تشهد معارك شرسة.. ما الأهمية الإستراتيجية لمدينة بابنوسة بكردفان؟ - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الخرطوم- عزت قيادات ميدانية وعسكرية رفيعة، تحدثت للجزيرة نت، المواجهات الشرسة والمعارك الضارية التي ظلت تشهدها مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان خلال الأيام الماضية لأهميتها الإستراتيجية والعسكرية الكبرى، وتأثيرها الحاسم بتغيير مسار العمليات الحربية المتصاعدة بين الجيش السوداني والدعم السريع غربي السودان.

وقال رئيس هيئة أركان الجيش السوداني السابق الفريق أول هاشم عبد المطلب للجزيرة نت، إن مليشيا الدعم السريع وبعد إدراكها بأنه لن يكون لها وجود بأي مدينة بكردفان هاجمت مدينة بابنوسة لتشتيت جهود الجيش وصرفه عن هدفه الرئيس وهو السيطرة على مدينة الفاشر العصية.

وفي عملية عسكرية جريئة، تمكّن الجيش السوداني -أول أمس الخميس- من إسقاط إمداد جوي لتعزيز صمود الفرقة 22 مشاة المحاصرة بمدينة بابنوسة، حيث ظلت في مرمى نيران قوات الدعم السريع التي تسعى بالسيطرة عليها لخنق مدينة الأُبَيّض وعرقلة تقدّم "متحرك الصياد" التابع للجيش السوداني نحو مدن دارفور الكبرى.

موقع وإستراتيجية

تقع مدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان وتبعد عن العاصمة الخرطوم نحو 700 كيلومتر جنوب غرب، وتعتبر إحدى المدن الاقتصادية المهمة غرب السودان، حيث اشتهرت بمصنع ألبان بابنوسة، وبأهم محطات التقاطع الرئيسية في سكة حديد السودان التي تربط غربه بشرقه وشماله بجنوبه.

وتمثل بابنوسة السودانيين كافة، فقد وفد إليها الموظفون والعمال المهرة من كل مكان للعمل في مصنع تجفيف الألبان وورش السكك الحديدية، فهي تضم رئاسة سكة حديد الإقليم الغربي، وقبل الحرب، ضمت سوقا كبيرا جعلها مدينة اقتصادية بامتياز.

ومنذ اندلاع الحرب 15 أبريل/نيسان 2023 ظلت بابنوسة في مرمى النيران وتُمطرها الدعم السريع بين الحين والآخر بوابل من الرصاص والهجوم الذي لم يتوقف إلا ليعود أشد ضراوة عن سابقاته بهدف السيطرة عليها كما مدن أخرى غرب السودان.

إعلان

وفي ولاية غرب كردفان ما زال الجيش السوداني يحتفظ بمدينة بابنوسة وحقول النفط في منطقة هجليج، بينما تمكن الدعم السريع خلال عامين وأكثر من عمر الحرب من السيطرة على مدينة الفولة عاصمة الولاية، ومدن أبو زبد، والنهود، والميرم، والمجلد، ولقاوة، وود بندة، ومدينة الخوي التي جرت على تخومها -أول أمس الخميس- مواجهات عسكرية عنيفة. وأفادت مصادر ميدانية للجزيرة نت بأن استعادة الجيش للخوي أصبح مسألة وقت لا أكثر.

خريطة - مدينة بابنوسة - خريطة السودان
أهمية مدينة بابنوسة تكمن باتصالها الجنوبي مع دولة جنوب السودان وكونها ممرا لدارفور (الجزيرة)

وحول الأهمية الإستراتيجية لبابنوسة، والتي جعلتها أكثر مدن غرب السودان التي شهدت معارك عسكرية بجانب الفاشر، قال المحلل والخبير في شؤون المنطقة، أحمد سليمان قور للجزيرة نت، إن بابنوسة هي البوابة التي يُمكن أن يدخل منها الجيش إلى دارفور بصورة سريعة.

وأفاد بأنه حال حدوث الالتحام المتوقع قريبا بين متحرك الصياد والفرقة "22 بابنوسة" التابعة للجيش السوداني، فسيؤدي لسقوط مشروع المليشيا في دارفور.

ومن الناحية الغربية -يوضح قور- تبعد بابنوسة عن مدينة نيالا التي تربطها بها طريق سكة حديد نحو 360 كيلومترا، ويقول إن التحام متحرك الصياد بالفرقة 22 بابنوسة يعني تلقائيا دخول الجيش للضعين ولنيالا كذلك.

ونوّه إلى أهميتها بسبب حدودها الجنوبية مع دولة جنوب السودان، وهناك خط سكة حديد يصل عبر الحدود الجنوبية إلى محطة مدينة واو بدولة الجنوب. ومن الخط الغربي عن طريق النهود الأسفلتي، فإن المسافة بين بابنوسة ومدينة الفاشر تبعد نحو 420 كيلومترا، ومن هنا جاءت أهمية موقعها الإستراتيجي.

لكن الأخطر من ذلك -حسب قور- أنه إذا استطاعت المليشيا إسقاط بابنوسة فيمكنها عبر الاتجاه الغربي جعلها مدخلاً لإمداد المليشيا من تشاد وأفريقيا الوسطى، كما يمكن للحركة الشعبية المتمردة أن تغامر بدخول المنطقة من الناحية الشرقية، وستتمكن المليشيا من حصار الأُبيض وربما يصبح دخولها لها أمرا سهلا بالنسبة لهم في هذه الحالة.

ورغم ذلك، استبعد قور بشدة هذا السيناريو، وقال إن الفرقة "22 بابنوسة" ظلت صامدة ومحل تركيز واهتمام القيادة لأنها موقع إستراتيجي مهم جدا.

سر الصمود

ومع تجدد وتعدد الاشتباكات في مدينة بابنوسة بصورة ضارية منذ شهر مايو/أيار الماضي، تناقلت الأوساط السودانية تساؤلات حول سر صمود "الفرقة 22" مشاة في بابنوسة وتصدي دفاعتها التي ما زالت حصينة أمام الهجوم المتتالي الذي يشنه الدعم السريع عليها.

وقال الفريق أول هاشم عبد المطلب للجزيرة نت، إن القيادة الصلبة الواثقة والجندي المدرب جيدا والوحدة المتماسكة والتي تتمتع بروح معنوية عالية كل ذلك يولد الثقة للتحول لإرادة قتال وثبات تتكسر أمامه محاولات العدو وهجماته.

ونوّه إلى أن ما يهم الدعم السريع هو الفاشر وليس بابنوسة وكل الهجوم الذي تنفذه في غرب كردفان لصرف أنظار الجيش عن الفاشر، كما أنها تخشى إذا سيطرت القوات المسلحة على كردفان أن تتقدم لتحرير مدينة الضعين.

ويتبع للفرقة 22 مشاة بابنوسة اللواء "90 هجليج" على الحدود مع دولة الجنوب، واللواء "89 بابنوسة"، بجانب اللواء "92 بليلة" وهي منطقة يسيطر عليها الدعم السريع منذ فترة، وبعد انسحاب الجيش منها.

FILE - Sudanese soldiers from the Rapid Support Forces unit, led by Gen. Mohammed Hamdan Dagalo, the deputy head of the military council, secure the area where Dagalo attends a military-backed tribe's rally, in the East Nile province, Sudan, on June 22, 2019. The U.N. Security Council adopted a resolution Thursday, June 13, 2024, demanding that Sudan’s paramilitary force halt its siege of the only capital in the vast western region of Darfur that it doesn’t control where more than a million people are reportedly trapped. The resolution, which was approved by a vote of 14-0 with Russia abstaining, expresses “grave concern” at the spreading violence and credible reports that the paramilitary Rapid Support Forces are carrying out “ethnically motivated violence” in El Fasher. (AP Photo/Hussein Malla, File)
قوات الدعم السريع تحاول السيطرة على مدينة بابنوسة لمنع تقدم الجيش السوداني نحو دارفور (أسوشيتد برس)

بؤرة ساخنة

وبعد هدوء حذِر استمر لأشهر، عادت مدينة بابنوسة لواجهة الأحداث من جديد بعد أن أصبحت واحدة من أسخن بؤر ومسارح الحرب الدائرة في السودان، وتصدّرت بقوة المشهد الحربي بغرب كردفان عقب هجوم قوات الدعم السريع من عدة محاور على مواقع الجيش داخل بابنوسة.

إعلان

وفي الأثناء، أعلن الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد نبيل عبد الله، أن قوات الجيش بالفرقة 22 مشاة في بابنوسة تمكّنت من صدّ وسحق هجوم واسع شنّته مليشيا الدعم السريع بعد أن ظلت تحشد له منذ فترة، مستخدمة عددا كبيرا من المرتزقة والعتاد العسكري، لكن الهجوم فشل أمام صمود القوات المسلحة واستعدادها الكامل.

مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان
مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان ذات أهمية اقتصادية وسياسية أيضا (الصحافة السودانية)

وأكد عبد الله، أكثر من مرة خلال الأيام الماضية، تصدي الجيش لهجوم عنيف من المليشيا وشنّه لهجوم مضاد أدى لسحق مرتزقة المليشيا وتدمير كميات كبيرة من عتادهم العسكري ومركباتهم القتالية، إضافة لقتل العشرات منهم، مشددا على أن بابنوسة ستظل عصية على المليشيا ومقبرة لمن يحاول الاقتراب منها.

ورجحت مصادر ميدانية مطلعة بالمنطقة تحدثت للجزيرة نت، استمرار الدعم السريع بحشده لأكبر عدد من القوات والعتاد لمحاولة السيطرة مجددا على بابنوسة، وتوقعت في الآن ذاته تصدي الجيش لأي هجمات محتملة وذوده عن المدينة لأهميتها الإستراتيجية الكبيرة وتأثيرها المباشر بمسارات ومجريات الحرب غربي السودان.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق