قضية «حريق الجهراء»... عندما يتحول الفرح إلى وجع - هرم مصر

الجريدة الكويتية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عندما يتحول الفرح إلى ذاكرة وجع وألم، فلم تكن خيمة الزفاف التي نُصبت في منطقة العيون بمحافظة الجهراء مساء أحد أيام شهر أغسطس 2009 سوى مساحة فرح، استقبلت فيها العروس مهنئيها من قريباتها وصديقاتها، لكن، وفي لمح البصر، تحولت هذه الخيمة إلى كتلة لهب، تحاصر الداخلين، وتختنق فيها الصرخات، لتتحول الواقعة إلى فاجعة.

برنامج «رُفعت الجلسة»، الذي يقدّمه الزميل د. حسين العبدالله يسلّط الضوء في حلقته التاسعة على واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدتها الكويت في تاريخها الحديث، حين التهم الحريق أرواح 59 شخصاً، معظمهم من النساء والأطفال، وأصاب أكثر من 50 بجروح، بعضها ترك أثراً لا يُنسى، لا جسدياً ولا نفسياً.

التحقيقات بدأت سريعاً، وساعات قليلة فصلت بين تصاعد الدخان وبين اكتشاف الحقيقة التي صدمت الجميع، فالحريق لم يكن قضاءً وقدراً، بل بفعل متعمد، ارتكبته «الزوجة الأولى»، بدافع الغيرة على زوجها في حفل زفافه بالثانية.

ففي البداية، لم يُعرف سبب الحريق، وتعاملت أجهزة الإطفاء والداخلية مع البلاغ كحادث عرضي، وربما تماسّ كهربائي، أو خطأ في تمديدات الإنارة، لكن، مع طلوع شمس اليوم التالي، ظهرت شهادة قلبت المعادلة.

أحد شهود العيان أبلغ رجال الأمن بأنه شاهد امرأة تقترب من الخيمة، تسكب مادة سائلة من قنينة، ثم تشعل النار قبل أن تغادر المكان بهدوء، وعلى ضوء ذلك تحركت فرق الأدلة الجنائية إلى موقع الشهادة، وعثرت على القنينة البلاستيكية أعلى أحد أسطح البيوت المجاورة، وبتحليلها، تبيّن أنها تحتوي على بقايا مادة البنزين.

ولزيادة التأكد، قامت فرق التحقيق بمحاكاة الواقعة، نصبت خيمة مماثلة في منطقة صحراوية، وسكبت عليها كمية من البنزين... فاشتعلت بالكامل خلال أقل من 20 ثانية، وهكذا، تأكد أن الفاجعة كانت نتيجة فعل متعمد، وبدأت رحلة البحث عن الجانية، ومن هنا تقاطعت المعلومات حول زوجة أولى غاضبة من زواج زوجها بثانية، وكانت قد أطلقت تهديدات سابقة، ومع تضييق دائرة الاشتباه، ألقي القبض على المجرمة، وجرى التحقيق معها.

واعترفت، أمام النيابة العامة، بأنها انتقلت يوم الحادث من منزلها في منطقة الري، واستقلت سيارة أجرة، وتوجهت إلى محطة وقود، حيث ملأت قنينة بلاستيكية بالبنزين، بعدها، توجهت إلى خيمة العرس، وتسللت إلى أحد جوانبها، وسكبت البنزين، ثم أشعلت النار، وألقت القارورة بعيداً.

وقالت للنيابة إنها لم تكن تنوي قتل أحد، بل «تخريب العرس»، وإنها «فوجئت بما حدث»، لكن التسلسل المنطقي لأفعالها، شراء البنزين، واختيار التوقيت، واختيار المكان، أقنع المحققين بوجود نية القتل.

في قاعة المحكمة... اعتراف ثم إنكار

أمام محكمة الجنايات، واجهت المتهمة اتهاماً صريحاً، القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد باستخدام الحريق، وكان القاضي عادل الصقر قد تلا عليها الاتهامات، لكنها أنكرتها كاملة.

كانت المفارقة أن المتهمة، التي اعترفت في تحقيقات النيابة بكل التفاصيل، ثم تراجعت أمام المحكمة وأنكرت كل شيء، لكنّ الأدلة كانت دامغة، وسلسلة التحقيقات متماسكة، واعترافاتها السابقة موثقة.

وفي حديث مع رئيس الدائرة التي أصدرت الحكم، قال القاضي عادل الصقر: «أنا لا أُخضع العدالة للرأي العام، فقرارات المحكمة نتخذها بناءً على الوقائع، بالأدلة، وبالإجماع».

ورداً على سؤال: «لو عاد بك الزمن، هل كنت ستُصدر الحكم ذاته؟»، قال: «نعم، لأن القرار لم يُتّخذ ارتجالاً، بل بعد دراسة معمقة، واجتماع رأي المحكمة بكامل أعضائها. هذه عدالة، وليست انطباعات».

المحكمة دانتها وقضت بإعدامها شنقاً، فطعنت المتهمة على الحكم أمام محكمة الاستئناف، التي أيّدت الحكم، ثم محكمة التمييز برئاسة المستشار أحمد العجيل، التي ثبّتت العقوبة، وأصبح الحكم باتاً ونهائياً، ونُفّذ حكم الإعدام بحقها عام 2011، بعد أن استنفدت كل درجات التقاضي، ولا يغيب عن الأذهان إحدى الشهادات المؤلمة التي جاءت من أحد الرجال، الذي فقد في الحريق زوجته، ووالدته، وشقيقته، وقال: «ذهبت 3 نساء من عائلتي... ولم أستطع أن أودّع أي واحدة منهن».

على كلٍّ، طوت المحاكم الكويتية هذه القضية بإصدار وتنفيذ حكم الإعدام، لكنها، في ذاكرة الناس، لم تُغلق بَعد، وستظل تُروى كواحدة من أبشع جرائم الغيرة، وأكثرها دموية في تاريخ البلاد.. فأي غيرة تلك التي تودي بحياة العشرات وتحوّل الفرح إلى وجع؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق