السودان.. تجاوزات "التعدين" تثير مخاوف من انتشار السرطان - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حذر سكان محليون في منطقة دلقو التاريخية بشمال السودان من كارثة صحية وبيئية تهدد حياة الآلاف من السكان بعد بتشخيص مئات الحالات بمرض السرطان خلال فترة لم تتجاوز الخمس سنوات من بينها أكثر من 40 حالة في قرية صغيرة يبلغ عدد سكانها أقل من 3 آلاف شخص، بحسب رئيس اللجنة الأهلية في المنطقة المتابعة للملف، عكاشة علي.

وقال عكاشة إن شركات التعدين ترتكب تجاوزات كبيرة عرضت حياة السكان لمخاطر صحية وبيئية كارثية وأدت إلى اتلاف أجزاء كبيرة من بساتين النخيل والفواكه.

ويتهم الأهالي إحدى شركات تعدين الذهب بالاستخدام المفرط لمادتي السيانيد والزئبق في مواقع لا تبعد سوى 4 كيلومترات عن المناطق السكنية في حين أن قواعد التعدين تتطلب وجود مسافة آمنة لا تقل عن 15 كيلومترا.

ووفق سكان محليين فإن عدم ضبط أنشطة التعدين قد تسبب في إصابة المئات بالسرطانات والفشل الكلوي وعدد من الأمراض الخطيرة إضافة إلى أضرار بالغة لحقت بالبيئة، مشيرين إلى فشلهم في الحصول على حقوقهم القانونية عبر المحاكم.

أرقام مقلقة

وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة، إلا أن آخر بيانات صادرة عن وزارة الصحة أشارت إلى وجود 20 ألف حالة إصابة بالسرطان؛ 8 بالمئة منهم أطفال، لكن تقرير علمي نشرته مجلة "إيكانسر" البريطانية قال إن هنالك أكثر من 40 الف سوداني مصاب بمرض السرطان.

وتتركز معظم الإصابات في مناطق قريبة من مواقع التعدين في شمال وشرق البلاد.

ويعيش معظم المصابين في مناطق غنية جدا بالذهب إلا أن المفارقة تكمن في أن نحو 90 بالمئة منهم بعيشون فقرا شديدا وتفتقد مناطقهم إلى البنية الصحية اللازمة ويضطرون للانتقال للعلاج في المراكز المتخصصة القليلة المتمركزة في العاصمة الخرطوم ومدينة واد مدني والتي تأثرت بشكل كبير في ظل الحرب المستمرة في البلاد منذ منتصف أبريل 2023.

مواجهة الشركات

يؤكد عكاشة علي أن سكان المنطقة الواقعة على بعد نحو 660 كيلومترا شمال العاصمة الخرطوم، ظلوا يسعون عبر المحاكم لسنوات طويلة للحصول على قرار بإبعاد أنشطة الشركة للمسافة الجغرافية الآمنة واتخاذ كافة إجراءات السلامة التي تحافظ على حياة السكان.

ويقول عكاشة لموقع "سكاي نيوز عربية": "طرقنا أبواب المحاكم وحصلنا في العام 2020 على قرار وزاري بإبعاد أنشطة الشركة لمسافة تصل إلى 25 كيلومترا عن المناطق السكنية، لكن الشركة عادت للعمل وترفض حتى الآن اتباع الإجراءات التي تقي السكان من الآثار الكارثية السالبة لأنشطتها".

ويضيف: "بعد محاولة الأهالي مقاومة عملها تقدمت الشركة مؤخرا باستئناف أمام محكمة دنقلا التي أصدرت حكما لصالحها".

ويبدي عكاشة استغرابه من قرار المحكمة رغم الأضرار الصحية والبيئية البالغة التي تعرض لها سكان المنطقة. ويتابع "مات الكثير من الأهالي بسبب أمراض متعلقة بأنشطة التعدين كما تتزايد بشكل مضطرد إصابات السرطانات وعمليات التدمير المستمرة للبساتين والحقول الزراعية، لكن قرار المحكمة الأخير لم يراعي هذه الأضرار الكارثية".

ويؤكد عكاشة أن الأهالي قدموا كافة المستندات التي تحوي وقائع توصل لها مختصون صحيون وبيئيون وأكدت حجم الأضرار الكارثية التي نجمت عن أنشطة التعدين.

تلوث بيئي 

ويشير المستشار الجيولوجي تاج الدين سيد أحمد إلى أن معظم الشركات العاملة في المنطقة، تشتري النفايات الملوثة بالزئبق من المعدنيين، وهو أمر مخالف لقواعد وقوانين التعدين.

وتكمن خطورة الزئبق، الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية واحدا من أخطر 10 مواد كيماوية، في أنه يتسبب في أضرار كبيرة للسكان والكائنات الحية في المناطق القريبة من مواقع التعدين ويؤثر على الصحة.

ويتزايد خطر الزئبق والمواد الأخرى المستخدمة في التعدين في ظل الرياح والسيول التي تجتاح المنطقة بشكل متكرر مما يؤدي لجرف مواد مشعة وخطرة مختلطة بالمخلفات مثل اليورانيوم والبلوتونيوم وغيرها من المواد المشعة أو الفلزات الثقيلة المستخرجة مع مخلفات الذهب من أماكن التنقيب، وبالتالي تجد تلك المواد طريقها إلى مصادر مياه الشرب والمزارع مما يشكل خطرا كبيرا على الإنسان والبيئة.

ورغم توقيع السودان على اتفاقية "ميناماتا" العالمية بشأن الزئبق والتي دخلت حيز التنفيذ في أغسطس 2017، فإن الالتزام الحكومي بالمعايير العالمية المتفق عليها فيما يتعلق بالاستخدام الآمن للزئبق والسيانيد والمواد الكيماوية الأخرى في مناطق التعدين لا يزال ضعيفا.

وفي هذا السياق، يقول سيد أحمد إن المختصين وسكان المنطقة ادركوا خطورة الوضع منذ سنوات وطرقوا أبواب المحاكم، "لكنهم للأسف لم يتمكنوا حتى الآن من الحصول على حكم قضائي ينقذ حياتهم ويجنب منطقتهم ويلات الآثار البيئية الكارثية التي بدأت تظهر بشكل خطير".

مؤشرات خطيرة

ويلفت خبراء إلى وجود مشكلة حقيقية تكمن في طريقة التعامل مع مادتي الزئبق والسيانيد حيث لا توجد سيطرة كافية على هذه المواد الشديدة الخطورة على صحة الإنسان والبيئة.

ووفقا لطبيب محلي فقد سجلت في المنطقة خلال الفترة الأخيرة العديد من حالات الإصابة بالسرطان والإجهاض والأمراض العصبية وأمراض الكلى الجهاز التنفسي وحالات التسمم القاتلة وذلك بسبب تسرب مخلفات ملوثة بالزئبق والسيانيد واختلاطها بمياه الشرب.

وكانت اللجنة الوطنية لمناصرة البيئة قد حذرت في وقت سابق من أخطار كبيرة تهدد حياة المعدنين والمواطنين على حد سواء، بسبب الاستخدام السيئ لمادتي الزئبق والسيانيد المحرمة دوليا بدون تحوطات علمية، أو دراسة الأثر البيئي في مواقع التعدين والمناطق السكنية المحيطة بها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق