عالمة بريطانية تكشف للجزيرة نت أسرار انقسام أفريقيا وميلاد محيط جديد - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رغم ما يبدو من استقرار ظاهر على سطحها، تشهد القارة الأفريقية في أعماقها تحركات تكتونية بطيئة ومستمرة منذ ملايين السنين، قد تعيد تشكيل خريطتها الجغرافية بالكامل في المستقبل البعيد.

هذا ما كشفت عنه دراسة علمية حديثة قادتها الدكتورة إيما واتس من كلية علوم المحيطات والأرض بجامعة ساوثهامبتون البريطانية، حيث توصلت الدراسة المنشورة في دورية "نيتشر جيوساينس"، إلى أدلة قوية تشير إلى أن شرق أفريقيا قد بدأ بالفعل في الانفصال الجيولوجي عن باقي القارة، ضمن عملية طويلة الأمد يتوقع أن تفضي، بعد ملايين السنين، إلى تشكل محيط جديد.

وتصف واتس في حوار خاص مع "الجزيرة نت"، ما يحدث في منطقة "عفار" شمال إثيوبيا، حيث أجريت الدراسة، بأنه "نبض جيولوجي" ينبثق من أعماق الأرض، مشيرة أن مادة الوشاح الأرضي تحت هذه المنطقة لا تتدفق بشكل مستقر، كما كان يعتقد، بل تصعد على شكل نبضات دورية تحتوي على تركيبات كيميائية مختلفة قليلا.

قارة أفريقيا تتجهز لانقسام سيحدث خلال ملايين السنين (ناسا)

والأهم من ذلك، أن سرعة هذه النبضات تختلف من منطقة لأخرى تبعا لسرعة تباعد الصفائح التكتونية فوقها، مما يشير إلى علاقة تفاعلية حيوية بين سطح الأرض وأعماقها.

لو تخيلنا أن كوكب الأرض هو ثمرة تفاح، فإن طبقة القشرة الصخرية للأرض هي ببساطة قشرة التفاحة الرقيقة، لكن هذه القشرة على الأرض تبلغ من السماكة من 30 إلى 70 كيلومترًا في القارات ومن 4 إلى 12 كيلومترًا في المحيطات، وهي تختلف في شيء آخر عن قشرة التفاحة وهو أنها ليست قطعة واحدة تغطي الأرض بل تتكون من عدد من القطع التي تسمى بالصفائح التكتونية، والتي تتداخل، بعضها مع بعض بشكل يشبه الأحجيات الورقية، تلك الصفائح تتحرك ببطء، أو قل إنها تسبح لمسافة عدة سنتيمترات كل عام على طبقة أخرى للأرض تقع أسفلها وتسمى الوشاح.

وتقول واتس"اقترحت الأبحاث السابقة وجود ريشة وشاحية (تيار صاعد من الصخور الساخنة والمنصهرة في طبقة الوشاح تحت القشرة الأرضية)، لكن لم يكن معروفا كيف تتصرف هذه الريشة بالضبط، أما في هذه الدراسة، فقد تمكنا من اكتشاف أن هذه الريشة ليست ثابتة أو مستمرة بشكل متساو، بل تحتوي على نبضات أو دفعات صاعدة متقطعة، أي أنها ترتفع على شكل موجات أو نبضات تتغير شدتها وتركيبتها مع الوقت".

إعلان

وتضيف "الأهم من ذلك، أن هذه النبضات المرتبطة بالوشاح الأرضي لها علاقة مباشرة مع سرعة انفصال الصفائح التكتونية فوقها، مما يعني أن حركة الصفائح لا تؤثر فقط على السطح، بل تتحكم أيضا بطريقة تدفق المادة الساخنة في أعماق الأرض، وهذا الربط بين نبضات الريشة وسرعة التمزق القاري هو جديد ولم يسبق أن تم إثباته في الدراسات السابقة".

طبقات الأرض.. إبحار الجيولوجيا في العوالم السرية لكوكبنا الأم الجزرية الوثائقية
(الجزيرة)

تمزق بطىء… ولكن بثبات

وتشير نتائج الدراسة إلى أن عملية الانفصال القاري في شرق أفريقيا بدأت قبل نحو 30 مليون سنة، مع بداية التمزق الأولي في منطقة عفار، ومنذ ذلك الحين، تتباعد الصفائح التكتونية في هذه المنطقة بمعدل يتراوح بين 5 و16 ملم سنويا، وهو ما يعادل تقريبا معدل نمو أظافر الإنسان.

وبينما تبدو هذه السرعة ضئيلة، فإنها عبر الزمن تحدث فروقا هائلة في شكل القارات، فهذه العملية، المعروفة علميا بـ"التمدد القاري" تسبب تمزقا بطيئا في قشرة الأرض، حيث تتكون الشقوق، وتغزوها لاحقا المادة المنصهرة من باطن الأرض، ومع تراكم هذه المادة وتصلبها، تبدأ أولى مراحل تشكل قاع محيط جديد.

وتقول واتس "هذه العملية الجيولوجية ليست حبيسة الأعماق، بل يمكن رؤية آثارها على السطح بوضوح، فـوادي الصدع الأفريقي الكبير، الممتد من البحر الأحمر إلى موزمبيق، ليس إلا نتاجا مباشرا لهذا الانفصال القاري، كما تنتشر في المنطقة أكثر من 50 فوهة بركانية نشطة، إلى جانب زلازل مستمرة، وكلها إشارات إلى تمزق القشرة الأرضية وتمددها".

وتضيف "رؤية هذا العدد الكبير من البراكين والزلازل على امتداد الصدع ليس صدفة، إنها من العلامات الواضحة على أن الانقسام القاري بدأ فعليا، ومع ذلك، أؤكد أن دراستنا لا تشير إلى أن الخطر على السكان في تزايد، بل إن هذه العمليات تسير بوتيرة طبيعية وبطيئة للغاية".

Looking out into the Main Ethiopian Rift, taken at Boset Volcano in Ethiopia. Credit: Prof Thomas Gernon, University of Southampton
نظرة على الصدع الإثيوبي الرئيسي، تم التقاطها من بركان بوسيت (توماس جيرنون)

متى ينفصل الشرق عن الغرب؟

ووفقا للبيانات المتوفرة، فإن انقسام أفريقيا ليس أمرا وشيكا، بل عملية تتطلب ملايين السنين لتكتمل، وتقدر الدراسة أن تشكل المحيط الجديد قد يستغرق من 5 إلى 10 ملايين سنة على الأقل، وهو الزمن اللازم لانفصال شرق أفريقيا تماما، وبدء تكون قاع المحيط بين الكتلتين.

وبمجرد اكتمال هذه العملية، ستتشكل قارة جديدة تضم الصومال، كينيا، تنزانيا، موزمبيق، وأجزاء من إثيوبيا، بينما تبقى الكتلة الكبرى من القارة في الغرب، بما فيها مصر والجزائر ونيجيريا وبقية الدول.

وكانت واحدة من الأسئلة المهمة التي تثيرها الدراسة، هي ما إذا كان من الممكن استخدام النبضات الصاعدة من الوشاح في التنبؤ بالنشاط البركاني، لكن واتس توضح أن "العلاقة الوحيدة المؤكدة حتى الآن بين هذه النبضات والبراكين هي في التركيب الجيوكيميائي للحمم البركانية الناتجة عنها، أما التنبؤ بمواعيد أو طبيعة الانفجارات فلا يزال بعيدا".

وتقول "لا نستطيع حتى الآن ربط النبضات مباشرة بتوقيت الثورانات البركانية، لكنها تعطينا فكرة أدق عن مصدر هذه البراكين ومكوناتها".

حالة متكررة في مناطق أخرى

وما يجري في أفريقيا ليس حالة فريدة من نوعها، فعمليات الانقسام القاري وتشكل المحيطات تحدث باستمرار، وإن كانت ببطء شديد، في مناطق مختلفة من الأرض، فالمحيط الأطلسي، على سبيل المثال، لا يزال يتسع في منتصفه حتى اليوم. وهناك صدوع قارية أخرى مثل منطقة بايكال في سيبيريا، لكنها لا ترتبط دائما بنفس القدر من النشاط البركاني.

إعلان

وتختم واتس بالقول: "القشرة القارية أكثر سمكا من القشرة المحيطية، لكن عندما تبدأ في التمزق، تتولد شقوق وزلازل، وفي بعض الأحيان بركان، حسب طبيعة الوشاح تحتها، وما يحدث الآن في شرق أفريقيا هو نموذج حي لتحول الأرض، ومختبر طبيعي يمكننا من خلاله فهم آلية تشكل القارات والمحيطات".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق