الاستيطان الرعوي أداة إسرائيل لسرقة أراضي الفلسطينيين - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

سياسة إسرائيلية تتبنى منهج دعم وتسليح مليشيات المستوطنين بهدف تمكينهم من إقامة بؤر استيطانية رعوية عبر إطلاق قطعان مواشيهم في الأراضي الفلسطينية تمهيدا للسيطرة عليها وضمها لاحقا إلى المستوطنات القائمة.

وتعتبر هذه البؤر أداة إستراتيجية تستخدمها سلطات الاحتلال بمختلف مؤسساتها وأذرعها الأمنية والمدنية لتنفيذ مخطط التوسع الاستيطاني، وتعد البؤر الرعوية من أكثر أدوات الاستيطان فتكا وفعالية على الأرض.

وبحسب ما صرح به رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فقد بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية نهاية عام 2024 نحو 770 ألف مستوطن، موزعين على 180 مستوطنة و256 بؤرة استعمارية، من ضمنها 136 بؤرة رعوية زراعية.

وتغطي هذه البؤر وحدها أكثر من 480 ألف دونم من الأراضي، أغلبيتها في مناطق الأغوار والسفوح الشرقية، وهو ما يمثل 3 أضعاف المساحات المبنية ضمن المستوطنات القائمة.

نشأة الاستيطان الرعوي

بدأت ظاهرة الاستيطان الرعوي في أعقاب احتلال إسرائيل الضفة الغربية والقدس عام 1967 عندما شرعت عصابات المستوطنين في الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين وتحويلها إلى مراعٍ لمواشيهم.

ومع مرور الوقت تطورت هذه الممارسات من مبادرات فردية إلى سياسة ممنهجة، وبلغت ذروتها منتصف ثمانينيات القرن الـ20، وأنشئت أول بؤرة استيطانية رعوية عام 1984 على أراضي مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، وبلغ عدد سكانها في حينه نحو 850 مستوطنا.

ومنذ ذلك الوقت أخذ هذا النمط من الاستيطان في التوسع بشكل متسارع، وأصبح وسيلة رئيسية لسرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وفرض وقائع جديدة على الأرض، وخلق بيئة طاردة للفلسطينيين تدفعهم إلى ترك أراضيهم قسرا تحت وطأة التهديد والعنف المستمر.

أنماط البؤر الرعوية

تنقسم البؤر الاستيطانية الرعوية إلى 3 أشكال رئيسية:

البؤر المركزية، وهي بؤر مستقرة يتركز نشاطها حول رعي المواشي. البؤر الفرعية، وهي بؤر تنشأ لخدمة أهداف توسعية مرتبطة بالبؤر المركزية. البؤر المؤقتة، وتقام لفترة زمنية محددة في مناطق مستهدفة، بهدف منع الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم، ثم تتحول لاحقا إلى مناطق استيطانية دائمة تضم تدريجيا إلى البؤر الكبرى أو إلى المستوطنات الرسمية.

إعلان

آلية إقامة البؤر الرعوية

تبدأ عملية إقامة البؤر الرعوية بتسلل مجموعة من المستوطنين في هيئة رعاة أغنام إلى أراضٍ فلسطينية، حيث يشرعون في الرعي دون إذن، ويستخدمون هذا النشاط للتوسع التدريجي.

ويبدأ المستوطنون بعدها بالاستيلاء على مصادر المياه والمساحات الخضراء، غالبا باستخدام العنف وبمساندة قوات الاحتلال التي تطرد المزارعين والرعاة الفلسطينيين بالقوة.

وعقب ذلك يقام على الأرض المغتصبة مساكن بدائية وحظائر للمواشي، مما يرسخ الوجود الاستيطاني ويحوله إلى أمر واقع يصعب تغييره.

ويحرص المستوطنون على اختيار مواقع تتوفر فيها المياه والأعشاب الطبيعية لضمان استدامة نشاطهم.

ومن الأساليب التي يعتمدها المستوطنون لتوسيع نفوذهم استخدام الأبقار لتحديد مناطق السيطرة، ويطلقون القطعان للرعي في أراضٍ فلسطينية، ويعتبرون كل منطقة ترعى فيها أبقارهم "أرضا خاضعة للسيطرة"، ويمنعون الفلسطينيين من دخولها أو حتى الاقتراب منها.

ولحماية هذه البؤر يتسلح المستوطنون بأسلحة نارية وبيضاء، ويستخدمون دراجات رباعية الدفع وخيولا للتنقل السريع، كما يعتمدون على الكلاب الهجومية والطائرات المسيّرة وكاميرات المراقبة لتأمين محيطهم.

ولا يكتفي المستوطنون بذلك، بل ينفذون اعتداءات منظمة لبث الرعب في صفوف الفلسطينيين تشمل مهاجمة السكان واقتحام منازلهم وقتل وإصابة الحيوانات وتخريب المحاصيل الزراعية وتدمير الممتلكات، إضافة إلى الاستيلاء على مصادر المياه ومنع الأهالي من استخدامها.

الهدف والغاية

يتمثل الهدف الأساسي من وراء إنشاء البؤر الرعوية في ربط المستوطنات الإسرائيلية عبر السيطرة على مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين وعزلها عن مصادرهم الطبيعية، وتقطيع أوصال البلدات الفلسطينية عن بعضها، وضرب الديموغرافيا الفلسطينية.

كما تسعى إسرائيل من وراء هذه المراعي إلى إحداث تغيير جذري وطويل الأمد في خريطة الاستيطان في الأراضي المحتلة.

وفي مارس/آذار 2025 أكدت منظمة "بتسيلم" الحقوقية أن البؤر الاستيطانية الرعوية صارت أداة محورية لانتزاع الأراضي الفلسطينية وتهجير أصحابها بفضل سهولة إنشائها وتكلفتها المتدنية.

وفي 5 أبريل/نيسان من العام ذاته كشفت منظمتا "السلام الآن" و"كرم نابوت" المعنيتان برصد الاستيطان أن المستوطنين وطفوا نشاط الرعي للسيطرة على نحو 14% من إجمالي مساحة الضفة الغربية، أي ما يقارب 786 ألف دونم.

ووفق التقرير ذاته، يعمد المستوطنون إلى استخدام الرعي لتكريس وجودهم في الأراضي الزراعية الفلسطينية، مستندين إلى التخويف والعنف لحرمان الفلسطينيين من الوصول إلى حقولهم تمهيدا لتهجيرهم.

الجهات الداعمة للاستيطان الرعوي الإسرائيلي

تقف جهات عدة خلف مشروع البؤر الاستيطانية الرعوية في الضفة الغربية، وتلعب أدوارا متكاملة في تمويله وتنفيذه وحمايته:

حركة "أمانا"

تعد "أمانا" المحرك الأساسي للاستيطان الرعوي، إذ تشجع المستوطنين عليه وتوفر لهم الدعم.

ووفقا لسكرتيرها زئيف حفير، فإن هذا النوع من الاستيطان أكثر فاعلية من البناء التقليدي، وقد ضاعف المساحات التي سيطرت عليها إسرائيل في فترة قصيرة.

جماعة "فتيان التلال"

تنفذ هذه الجماعة المتطرفة اعتداءات ميدانية على الفلسطينيين لطردهم من أراضيهم، وتتنقل بقطعانها بين المناطق لإقامة بؤر جديدة بالقوة.

إعلان

الصندوق القومي اليهودي

أحد أبرز ممولي هذا المشروع، إذ استثمر فيه نحو 4.7 ملايين شيكل حتى نهاية 2024.

الحكومة الإسرائيلية

تقدم الحكومة الإسرائيلية دعما مباشرا وممنهجا للبؤر الاستيطانية الرعوية عبر مسارات عدة، أبرزها:

التمويل الزراعي: تمول وزارة الزراعة هذه البؤر تحت بند "منح المراعي"، وقد بلغ حجم الدعم نحو 3 ملايين شيكل بين عامي 2017 ونهاية 2024. الدعم الأمني: تخصص الحكومة سنويا نحو 54 مليون شيكل لتعزيز الحماية الأمنية للمستوطنين العاملين في هذه البؤر. تخصيص الأراضي: تُمنح مساحات واسعة من الأراضي للفئات الاستيطانية الرعوية عبر "لواء الاستيطان". الدعم التحفيزي: تُقدَم منح مالية بملايين الشواكل سنويا للمتطوعين العاملين في هذه البؤر لتشجيع الاستيطان الرعوي. المشاريع التنموية: تعمل الحكومة على تطوير مشاريع خاصة لسكان البؤر، إلى جانب تقديم قروض غير محددة القيمة لتمويل هذه المشاريع وتعزيز استقرارهم في المنطقة.

التوزيع والانتشار

منذ عام 1984 وحتى عام 2012 بلغ عدد البؤر الاستيطانية نحو 18 بؤرة رعوية، وبعد ذلك شهدت الفترة الممتدة بين عامي 2017 و2021 إقامة نحو 35 بؤرة إضافية.

ومع اندلاع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 تسارع التوسع الاستيطاني بشكل ملحوظ، وأنشئت 70 بؤرة رعوية جديدة بين بداية العدوان وحتى نهاية مارس/آذار 2025.

وبلغ إجمالي عدد البؤر الاستيطانية الرعوية منذ عام 1984 وحتى مارس/آذار 2025 نحو 136 بؤرة، وهي مساحات تعادل 3 أضعاف المساحة المبنية للمستوطنات القائمة في الضفة الغربية والقدس، بحسب بيانات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

وتنتشر هذه البؤر في المناطق الفلسطينية المحاذية للمستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية، بما في ذلك القدس، مع تركز خاص في منطقة الأغوار الممتدة من مدينة طوباس شمالا إلى مسافر يطا جنوب الخليل، إضافة إلى السفوح الشرقية للضفة الغربية، وهي مناطق تتسم بخصائص جغرافية متميزة.

وفي تقرير صدر في يناير/كانون الثاني 2024 أوضحت مؤسسة الدراسات الفلسطينية أن مدينة الخليل سجلت العدد الأعلى من البؤر الاستيطانية الرعوية بواقع 22 بؤرة، تلتها رام الله بـ21 بؤرة، ثم نابلس بـ14 بؤرة، في حين سجلت طوباس 9 بؤر وبيت لحم 8 وسلفيت 6، وأريحا وجنين 4 بؤر لكل منهما، في حين سُجلت بؤرة واحدة فقط في طولكرم.

نتائج وآثار

وفي تقرير صادر عن منظمة "ييش دين" الإسرائيلية لحقوق الإنسان في مايو/أيار 2022 تحت عنوان "رعاة في مرعى غيرهم" أشارت المنظمة إلى أن البؤر الاستيطانية الرعوية باتت أداة إستراتيجية بيد إسرائيل لإحداث تحول جذري وطويل الأمد في خارطة الاستيطان بالضفة والقدس.

ورأت المنظمة أن هذه السياسة تمثل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان التي نصت عليها القوانين الدولية، إذ تؤدي إلى تهجير قسري قائم على أساس عرقي والاستيلاء على أراضي الفلسطينيين.

وقد خلّفت هذه البؤر آثارا كارثية على الفلسطينيين تمثلت في جوانب عدة، أبرزها:

الاستيلاء على آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية. تفكيك البنية الجغرافية الفلسطينية في الضفة والقدس، بما يعيق التواصل الجغرافي بين المدن والقرى. تعزيز التوسع الاستيطاني عبر ضم مزيد من الأراضي المحيطة بالمستوطنات القائمة. الإضرار بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للفلسطينيين عبر الحد من إمكانية استخدام الأرض والمياه والموارد الطبيعية. الانتهاك الممنهج لحقوق الإنسان الفلسطيني عبر الطرد القسري من الأرض واستخدام القوة لمنع الأهالي من العودة إليها. تدمير القطاع الزراعي الفلسطيني، إذ تستولي البؤر على حقول المزارعين وتحولها إلى مناطق مدمرة أو غير صالحة للزراعة. حرمان الفلسطينيين من الوصول إلى مصادر المياه عبر السيطرة على الآبار والينابيع وسرقة المياه بشكل مباشر. الإضرار بالبيئة والتوازن الطبيعي في الضفة الغربية، إذ تؤدي هذه البؤر إلى تدهور الغطاء النباتي وانتشار التصحر. تهديد الأمن الغذائي الفلسطيني نتيجة تمركز البؤر في المناطق الزراعية، مما انعكس سلبا على الإنتاج الزراعي المحلي.

إعلان

المصدر: الصحافة الإسرائيلية + مواقع إلكترونية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق