الجريدة. تجري حواراً موسعاً مع مدير معهد العالم العربي في باريس شوقي عبد الأمير مخاطر تهدد مستقبل المعهد: 1- غياب الدعم المالي العربي، 2- وصول اليمين إلى السلطة - هرم مصر

الجريدة الكويتية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لو لم يسحب صدام حسين جواز سفره أثناء إقامته في باريس لم يكن شوقي عبدالأمير ليدخل عالم الدبلوماسية، حين لجأ إلى سفارة اليمن الجنوبي في باريس، وحصل على جواز سفر ليؤسس ملحقية ثقافية هناك. نجاحه بالدبلوماسية الثقافية قاده إلى العمل في «اليونسكو» مستشاراً ثقافياً لها في العالم العربي، وانتقل بعدها إلى بغداد ليرأس تحرير مجلة بين نهرين، وهي تعنى بالثقافة والأدب والشعر. تم ترشيحه عام 2024 مديراً لمعهد العالم العربي في باريس، لكنّ عبدالأمير بجوهر شخصيته وكيانه، بقي ذلك الشاعر الذي رفد المكتبة العربية بأربعة مجلدات، ولا يزال حضوره الشعري هو الطاغي على التعريف بهويته الأعمق، والتي يحرص على إثباتها وتأكيدها. في زيارته الأولى إلى الكويت، كمدير لمعهد العالم العربي في باريس، التقيته مرتين، الأولى في الندوة التي استضافها المركز الثقافي الفرنسي في الجابرية، وكانت بعنوان «الخطاب الثقافي العربي والغرب»، والثانية في لقاء خصّ به «الجريدة» للإطلالة على المشهد الثقافي الذي يعمل في إطاره من بوابة أهم صرح ثقافي يجمع العرب، وهو نادر في وجوده، يقدّمهم من خلال أهم عواصم الثقافة الغربية، من باريس، وبما يمثّله المعهد من مَعلَم حضاري يضاف إلى معالم فرنسا مثل كنيسة نوتردام وبرج إيفل والشانزليزيه. في أجندته التي حملها معه وجال بها في قطر والبحرين والعراق 3 عناوين رئيسية يدير بها المعهد، وهي: أولاً: مشروع إصدار أول مجلة تُعنى بالإبداع العربي باللغة الفرنسية، والتي تحتاج إلى دعم مالي حقيقي. ثانياً: الحاجة إلى دعم ميزانية معهد العالم العربي، الذي يعاني نقصاً بالتمويل. ثالثاً: المعهد سيواجه خطراً محدقاً إذا بقي غياب الدعم العربي وجاء اليمين إلى السلطة. وفيما يلي نَص الحوار الذي جرى مع مدير معهد العالم العربي في باريس، الشاعر شوقي عبدالأمير:

حضور الكويت ومساهماتها

• بين الكويت وفرنسا تاريخ طويل من العلاقات، ما هي أوجه ومستوى العلاقات الثقافية، وكيف ترى تعزيزها؟

- أعتبر نفسي بين أهلي، هكذا أنظر إلى الكويت، وسنعمل معاً في هذا المجال، وكما تعلم فهذه أول زيارة لي بصفتي الوظيفية مديراً للمعهد، والكويت كانت على طول الخط حاضرة وداعمة للأنشطة التي نقوم بها، وهناك اهتمام كويتي ملحوظ بهذه المؤسسة، وأعتقد أن الكويت كحضن ثقافي أكبر معروفة بعطاءاتها يهمها أن تأخذ مساحة لها عبر الشاشة الثقافية الأكبر، ألا وهو المعهد، جئت لأقول للمسؤولين بصراحة إن معهد العالم العربي يفتح أبوابه للعرب، وبما أن الكويت مَعين ثقافي مهم، فنحن بحاجة إلى دعمكم المالي والمعنوي.

• هل لك أن تشرح للقراء فكرة معهد العالم العربي، وكيف انطلقت ومَن وقف وراءها؟

- بالأساس هناك أرضية مشتركة عربية - فرنسية، وتبادلات عميقة بينهما مرتبطة بالثقافة وغيرها من المجالات، لكن تلك الأرضية لم تستثمر بشكل مؤسساتي، من هنا وُلدت الفكرة أيام حكم الرئيس جيسكار ديستان، وطُرحت على بساط البحث أثناء زيارة العاهل السعودي الملك خالد بن عبدالعزيز إلى فرنسا، وإن وجدت مبادرات قبل هذا التاريخ، وكما سمعت هناك إشارات خرجت من الكويت على يد الأمير الراحل الشيخ صباح السالم.

والمعهد أنشئ عام 1980، أما المبنى المعماري ذو التحفة الهندسية الرائعة، فقد افتتحه الرئيس فرانسوا ميتران عام 1987، بعد أن اتفقت 18 دولة عربية، من بينها الكويت، مع فرنسا على إنشائه، ويتكون من 10 طوابق، ويعمل به حوالي 200 موظف.

الشيخ صباح السالم كان من الداعين لفكرة إنشاء المعهد في السبعينيات

المديرون العامون العرب

• أين ترتيبكم من حيث عدد المديرين العرب الذين تولوا هذا المنصب، ومَن الذي يحدد سياسة المعهد وأنماط توجهه، الجانب الفرنسي أم العربي؟

- أنا سابع مدير يتم اختياره منذ التأسيس بناء على اقتراح السفراء العرب الممثلين بـ 6 منهم في مجلس الإدارة، فقد سبقني الزملاء باسم الجسر (لبنان)، محمد بنونة (المغرب)، ناصر الأنصاري (مصر)، مختار طالب بن دياب (الجزائر)، منى خزندار (السعودية) (استقالت بعد دورة واحدة لمدة 3 سنوات)، ليخلفها معجب الزهراني.

والمعهد مؤسسة ثقافية تخضع للقانون الفرنسي، يديرها مجلس إدارة أعلى مكون من 12 شخصاً، 6 منهم تعيّنهم وزارة الخارجية الفرنسية، و6 من السفراء العرب الذين يتناوبون على هذا المنصب كل فترة زمنية محددة.

يرأس المعهد شخصية فرنسية يعيّنها رئيس الجمهورية، أما المدير العام فيعيّنه مجلس السفراء العرب، وبات من المتعارف عليه أن هناك عهدتين ليستا مكتوبتين، كل عهدة لمدة 3 سنوات.

سياسة المعهد يرسمها الرئيس بالتعاون مع المدير العام، وتحت إشراف مجلس الإدارة، ومهمة المعهد التعريف بالثقافة العربية بفرنسا وغيرها في العالم، ولديه عدة إدارات وأقسام تختص بالثقافة واللغة والسينما والمكتبة والمعارض والمسرح والموسيقى.

• هل تعتقد أن المعهد نجح بإقامة حوار ثقافي بين الشرق والغرب باعتباره نافذة على العالم الغربي؟

- لا يوجد ضمن أهداف المعهد ما يسمى بالتقريب بين الشرق والغرب، فهذه نتائج وليست سياسات، وإذا كانت الثقافة بمعناها الشمولي تسهم بذلك، فسنرى ما يتمخض عنها.

وكما يقول المثل العربي «من يجهلك لا يقيّمك»، فنحن رسالتنا أن ننقل صورة ومشهد وحضارة العربي إلى أوروبا والغرب عموماً، هذا العالم فيه نقاط مضيئة وإبداع وحين يكتشف الغرب حقيقة التاريخ الثفافي العربي تتبدل نظرتهم إلينا.

تحذير من وصول اليمين المتطرف

• ما حقيقة انسحاب بعض الدولة العربية من تمويل المعهد؟ وهل ترى تقاعساً عربياً في المساهمة والمشاركة بالأنشطة، أو تأخٌّر بالدعم المالي؟

- لم يحصل أي انسحاب من أي دولة عربية، فهم موجودون، لكن هناك نقصاً كبيراً بالمساهمات المالية العربية، خصوصاً في ميزانية المعهد، والحقيقة أن فرنسا تحمّلت أغلب النفقات عبر وزارة الخارجية.

وللتوضيح فالتمويل جرى على مرحلتين:

الأولى: عبارة عن «كوتا» بنسب موزعة على الدول العربية، وهذه الطريقة لم تنجح وعلى مدى سنوات ماضية، لذلك توقفت، اضطرت في حينه وزارة الخارجية الفرنسية إلى تحمّل النفقات كافة.

- الثانية: حصل اتفاق رسمي على تأمين وديعة تخصص فوائدها للمساهمة في ميزانية المعهد، لكن الفوائد لا تأتي بشيء يُذكر.

وفي واقع الأمر، هناك بعض الدول العربية تدعم أنشطة معيّنة من خارج الميزانية.

ولا يدخل تمويل الأنشطة في ميزانية المعهد، لذلك المطلوب اليوم دعم ميزانية المعهد السنوية، وأنا أحذر من صعود اليمين المتطرف، والذي بالأساس كاره لثقافتنا، وفي حال تسلم القيادة السياسية بالدولة، فإنه سيشكل خطراً محدقاً بالمعهد - إضافة إلى عامل آخر مهم، وهو إذا بقي الدعم العربي المالي غائباً.

فرنسا تحمّلت أغلب نفقات المعهد

واستطراداً لهذا السيناريو، سنطرح السؤال التالي:

• لماذا ندعم الثقافة العربية، وهل ينقص العرب المال حتى نقوم بالمهمة نيابة عنهم؟ ويجيب عبدالأمير: أتحرّك الآن في العالم العربي، ولهذا الغرض جئت الى الكويت بعد جولة قمت بها في كل من قطر والبحرين والعراق، أطلقت فيها النداء التالي: لن توجد للعرب منصة أخرى وبمستوى معهد العالم العربي في باريس، بعد أن أصبح من المعالم الحضارية هناك، ولهذا نحتاج إلى وقفة عربية كريمة تدعم وتؤازر الحكومة الفرنسية لدعم الثقافة العربية، ومن دون ذلك، فالخطر مُحدق بهذا الصرح الكبير.

الدبلوماسية الثقافية

• عشت في باريس حوالي خمسين عاماً، وتبوأت عدة مناصب ومواقع دبلوماسية وثقافية، الى أن وصلت اليوم لإدارة معهد العالم العربي، كيف ترى أثر الثقافة الفرنسية على العرب، وبالعكس، وهل لديكم خطة أو مشروع لتفعيل هذا الدور؟

- وصلت إلى باريس وعمري 20 سنة، والآن دخلت عقد السبعين، عشت تحولات المشهد الثقافي الفرنسي منذ ربيع عام 1968 إلى اليوم، تعلّمت اللغة الفرنسية وأقمت علاقات جيدة مع المثقفين، وأدركت مفاصل الحياة الثقافية ليس فقط بفرنسا، بل في العالم، والأمر لم يكن نظرياً، بل نزلت الميدان، وعندما كنتُ طالباً أصدرت مجلة للترجمة تضمّنت «العالم العربي في الصحافة الفرنسية»، ثم انتقلت للعمل الدبلوماسي بعدما أسقط عنّي صدام حسين جواز سفري العراقي، والتجأت الى سفارة اليمن الجنوبي وأسست لهم مركزا ثقافيا، ثم مركز رامبو الشعري، بعدها نُقلت الى «يونسكو» مديرا للمشاريع الثقافية في العالم العربي، واتخذت من بيروت مقراً لي.

دخلت إلى الثقافة الفرنسية من أوسع أبوابها، وما أقوم به الآن وأعمل عليه هو إصدار أول مجلة ثقافية تمثّل الإبداع العربي باللغة الفرنسية، وستكون عبارة عن منتخبات من الثقافة العربية وترجمتها وإخراجها ونشرها بشكل دوري، أسميتها «الآداب العربية الحديثة»، ومعناها بالفرنسي Lettres Arabas Modernes واختصارها «LAM» وهي بالفرنسية «الروح».

وستكون نافذة العرب على العالمية، والمشروع لكي يكتمل ونبدأ بالخطوة الأولى في الإنجاز، يحتاج إلى دعم مالي عربي للمساهمة في إطلاقه، وأخاطب الجهات المعنية بدولة الكويت للمبادرة والمساهمة في هذا العمل الثقافي الكبير.

معرض «غزة... 5 آلاف عام من التاريخ» رد على محاولة محوها وتحويلها إلى «ريفييرا الشرق»

سر نجاح المعهد

• كيف تشرح لنا مساهمات المعهد تجاه ما يحدث من جرائم في حرب غزة، أو الوضع في سورية، والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي؟

- المعهد مؤسسة حضارية ثقافية تمثل التراث العربي بكل انتماءاته وثرائه، ويتحرك المعهد بنقاط الالتقاء التي تجمع العرب.

وفي حرب غزة كانت لنا مساهمة فعالة تجاه ما يحدث من أعمال وحشية وتصفية دموية لهذا الشعب، وقد أقام المعهد معرضا بعنوان «غزة... خمسة آلاف عام من التاريخ»، رداً على من يحاول محوها وتحويلها إلى «ريفييرا الشرق».

أتينا بالثقافة والتاريخ وبالبرهان من حيث القطع الفنية والوثائق لنجابه - بلُغة الثقافة والحضارة - مواقفَ سياسية.

من هنا، ومن منبر جريدة الجريدة، أدعو الجهات المعنية بدولة الكويت الى استضافة معرض «غزة... خمسة آلاف عام من الحضارة».

3 عناوين يحملها في جولته الخليجية

1- إصدار أول مجلة باللغة الفرنسية تعنى بالإبداع العربي

2- دعوة ملحّة بدعم مالي لميزانية المعهد السنوية

3- المساهمة بالأنشطة والمعارض... ووقفة عربية كريمة لمؤازرة المعهد

«لوموند» والكتابة التحريرية

في حديثه عن الفرق بين التدوين والتحرير، قال: نحن العرب نميل الى التدوين لا إلى التحرير بمعنى استحضار الأدلة والبراهين والوقائع عند الكتابة التحريرية، واستشهد بطريقة كتابة افتتاحية صحيفة LE MONDE، فعند إعدادها تحرص الجهة التحريرية التي تعد الافتتاحية على تقديم 3 خلاصات أو خواتيم، وعلى القائمين على الصحيفة اختيار واحدة منها، بما يتناسب والسياسات المُتَّبعة، واعتبر أن «اللوموند» تُمثّل «الوسطيين»، وإن خسرت الكثير من «استقلاليتها» بسبب الأزمة المالية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق