بيروت- على عكس التوقعات، عبّر مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى لبنان وسوريا، توماس باراك، اليوم الاثنين، خلال مؤتمر صحفي عقده في بيروت عقب لقائه الرئيس اللبناني جوزيف عون، عن "رضاه التام" تجاه رد الحكومة اللبنانية على المقترح الأميركي.
وقال باراك "أنا ممتن للغاية للرد اللبناني، الذي جاء مدروساً وموزوناً، ونعمل حالياً على صياغة خطة للمضي قدماً، ولتحقيق ذلك، نحن بحاجة لاستمرار الحوار البناء"، مضيفا "ما قدمته الحكومة كان ممتازاً في وقت قياسي وبطريقة معقدة جداً".
وفي موقف واضح، أشار باراك إلى أن قضية سلاح حزب الله ليست من مسؤولية الولايات المتحدة، بل من اختصاص لبنان وحده.
وعن ذلك واصل: "يجب أن يدرك حزب الله أن هناك مستقبلاً له، لكن عليه أن يؤمن بأن المسار الحالي لن يحقق النتائج المرجوة"، معتبراً أن "المشكلة ليست مرتبطة بإيران، وإنما بالوضع الداخلي اللبناني، حيث لم يتم التوصل بعد إلى توافق داخلي بين اللبنانيين".
مصالح البلاد
وبينما يشدد الأميركيون على أهمية المضي قدما بخطوات تنفيذية، تتباين القراءة اللبنانية لمآلات المبادرة، في ظل غياب الإجماع الوطني وتزايد المخاوف من أن يتحوّل الملف إلى سجال يضاف إلى سجل الأزمات المفتوحة في البلاد.
واعتبرت بعض الأحزاب الرد اللبناني الرسمي واضحا ومتماشيا مع مصالح البلاد، خاصة عن آليات وقف إطلاق النار. في حين انتقدت أطراف أخرى غموض المقترح وعدم عرضه رسميا داخل مجلس الوزراء، مؤكدة أهمية الالتزام بالمسار المؤسساتي والدستوري.
أما ملف حصر السلاح بيد الدولة، فلا يزال محل جدل كبير، وسط تأكيد عام على ضرورة التعامل معه ضمن إستراتيجية وطنية شاملة. ورغم تعدد الرؤى، يسود الخوف من تحول هذا الملف إلى حلقة مفرغة.
ويقول النائب عن التنمية والتحرير (الكتلة البرلمانية التابعة لحركة أمل) قاسم هاشم، إن الرد اللبناني الرسمي جاء منسجما مع بيان رئاسة الجمهورية وموقف رئيس مجلس النواب نبيه بري، وتضمن أفكارا لبنانية واضحة من المقترح الأميركي، خاصة عن الآليات التطبيقية لقرار وقف إطلاق النار.
إعلان
وأضاف للجزيرة نت، أن "الرد اللبناني تناول أبرز ما جاء في المبادرة الأميركية، وتحديدا ما يتصل بتطبيق القرار1701، بما يحفظ مصلحة لبنان وسيادته"، مشيرا إلى أن الأساس في الرد هو التفاهم على آلية تؤدي إلى وقف شامل لإطلاق النار، باعتبار ذلك مدخلا إلزاميا لأي خطوة لاحقة.
وأكد أن لبنان أوفى بالتزاماته تجاه القرار الدولي، بينما لم يُظهر الاحتلال الإسرائيلي أي التزام يُذكر، وواصل خروقاته وتنصّله من واجباته. وقال "من هنا جاء الرد اللبناني ليؤكد ما يجب على إسرائيل القيام به، كشرط أساس لاستكمال أي تفاهم يخدم مصلحة لبنان وكرامته وسيادته".
وعن مسألة حصر السلاح بيد الدولة، رأى هاشم، أن الوقت لا يزال مبكرا لطرح هذا الملف، معتبرا أنه "موضوع وطني بامتياز، لا يُناقش إلا في سياق إستراتيجية دفاعية شاملة، تُبنى على قاعدة حماية لبنان من العدوان وضمان أمنه واستقراره وسيادته".
مقترح غامض
في المقابل، يرى مسؤول جهاز الإعلام في حزب القوات اللبنانية، شارل جبور، أن "الورقة الأميركية" لا تزال غامضة في مضمونها، مؤكدًا أن لا أحد من اللبنانيين ولا حتى الوزراء اطلع رسميا على تفاصيلها حتى اللحظة.
وأضاف للجزيرة نت، "طالبنا، ولا نزال، بأن تُعرض هذه الورقة على مجلس الوزراء، باعتبار أن السلطة التنفيذية تناط بالحكومة مجتمعة، وفق ما ينص عليه الدستور، لا يحق لأي جهة أن تتصرف منفردة، خصوصا في قضايا بهذه الحساسية".
وأشار إلى أن ما يجري، حتى الآن، لا ينسجم مع المسار الدستوري الذي يأملونه، ولا تزال الأمور مبهمة والخطوة التي كانوا ينتظرونها ذهبت في اتجاه مختلف عن المنحى التشاوري والمؤسساتي المفترض اعتماده.
ونبَّه جبور إلى أن الخشية تكمن في أن تتحوّل هذه الورقة إلى حلقة جديدة من الدوران في المجهول، وقال: "نطالب بتطبيق اتفاق الطائف، وبأن تحتكر الدولة وحدها السلاح، كما ندعو إلى تنفيذ خطاب القسم، والبيان الوزاري، لكن هل نحن فعلًا نسير في هذا الاتجاه؟".
وأضاف "حزب الله، في مواقفه المعلنة، لا يزال يرفض التخلي عن مشروعه المسلح، وإذا لم يكن هذا مطروحا، فما الذي نكون قد أنجزناه؟ للأسف، ما نشهده اليوم هو دوران في حلقة مفرغة، محفوفة بالمخاطر".
خط أحمر
من جهته، شدد عضو المجلس السياسي في التيار الوطني الحر، وليد الأشقر، على أن ملف تسليم السلاح والقرارات الدولية يجب أن يُقارب من منطلق سيادة الدولة اللبنانية، مبينا أن هذه السيادة لا تكون إلا بالمؤسسات الدستورية، وفي مقدمتها رئاسة الجمهورية.
وأكد الأشقر، أن أي خطوات تُتخذ خارج إطار الدستور، سواء بصيغة الترويكا أم أي آليات مشابهة، تُعد خرقا واضحا للنظام الدستوري اللبناني، مشيرا إلى أن "هذه المقاربات، وإن جاءت من الحكومة، فهي تبقى مرفوضة لأنها تخالف النص والروح الدستوريين".
وأضاف "نحن، في التيار الوطني الحر، قد نختلف أو نتفق مع الحكومة في ملفات عدة، لكن عندما يتعلق الأمر بخرق الدستور، يصبح الموقف واضحا وحاسما: هذا خط أحمر".
ودعا الأشقر إلى أن تكون المفاوضات بشأن الملفات السيادية محصورة في رئيس الجمهورية، وضمن الأطر الدستورية الواضحة، معتبرًا أن التعويل اليوم يجب أن يكون على قدرة الرئيس في إدارة هذا الملف الشائك.
إعلان
لكنه لفت إلى أن المعطيات الحالية لا تشير إلى وجود أرضية مشتركة صلبة، قائلا "قد تكون هناك بعض النقاط المشتركة أو العناوين العامة، لكنها غير كافية للتوصل إلى اتفاق بحجم ما يطرح اليوم".
0 تعليق