شكّل تهريب وتصنيع الكبتاغون سرا من أسرار النظام السوري السابق، لكنه أيضا كان يشكل مصدرا أساسيا لعصابات ومافيات على الحدود مع لبنان، حيث انتشرت معامل التصنيع وازدهرت طرق التهريب من تلك المنطقة.
خلال السنوات الماضية، ملايين الحبوب البيضاء الصغيرة ضبطت في أكثر من بلد وفي أكثر من ميناء وخبأت في طرق وأساليب مبتكرة. في الشاي والقهوة وأدوات البناء وحبات الرمان والليمون والبرتقال والخس.
هذه المواد كانت محشوة بعشرات ملايين حبات الكبتاغون ضبطت في أكثر من بلد عربي وأجنبي مهربة من لبنان وسوريا على مدى السنوات الماضية.
تواصلت عمليات التهريب لسنوات، وأخفت امبراطورية قائمة بحد ذاتها. امبراطورية الكبتاغون والمخدرات. حيث تحول لبنان الى معبر أساسي لتهريب هذه المادة الى الدول العربية والأوروبية والافريقية أيضا.
حبوب الموت أو حبوب الكبتاغون المخدرة انتشرت بشكل غير مسبوق، وغزت كل دولة في المنطقة تقريبا، لتصبح واحدة من أخطر أنواع التهريب في المنطقة بأسرها.
يقول الباحث في "معهد "كارنيغي" للشرق الأوسط مهند الحاج علي، إن "مخدر الكبتاغون شكّل تجارة مربحة للنظام السوري، حيث كان الاقتصاد في دمشق محطّم طيلة سنوات الحرب الأهلية، لذلك لجأ الى هذه التجارة لتحقيق أرباح طائلة، باعتبار أن الكبتاغون يؤمن العملات الصعبة التي شحّت كثيرا في البلاد".
معامل ضخمة على الحدود بين سوريا ولبنان
بعد ساعات فقط من سقوط النظام السوري، تمكن السوريون والمسلحون من الكشف عن معامل ضخمة لتصنيع الكبتاغون في كافة عدة مناطق سورية، أبرزها في ريف دمشق ومنطقة القصير والبلدات القريبة من الحدود مع لبنان.
في يناير 2025 في مدينة القصير السورية بريف حمص، ضبطت القوات الأمنية السورية الجديدة مصنعا ضخما لحبوب الكبتاغون، في المدينة التي كانت تسيطر عليها الفرقة الرابعة وحزب الله.
وبعدها كرّت السبحة. وتواصل ضبط عشرات المصانع وملايين الحبات المخدرة ليس فقط في سوريا إنما أيضا في لبنان.
يشير الكاتب السياسي في موقع "أساس ميديا" إبراهيم ريحان، الى أن "المعامل وغرف الإنتاج الأساسية للكبتاغون كانت تتوزع على المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، ومعظمها في البلدات الواقعة في ريف القصير القريبة من منطقة الهرمل اللبنانية شرقي لبنان، وكذلك في منطقة الطفيل على الحدود مع سوريا وهي منطقة تغلب علبها الصبغة المؤيدة لحزب الله والنظام السوري السابق".
ويقول الصحفي الاستقصائي رياض طوق إنه "في السابق كان الجيش السوري هو من يدير عمليات التهريب وكان كبار الضباط يديرون شبكات التهريب، كما ارتبط ولاء مهربي الكبتاغون بالفرقة الرابعة".
حبوب الحرب.. في زمن الحرب
إبان سنوات الحرب في سوريا، سجل نشاط لتجارة وصناعة حبوب الموت هذه، ووجد نافذون في النظام السوري على رأسهم الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد شقيق الرئيس السابق بشار الأسد في هذه التجارة وسيلة أساسية لتحقيق أرباح طائلة بعشرات مليارات الدولارات.
وسجل نشاط غير مسبوق لتجارة وصناعة حبوب الكبتاغون المخدرة في تلك الفترة، وتحولت تجارة "حبوب الحرب" هذه الى اقتصاد قائم بذاته، حتى عرفت سوريا بأنها أكبر مصدر ومنتج للكبتاغون في العالم.
وعلى جانبي الحدود اللبنانية السورية، نشأت امبراطورية كبتاغون بحد ذاتها، وعملت مصانع سرية على انتاج هذه المادة وتهريبها الى مختلف دول العالم.
وبحسب الباحث السياسي علي الأمين، فإن "مصانع انتاج الكبتاغون التي تركزت على جانبي الحدود اللبنانية السورية نتجت عن نظام مصالح مشترك بين أفراد النظام السوري وأطراف أخرى أمنية وسياسية وعسكرية واقتصادية".
حزب الله شريك في التصنيع والتهريب
تفيد تقارير عدم بأن حزب الله الذي سيطر على المنطقة الحدودية مع سوريا، وتواجد في مناطق سورية عدة، لعب دورا اساسيا في مسلسل الكبتاغون من التصنيع الى التهريب. لكنه ينفي هذه الاتهامات.
وفي هذا الإطار يقول الأمين: "سأسلم جدلا أن لا علاقة لحزب بالتهريب، لكن كل عمليات التهريب وصناعة هذه الحبوب كانت تتم أمام ناظريه، وبالتالي كان قادرا على منع تصنيع هذه المخدرات لو كان صاحب مصلحة في ذلك، وبالتالي هو مستفيد من عمليات التهريب وظاهرة الكبتاغون، والدليل أننا لم تنتشر هذه الظاهرة إلا في ظل سيطرة حزب الله".
من جهته يعتر الحاج علي أن "حزب الله يعتبر حليفا أساسيا لأكبر مصدّر للكبتاغون على مستوى العالم، في إشارة الى الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري"، ويقول إنه "لعب دورا تسهيليا في تلك التجارة، كما كشفت التقارير عن دور لأقارب مسؤولين في التنظيم في صناعة هذه الحبوب والاتجار بها".
وطوال سنوات، استخدمت المافيات المعابر الحدودية البرية والبحرية للبنان لتهريب الكبتاغون بوسائل مبتكرة لا تخطر على بال أحد، ما أدى الى تراجع سمعة لبنان وتعليق حركة الاستيراد من لبنان خصوصا الخضروات والمواد الغذائية.
عمليات ضبط توالت بعد سقوط النظام
تظهر البيانات الأمنية ارتفاعا في عمليات الضبط في لبنان منذ سقوط النظام وتغير المعادلات الأمنية في البلاد. فالجيش اللبناني تمكن من ضبط ملايين حبوب الكبتاغون في منطقة البقاع شرقي لبنان بعد أشهر من سقوط النظام، ومنها مصانع على الحدود اللبنانية السورية.
وبحسب بيانات الجيش، فإن وحداته تمكنت أيضا من إلقاء القبض على عصابات تتاجر بالكبتاغون وتقوم بتصنيع هذا المخدر بكميات ضخمة.
كما تم إغلاق معابر غير شرعية كانت تستخدم عادة لأعمال التهريب. وأعلنت الأجهزة الزمنية اللبنانية عن ضبط كميات كبيرة من المواد المصنعة لحبوب الكبتاغون.
وبرأي الكاتب السياسي داوود رمّال، "فإن جمهورية الكبتاغون هي أحد التعبيرات الفاقعة للفساد الذي استشرى في سوريا ولبنان، والذي استفاد منه الجميع، وبالتالي فإن هذه المسألة تحتاج الى قرار محلي لبناني وسوري وقرار عربي ضاغط لتفكيك هذه المنظومة التي شكلت هذه الجمهورية السوداء".
هل تراجعت هذه التجارة؟
ومع استمرار عمليات ضبط شحنات الكبتاغون في سوريا ولبنان، يقول ريحان إن "تجارة وتصنيع الكبتاغون تشهد انخفاضا في الوقت الحالي، لكن ذلك لا يعني انها توقفت بشكل كامل، باعتبار أن تجار المخدرات يبحثون دائما عن الربح السريع وعن طرق جديدة للاتجار والتصنيع، وبالتالي فإننا سنشهد مزيدا عمليات التهريب خلال الفترة المقبلة وإن كانت أكثر انخفاضا من الفترة السابقة".
ولأنها تجارة مربحة تحاول المافيات التي تتحكم بها مواصلة عملها والبحث عن خطوط امداد مختلفة. فيما تتشكل قوى جديدة تستفيد من الواقع الجديد للتورط بالاتجار بهذه الحبوب.
ويشير طوق الى أن "تجار المخدرات عادة ما يتحالفون مع الطرف الأقوى لنسج علاقات تسمح لهم بتسهيل عمليات التهريب"، متوقعا أن تتمكن هذه القوى من "إيجاد طريق جديد عبر الحدود اللبنانية السورية لمواصلة تصنيع وتهريب الكبتاغون، خصوصا وأن عائداتها المادية لن تسمح بالتخلي عنها بسهولة".
أما الحاج علي، فيلفت الى أن "التهريب سيستمر، لكن هوية الأشخاص المتورطين ودورهم سيختلف"، متوقعا أن تتواصل أعمال التهريب "باختلاف الظروف واختلاف اللاعبين".
وبناء على كل ذلك، يمكن القول أن جمهورية الكبتاغون اهتزت بالفعل، لكنها على ما يبدو لم تسقط بعد.
0 تعليق