أنقرة- ارتفعت حصيلة قتلى الجيش التركي إلى 12 جنديا إثر تعرضهم للاختناق بغاز الميثان داخل مغارة في شمال العراق، بحسب ما أعلنته وزارة الدفاع التركية.
ووقع الحادث أمس الأول الأحد خلال عملية تمشيط نفذتها وحدة عسكرية في إطار عملية "المخلب-القفل" ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، حيث كانت القوة تبحث عن جثمان أحد زملائهم الذي سقط في اشتباك مسلح عام 2022.
وأثناء التفتيش، استنشق 19 جنديا غاز الميثان عديم اللون والرائحة بتركيز قاتل، مما أسفر عن وفاة 5 منهم في الحال أو بعد محاولات إنقاذ عاجلة، في حين نقل الآخرون إلى المستشفى لتلقي الرعاية الطبية. وبحلول صباح اليوم الاثنين، توفي 7 جنود آخرون متأثرين بالتسمم، بينما يواصل الأطباء جهودهم لعلاج باقي المصابين.

تفاصيل الحادثة
تقع المغارة التي شهدت الحادثة على تلة يبلغ ارتفاعها نحو 852 مترا، وكانت في السابق تستخدم كمشفى ميداني لمقاتلي حزب العمال الكردستاني، قبل أن تتمكن القوات التركية من السيطرة عليها وتطهيرها خلال عملياتها العسكرية في المنطقة.
وخلال مهمة تمشيط داخلها بحثا عن جثمان الضابط التركي نوري مليح بوزكورت، الذي قُتل في مايو/أيار 2022 بنيران مسلحي الحزب ولم يتمكن الجيش من انتشال جثته حينها بسبب الاشتباكات العنيفة، تسرب غاز الميثان المحتجز في تجاويف المغارة، مما تسبب في إصابة أفراد الدورية بحالات اختناق جماعي.
ويُعرف هذا الغاز بـ"القاتل الصامت" لكونه عديم اللون والرائحة، وقادرا على التسبب بالاختناق عند تراكمه بتركيز عال في الأماكن المغلقة.
وسرعان ما استدعى الحادث تدخل فرق إنقاذ متخصصة، حيث أوضحت وزارة الدفاع أن وحدات من الجيش بالتعاون مع فرق هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (أفاد) باشرت على الفور عمليات الإجلاء والإنقاذ باستخدام معدات متطورة لتفادي المزيد من الإصابات.
إعلان
ونُقل الجنود المصابون بشكل عاجل إلى مستشفى حكومي في ولاية هكاري بجنوب شرق تركيا لتلقي الرعاية الطبية اللازمة، في حين واصلت فرق الإنقاذ أعمالها داخل المغارة تحسبا لاحتمال وجود جيوب غازية أخرى أو مصابين لم يتم العثور عليهم بعد.
ما عملية "المخلب-القفل"؟
هي حملة عسكرية أطلقتها تركيا في أبريل/نيسان 2022 ضد مقاتلي العمال الكردستاني في شمال العراق، ضمن مساع لإحكام السيطرة على الحدود الجنوبية وتفكيك البنية التحتية للحزب في المناطق الجبلية الوعرة.
وتركزت العمليات في مناطق متينا وزاب وأفشين-باسيان الواقعة ضمن إقليم كردستان العراق بمحافظة دهوك، بهدف تدمير الأنفاق والمغارات التي يستخدمها مقاتلو الحزب كمراكز قيادة ولوجستيات، ومنع تسللهم إلى الأراضي التركية.
تأتي هذه العملية استكمالا لسلسلة حملات سابقة أطلقتها أنقرة منذ عام 2020، مثل "المخلب-النمر" و"المخلب-النسر"، التي استهدفت معاقل الحزب في شمال العراق بعد أن اضطر مسلحوه إلى الانسحاب من الأراضي التركية والتمركز في مناطق جبلية وعرة أبرزها جبال قنديل، إثر الضربات العسكرية المكثفة في الداخل التركي خلال السنوات الماضية.

توقيت حساس
وتصنف تركيا وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) حزب العمال الكردستاني "منظمة إرهابية"، وأسفر الصراع المستمر بين الجانبين منذ نحو 4 عقود عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص، غالبيتهم من مقاتلي الحزب.
وجاءت حادثة وفاة الجنود الأتراك داخل المغارة في توقيت حساس يشهد تطورات لافتة على صعيد الصراع التركي الكردي، إذ أعلن الحزب في مايو/أيار الماضي نيته التخلي عن العمل المسلح وحل جناحه العسكري ضمن مبادرة جديدة للسلام مع أنقرة.
وبحسب تقارير صحفية، يستعد مقاتلوه لتسليم أسلحتهم خلال الأيام المقبلة، في خطوة وصفت بأنها غير مسبوقة منذ اندلاع النزاع في ثمانينيات القرن الماضي.
في هذا السياق، أطلقت الحكومة التركية حملة أسمتها "تركيا خالية من الإرهاب"، تستهدف تتويج هذه المبادرة بسلام شامل وإنهاء الوجود المسلح للحزب. ورغم هذه الجهود أعادت مأساة الجنود المختنقين داخل المغارة التذكير بالمخاطر الميدانية المعقدة التي لا تزال تفرضها تضاريس شمال العراق حتى مع بوادر التهدئة وإنهاء القتال.
يرى المحلل السياسي علي أسمر أن حادثة وفاة الجنود الأتراك، رغم مأساويتها، لن تشكل عائقا أمام مسار حملة "تركيا خالية من الإرهاب"، بل قد تمنحها زخما إضافيا. ويضيف للجزيرة نت أن هذه الحادثة تعكس حجم المخاطر التي خلفتها الجماعات المسلحة، حيث لا تزال المغارات والأنفاق والمخابئ والألغام تشكل تهديدا قائما حتى بعد إخلائها.
وقد يعزز هذا المشهد المأساوي -وفقا له- قناعة الرأي العام التركي بضرورة حسم هذا الملف بشكل جذري، ليس فقط لدواعٍ أمنية آنية، بل أيضا لحماية أرواح الجنود ومنع تكرار مثل هذه الكوارث.
ردود فعل
كما يلفت المحلل أسمر إلى أن اللقاء الذي جمع الرئيس رجب طيب أردوغان مع وفد حزب المساواة الشعبية والديمقراطية أمس الاثنين في أنقرة، يحمل دلالة على وجود مسار سياسي متواز مع العمليات الميدانية، يهدف إلى معالجة جذور الأزمة ودفع عجلة المصالحة الداخلية.
إعلان
وسارعت الرئاسة التركية إلى إصدار بيان تعزية، أعرب فيه أردوغان عن بالغ أسفه لسقوط عدد من "جنودنا الأبطال شهداء أثناء أدائهم واجبهم في سبيل أمن تركيا وسلامها"، مترحما عليهم ومشيدا بتضحياتهم التي اعتبرها "تجسيدا لإرث الفداء في صفوف القوات المسلحة".
كما توالت بيانات التعزية من كبار مسؤولي الدولة، إذ نشر رئيس البرلمان نعمان قورتولموش ونائب الرئيس جودت يلماز رسائل تضامن أكدا فيها وقوفهما إلى جانب المؤسسة العسكرية و"عائلات الشهداء"، متمنين الشفاء العاجل للمصابين.
وامتد التعاطف إلى صفوف المعارضة أيضا، حيث عبر زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل عن حزنه العميق لسقوط الضحايا، مقدما تعازيه لأسرهم ومؤكدا أن "تضحيات الجنود تدعو الجميع للتفكير مليا في كلفة الصراع المستمر".
وفي موقف لافت، أصدر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي بيانا نعى فيه الجنود، واعتبر أن "هذه المأساة جزء من الثمن الإنساني الفادح لصراع استمر لعقود، ودفع المجتمع التركي بأسره كلفته"، مجددا دعوته إلى السلام الاجتماعي وإيجاد حل سياسي دائم يمنع مزيدا من إراقة الدماء.
0 تعليق