يعتبر غمس قطعة من البسكويت في كوب الشاي الساخن لحظة من الراحة والمتعة اليومية لدى الملايين حول العالم.
هي عادة بسيطة، متجذرة في ثقافات عديدة، تبعث على الدفء والسكينة.
لكن خلف هذه الصورة البريئة، بدأ خبراء التغذية والصحة العامة في دق ناقوس الخطر، محذرين من أن هذا التقليد المحبب قد يخفي وراءه سلسلة من المخاطر الصحية التي لا يدركها الكثيرون ، المشكلة لا تكمن في فعل الغمس بحد ذاته، بل في طبيعة المواد التي نستهلكها والكميات التي نشجع أنفسنا على تناولها من خلال هذه العادة.
قنبلة السكر والدهون: الخطر الأبرز
يؤكد خبراء التغذية أن الخطر الأكثر مباشرة هو تحول كوب الشاي بالبسكويت إلى "قنبلة سكر" مركزة.
وتشرح أخصائية التغذية العلاجية، الدكتورة لانا المصري، قائلة: "معظم أنواع البسكويت التجاري تحتوي على كميات عالية من السكر المكرر والدهون المشبعة أو المهدرجة. عندما نغمس البسكويت في الشاي، الذي غالباً ما يكون مُحلى أيضاً، فإننا نستهلك جرعة مضاعفة وسريعة من السكر."
هذا الارتفاع المفاجئ في سكر الدم يدفع البنكرياس إلى إفراز كميات كبيرة من الأنسولين، مما يؤدي إلى هبوط حاد في الطاقة بعد فترة وجيزة، ويزيد من الرغبة في تناول المزيد من السكريات. وعلى المدى الطويل، تساهم هذه العادة اليومية في زيادة الوزن، رفع خطر مقاومة الأنسولين، والإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
طبيعة البسكويت المصنّع: عدو صامت
يندرج معظم البسكويت المتوفر في الأسواق تحت فئة "الأطعمة فائقة المعالجة" (Ultra-Processed Foods).
هذه الأطعمة لا تحتوي فقط على السكر والدهون، بل على قائمة من المواد المضافة والمواد الحافظة والنكهات الصناعية، بينما تفتقر إلى الألياف والعناصر الغذائية المفيدة.
ويشير الخبراء إلى أن غمس البسكويت يجعله أطرى وأسهل في التناول، مما يدفع الشخص إلى استهلاك كميات أكبر دون أن يشعر.
فبدلاً من تناول قطعة أو اثنتين، قد يجد الشخص نفسه قد أنهى نصف علبة بشكل غير واعٍ، مدخلاً إلى جسمه كمية كبيرة من السعرات الحرارية الفارغة والمكونات غير الصحية.
صحة الأسنان والجهاز الهضمي
لا تتوقف المخاطر عند هذا الحد. يحذر أطباء الأسنان من أن البسكويت، عندما يلين بفعل الشاي، يتحول إلى عجينة سكرية تلتصق بالأسنان لفترة طويلة، مما يخلق بيئة مثالية لنمو البكتيريا المسببة للتسوس وتآكل المينا.
كما أن الجمع بين السكريات العالية والدقيق المكرر الموجود في البسكويت قد يسبب لدى بعض الأشخاص الذين يعانون من حساسية الجهاز الهضمي مشاكل مثل الانتفاخ والغازات وعسر الهضم.
مادة الأكريلاميد: الخطر الخفي
تكشف تقارير سلامة الغذاء عن وجود مادة كيميائية تسمى "الأكريلاميد"، والتي تتكون بشكل طبيعي في الأطعمة النشوية عند طهيها على درجات حرارة عالية، مثل الخبز أو القلي. وتصنفها الهيئات الصحية الدولية على أنها مادة قد تكون مسرطنة.
وعلى الرغم من أن كميتها في قطعة بسكويت واحدة قد تكون ضئيلة، إلا أن الاستهلاك المزمن واليومي يزيد من التعرض الكلي لهذه المادة على المدى الطويل.
توصيات الخبراء:
لا يدعو الخبراء إلى التخلي عن هذه العادة بالكامل، بل إلى التعامل معها بوعي ومسؤولية:
اختر بحكمة: ابحث عن أنواع البسكويت المصنوعة من الحبوب الكاملة، والتي تحتوي على نسبة أقل من السكر والدهون.
الاعتدال هو المفتاح: حدد الكمية بقطعة أو اثنتين، وتناولها ببطء.
قلل السكر في الشاي: حاول تقليل كمية السكر المضافة إلى الشاي أو الاستغناء عنها تماماً.
اجعلها عادة عرضية: تعامل معها كمتعة عرضية وليس كجزء أساسي من روتينك اليومي.
إن متعة غمس البسكويت في الشاي لا يمكن إنكارها، لكن الوعي بمكونات ما نأكله وتأثيره على صحتنا هو الخطوة الأولى نحو الاستمتاع بعاداتنا دون أن ندفع ثمناً صحياً باهظاً في المستقبل.
0 تعليق