مواقع "الدمار الاجتماعي".. إثمها أكبر من نفعها - هرم مصر

الاسبوع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لا يمكن لأحد أن ينكر الثورة التكنولوجية الهائلة التي أحدثتها مواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا. لقد قربت المسافات، وسهلت التواصل، وفتحت آفاقا جديدة للمعرفة وتبادل الأفكار. في لحظات، يمكننا الاطمئنان على أحبائنا في أقصى بقاع الأرض، أو متابعة الأخبار لحظة بلحظة، أو حتى تعلم مهارة جديدة.

لكن للأسف الشديد، هذه المواقع تحمل في طياتها وجها آخر، وجها مظلما حالك السواد، يهدد بنسف الروابط الاجتماعية، وغرس بذور الشقاق، وتحويل حياتنا إلى ساحة للتوتر والقلق، وصارت كالخمر والميسر من حيث فيهما صفة الإدمان وفى الوقت نفسه فيهما منافع إلا أن إثمهما أكبر من نفعهما: " ويسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما". فكثيرا ما يؤدي استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مفرط إلى الإدمان عليها، مما يؤثر على الوقت والانتاجية والصحة النفسية.

قد يرى البعض أننى بالغت في الوصف، ولكن نظرة فاحصة على تأثيرات هذه المنصات على حياتنا اليومية قد تدفعنا لإعادة التفكير. إننا بصدد الحديث عن "مواقع الدمار الاجتماعي"، على الرغم من أنها صممت لربط الناس والتواصل بينهم، إلا أن هذه المواقع غالبا ما تدفعنا نحو العزلة الحقيقية. وأصبحت الهواتف الذكية هي رفيق السفر الدائم، حتى داخل المنزل. أصبحت الجلسات العائلية صامتة، يحدق فيها كل فرد في شاشته الخاصة. الحديث المباشر والنقاشات العميقة التي تبني الروابط الأسرية والعلاقات الحقيقية تراجعت أمام التفاعل الافتراضي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. يفقد الأطفال جزءا كبيرا من مهارات التواصل الاجتماعي المباشر، وتتعمق الفجوة بين الأجيال، ليصبح البيت الواحد عبارة عن جزر منعزلة متصلة فقط عبر شبكة "اللا تواصل".

لقد أصبحت مواقع التواصل أرضا خصبة لانتشار الشائعات والمعلومات المضللة بسرعة البرق. يكفي لشخص مجهول أن ينشر خبرا كاذبا حتى يصبح حديث الساعة، ويتسبب في بلبلة، وربما فتنة قد تهدد السلم المجتمعي، ويتلاشى دور المصدر الموثوق، ويصبح كل مستخدم ناشرا ومحللا، دون تدقيق أو تحقق. هذا الفضاء المفتوح على مصراعيه أضحى بيئة خصبة للاصطياد في الماء العكر، وبث السموم في عقول الناس، وتشويه الحقائق، وهو ما يؤدي حتما إلى تآكل الثقة بين الأفراد والمؤسسات.

ولا يمكن إغفال الكم الهائل من الوقت والطاقة التي تهدر على هذه المنصات. ساعات طويلة نقضيها في التمرير اللانهائي، ومشاهدة محتوى لا يضيف قيمة حقيقية، أو الانخراط في نقاشات عقيمة لا طائل منها. هذا الهدر يسرق منا الوقت الذي يمكن استغلاله في تطوير الذات، أو قضاء وقت أفضل مع العائلة، أو ممارسة الأنشطة الهادفة، أو حتى مجرد الاسترخاء والتأمل، فتتحول أهدافنا وطموحاتنا إلى مجرد منشورات نعجب بها، دون أن نخطو خطوة حقيقية نحو تحقيقها.

القول بأن هذه مواقع دمار اجتماعي ليس مبالغا فيه، ولكنها تظل أداة يمكن توظيفها للخير أو للشر، والإفراط في استخدامها والانسياق الأعمى وراء تياراتها هو ما يجعلها تتحول إلى معول هدم لا بناء.

وللحفاظ على أنفسنا ومجتمعاتنا من هذا الدمار، يجب أن نتحلى بالوعي والنقد.يجب أن نتعلم الاستخدام الرشيد، وأن نفرض رقابة ذاتية على أوقاتنا ومحتوانا الذي نستهلكه أو ننشره. يجب أن نعود إلى جوهر التواصل الإنساني الحقيقي، وأن نعيد للعلاقات الأسرية والاجتماعية دفئها وبريقها.

أرجو أن يكون قد حان الوقت لنوازن كفتي الميزان: أن نأخذ من هذه المواقع ما ينفعنا، وأن نترك ما يضرنا، وإلا تحولت أدوات الاتصال إلى أدوات انفصال، ومصادر المعرفة إلى منابع تضليل، ولأصبحنا نشترى "إثمها" العظيم، بـ "نفعها" البسيط.

[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق