السلاح على المحك.. وواشنطن تختار المراقبة - هرم مصر

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما كانت الأوساط السياسية والإعلامية تتهيأ لتصعيد أمريكي مرتقب، جاء رد لبنان الرسمي على الورقة التي حملها الموفد الأمريكي توماس براك بمثابة مفاجأة مزدوجة: أولًا لأنه لم يُقابل برفض علني من واشنطن، وثانياً لأن براك نفسه خرج بتصريحات صادمة قلبت التوقعات رأساً على عقب.

فما الذي يجري فعلاً خلف الستار؟ ولماذا قررت واشنطن في هذه المرحلة أن تُخرج «السلاح غير الشرعي» من مربع المواجهة المباشرة، وتعيده إلى ساحة الصراع الداخلي اللبناني؟

الرد اللبناني: هل هو صياغة فضفاضة لتأجيل المواجهة؟

الرد الذي سلمه لبنان إلى الموفد الأمريكي توماس براك، جاء بصيغة تشبه كثيراً لغة البيانات المشتركة التي تُكتب لإرضاء جميع الأطراف من دون إغضاب أحد.

تحدث عن التمسك باتفاق الطائف، وعن «الحوار الداخلي» كمدخل لأي نقاش يتعلق بسلاح «حزب الله»، من دون أي التزام واضح، أو مهلة زمنية، أو حتى مؤشرات إلى آلية عمل واقعية.

باختصار، لم يرفض لبنان ورقة براك، لكنه لم يلتزم بها أيضاً. وكأن الدولة اختارت أن تحافظ على «العلاقة» مع الأمريكيين، وتجنب نفسها أي صدام مباشر مع الحزب.

في الشكل، هو رد سياسي «دبلوماسي»، لكن في الجوهر، يعكس المأزق الحقيقي: لا توافق داخلي، ولا جرأة على الحسم، ولا قدرة على الإقرار بأن الأزمة تطال جوهر السيادة نفسها.

براك يقلب الطاولة: «مشكلتكم.. حلّوها أنتم»

في واحدة من أكثر التصريحات غرابة لمسؤول أمريكي في ملف لبناني، قال براك من بعبدا: «أليس حزب الله حزباً سياسياً في لبنان؟ هل تعتقدون أن دولة أخرى ستقوم بحل حزب سياسي في دولة تتمتع بسيادة؟ هذه مشكلتكم... عليكم حلّها».

بهذه العبارة، كأن الموفد الأمريكي نزع المسؤولية عن بلاده، وأعادها للداخل اللبناني. وهنا لا يمكن تجاهل التوقيت: فالتصريح أتى بعد تسليم الرد اللبناني، وقبل أن يبدأ أي تصعيد إعلامي أو دبلوماسي، كأن واشنطن أرادت القول: لا تتوقعوا منا أكثر مما قدمناه.

ما بين النبرة المنخفضة والرسالة المرتفعة

في الشكل، يظهر الموقف الأمريكي كأنه ينسحب من الميدان، ويترك اللبنانيين ليواجهوا «مشكلتهم» بأنفسهم، لكن في المضمون، يمكن قراءة كلام براك كأعلى درجات الضغط الناعم، حين يُقال لحكومة مأزومة: «إذا أردتم بناء دولة، فأبدأوا بأنفسكم... لا تعولوا علينا لحل المعضلة التي تعيشون على التعايش معها».

وهنا، قد يدخل لبنان في مأزق أكبر: هل تملك الدولة فعلياً أدوات المواجهة؟ وهل هناك إرادة داخلية لحسم ملفٍ بحجم «سلاح حزب الله» من دون غطاء دولي أو حد أدنى من التفاهم الإقليمي؟

«حزب الله» يستبق الرد بتصعيد محسوب.. ثم يصمت

في الأيام التي سبقت تسليم لبنان الرسمي لرده على ورقة توماس براك، حرص «حزب الله» على تثبيت معادلاته المسبقة. جاء ذلك على لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، الذي أعلن بوضوح: «لن نسلّم السلاح... المقاومة خط أحمر، لا نقاش فيه».

لكن اللافت أن الحزب، منذ تسليم الرد إلى براك، اختار التزام الصمت الكامل. لا تعليق، لا تصعيد، ولا حتى تسريبات. كأن الحزب، بعد أن رفع السقف بوضوح، قرر التفرج على المشهد السياسي يتخبط في مواجهة الحقيقة: لا أحد قادر على طرح ملف السلاح من دون أن يصطدم بحائط الحزب، ولو بصمته.

وهذا الصمت -بحد ذاته- ليس حياداً، بل تكتيك مراقبة، وورقة ضغط صامتة في لحظة تراهن فيها واشنطن على «لبننة» المعالجة... من دون أي ضمانة بأن الحزب معني أصلًا بالنقاش.

الكواليس: واشنطن تنتظر اللحظة الإقليمية المناسبة؟

بعيداً عن السجالات الإعلامية، تُشير مصادر سياسية متابعة إلى أن ما يجري قد يكون جزءاً من إستراتيجية «التريث المشروط». فواشنطن، بحسب هذه القراءة، ليست في وارد التصعيد في لبنان في ظل الأولوية المطلقة لغزة والنووي الإيراني، لكنها تريد إبقاء الورقة اللبنانية حية، قابلة للاستخدام متى نضجت اللحظة الإقليمية الكبرى.

في المقابل، تسود قناعة لدى بعض القوى السياسية اللبنانية بأن الرسالة الأمريكية لم تكن موجهة لحزب الله فقط، بل لكل من يراهن على الخارج كوسيلة لتصفية الحسابات الداخلية.

.. بعد هذا المشهد المعقد، تتضح أن الكرة اليوم أصبحت في ملعب لبنان وحده. فقد برهنت الأحداث والتصريحات، خصوصاً موقف الموفد الأمريكي براك، أن الحلول الخارجية أصبحت محدودة الفعالية، وأن واشنطن تحثّ على إدارة الملف داخلياً عبر الحوار والتوافق الوطني.

لكن التحدي الحقيقي يبقى في قدرة القوى اللبنانية المختلفة على تجاوز الانقسامات، وإيجاد صيغة وطنية متفق عليها تضمن ضبط السلاح، وتعزيز سيادة الدولة.

وفي غياب إجماع واضح، يظل ملف السلاح ومواضيع السيادة الكبرى معلقاً بين الواقع الراهن والرهانات المستقبلية، فيما المنطقة نفسها تواجه متغيرات متسارعة لا تسمح بالتأجيل إلى ما لا نهاية.

الوقت يمضي، والقرار اللبناني المصيري يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى شجاعة سياسية ووعي جماعي، لتفادي المزيد من الانسداد والمخاطر.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق