مرّت خمس عشرة سنة على رحيل الصوت الذي لا يشبه إلا نفسه، الفنانة الخليجية رباب، تلك المرأة التي غنّت من أعماق وجعها، ووقّعت بصوتها على ذاكرة جيل كامل، ثم رحلت بصمت.. غريبة، مكسورة، وبلا وطن ولا هوية.
في زمن كانت فيه الساحة الغنائية الخليجية تعج بالأصوات الذكورية، لمع نجم رباب سريعاً، وتصدّرت بموهبتها الصافية طليعة المشهد.
صوتٌ أوقد الشجن في المقام، وتغلغل في الإحساس الشعبي بلا استئذان.
منذ ألبومها الأول (إجرح) 1980م، وحتى آخر قرار فني لها 2008م، كانت رباب تترك في كل عمل أثراً، وفي كل نغمة جرحاً ندياً.
لكن خلف هذا المجد الفني، كانت الحياة قد بنت لها سيرة من العذاب والاغتراب.
وُلدت في العراق، لكنها لم تعرفه وطناً. نشأت في الكويت، وهناك تفتّح صوتها، وتأهلت لأن تكون سفيرة الطرب الخليجي، لكن ظروف السياسة رسمت نهايتها بيد غريبة.
بعد الغزو العراقي للكويت 1990م، بدأت رحلة الشتات.
بين وجع الغربة ومرض القلب، كانت تغني. رفضت أن تستسلم.
قالت إن الكويت كانت بيتها، وإنها ستموت مرتين: مرة حين مُنعت من العودة، ومرة حين تغيب عن الدنيا.
وجدت الإمارات ملاذاً أخيراً في حياتها، وفتحت لها الأبواب لتقضي ما تبقى من عمرها في شقة.
رباب، لم تكن مجرد مطربة، كانت قصة. كانت رواية مكتوبة على هيئة صوت، كل أغنية منها كانت فصلاً من مراثيها الشخصية. (غيرت عنواني)، (آهات)، (لا تقدم عذر)، وغيرها.. أغانٍ تحوّلت إلى مرآة لحياتها.
اليوم بعد 15 سنة على موتها، ما زالت أغانيها تتسلل إلى الذاكرة، وتستذكر غيابها المؤلم. فهي لم تكن ضحية المرض فقط، بل كانت ضحية مصير خطّته الجغرافيا والظروف السياسية لا الفن فحسب.
رحلت رباب، ومثل كل العظماء الذين لم يحظوا بتكريم يليق بهم في الحياة، ماتت وحيدة، لكنها كانت وما زالت، إحدى أهم الأصوات التي مرّت على الخليج، صوتاً كان يغني بالدمع حتى رحل.
أخبار ذات صلة
0 تعليق