاركًا خلفه عائلةً لن يراها سوى ثلاث مرات في العام.
لم يكن يملك رفاهية القرار، فقط قناعة واحدة: «أن مستقبله هناك، في العاصمة، على بعد ألف كيلومتر من حضن والدته».
الأيام الأولى كانت قاسية، لا يعرف فيها أحدًا، وتمرّ الليالي ثقيلة، والصباحات بلا ضوء، ويداهمه الحنين.
بعد عامين، انكسر، وغادر الأكاديمية عائدًا إلى مندوزا، إلى غرفته، إلى الوجوه التي يعرفها.
أعلن بصوت داخلي خافت: «ربما لم تكن هذه الحياة لي». لكنه لم يحتمل الراحة، بعد 21 يومًا فقط، اشتاق إلى الحلم، إلى الملعب، وقرر العودة مدكرًا أن مستقبله في الساحرة المستديرة.
لم يتصل بأحد، فقط وصل، واعتذر، وبدأ من جديد.
حين رآه الأرجنتيني ميجيل روسو، مدرب النصر السابق، لمس فيه شيئًا مختلفًا.
منح الصبي فرصة التدرب مع الفريق الأول، لم يكن ماتياس جاهزًا تمامًا، لكنه خاض المباراة الأولى بقميص فيليز في عمر 18 عامًا.
على مدى أربعة مواسم، صار ركيزة فيليز، خاض فيها 78 مباراة، مسجلًا 15 هدفًا، وقدم 16 تمريرة حاسمة.
بات معروفًا في الدوري الأرجنتيني، وتردّد اسمه في مجالس الأندية الكبرى، ومع أنه لم يحقق بطولة كبيرة، كانت خطواته تسير بثبات، حتى جاءه العرض الأوروبي.
انضم إلى إسبانيول في برشلونة، صيف 2019، الصفقة الأغلى في تاريخ النادي.
وفي إحدى الليالي من بدايته مع النادي الكاتالوني، لعب ضد برشلونة المباراة التي حملت له هدية لا تُقدَّر بثمن.
اقترب من ليونيل ميسي بعد صافرة النهاية، طلب قميصه. وبعد أن منحه «البرغوث» أخذه إلى المنزل، نام بجواره، ورفض غسله.
والدته طلبت أن تلمسه وتنظّفه، لكنه قال: «لا تلمسيه»، وظل القميص أشهرًا في حضنه.
إسبانيول هبط، فارجاس لم يُقنع كما أراد، عاد إلى دكة البدلاء. وبدأ البحث من جديد، هذه المرة في تركيا.
في أضنة دميرسبور وجد نفسه بين جماهير لا تتحدث لغته، لكنها تهتف باسمه، أكل الكباب، وتعلّم كلمات تركية. استعاد الثقة، وسجّل أهدافًا، وبدا كأنه عاد إلى تلك الروح، التي تخلّت عنه في كاتالونيا.
مع نهاية الموسم، كتب فصلًا جديدًا، فانضم إلى شنغهاي الصيني، قبل أن تحط رحاله مع الفتح، يناير الماضي.
لم تكن رحلة الفتح ممهدة بالورود، وصل والفريق يعاني في مراكز الهبوط والخطر، ونجح برفقة زملائه بتحويل المسار، والابتعاد قليلًا عن الخطر، مساهمًا بالفوز أمام الاتحاد، متصدر دوري روشن السعودي، الخميس.
فارجاس.. من رصيف ترابي في مندوزا إلى نخيل الأحساء، ظل متمسكًا بالحلم، ومؤمنًا بأن الكرة لا تمنحك ما تستحقه فورًا، بل تختبر صبرك أولًا.


أخبار متعلقة :