في 30 يونيو 2013، شهدت مصر واحدة من أعظم موجات الحراك الشعبي، حين خرج ملايين المواطنين في مختلف المحافظات للمطالبة بإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين والرئيس الأسبق محمد مرسي. وكانت تلك اللحظة الفارقة نقطة تحول كبرى في التاريخ السياسي الحديث للدولة المصرية، وأعادت تشكيل العلاقة بين الشعب والسلطة.
وبعد إعلان القوات المسلحة خارطة الطريق في 3 يوليو 2013، دخلت البلاد في مرحلة جديدة من إعادة بناء مؤسسات الدولة وتثبيت الحكم، وسط تحديات أمنية واقتصادية كبيرة. وعلى مدار السنوات التالية، نجحت مصر في استعادة دورها الإقليمي بثبات.
ومع مرور السنوات على ثورة 30 يونيو، بدأت ملامح التحول الاستراتيجي في السياسة الخارجية المصرية تتضح بوضوح. فبعد سنوات من التراجع والعزلة، استعادت القاهرة موقعها المحوري في ملفات المنطقة، من ليبيا والسودان إلى فلسطين وسوريا، مؤكدة أنها لم تعد مجرد طرف متأثر، بل أصبحت صانعة لتوازنات الشرق الأوسط.
ولم تكتفِ مصر باستعادة حضورها الدبلوماسي، بل أعادت تعريف أولوياتها وفرضت معادلات جديدة في الإقليم، ترتكز على الأمن القومي ومصالح الدولة العليا.
قال الدكتور سعيد الزغبي، أستاذ العلوم السياسية، في تصريحات خاصة لموقع "صدى البلد"، إن أكثر من 6 زيارات رفيعة المستوى متبادلة بين مصر وليبيا تمت خلال عامين فقط بعد 2020، مشيرًا إلى أن 15 وقفًا لإطلاق النار في غزة منذ 2014 كان معظمها برعاية مصرية مباشرة، إلى جانب أكثر من 50 اجتماعًا مصريًا سودانيًا خلال مفاوضات سد النهضة منذ 2015.
وأكد الزغبي أن مصر ساهمت في صياغة منتدى غاز شرق المتوسط، الذي غيّر معادلات الطاقة في المنطقة، وهو ما يعكس استعادة الدولة المصرية لأدوات تأثيرها الإقليمي بعد سنوات من الارتباك.
وأضاف أنه بعد سنوات من الارتباك الإقليمي والدولي، خرجت مصر من دوامة العزلة عقب 30 يونيو، لتعود لاعبًا محوريًا في صياغة توازنات الشرق الأوسط، في مشهد إقليمي يزداد تعقيدًا.
وأوضح أن القاهرة أعادت تعريف أدوارها وحدود نفوذها، فتحوّلت من دولة منشغلة بداخلها إلى وسيط ووازن في أزمات المنطقة، من ليبيا والسودان إلى فلسطين وسوريا.
وأشار الزغبي إلى أن مصر بعد 2011 كانت تعيش حالة من السيولة السياسية والانكفاء الداخلي، أضعف دورها الخارجي، حتى بدت العواصم الإقليمية الكبرى ترسم خرائط المنطقة دون اعتبار يُذكر لرأي القاهرة.
واستطرد: مع ثورة 30 يونيو، بدأت الدولة المصرية تستعيد أدوات تأثيرها، مركّزة على الأمن القومي أولًا، لافتًا إلى أن مصطلح "الأمن القومي" أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي في أول اجتماع له في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأكد أن مصر تحركت لضبط توازنات الجوار، وكانت ليبيا المثال الأوضح على ذلك، حيث دعمت القاهرة الجيش الوطني الليبي في مواجهة الميليشيات والفوضى.
وقال الزغبي إن مصر وضعت خطوطًا حمراء في سرت والجفرة عام 2020، ما غيّر حسابات اللاعبين الإقليميين والدوليين، وأجبر كثيرين على مراجعة استراتيجياتهم.
وأشار إلى أن مصر كانت أول من تحرّك لاحتواء النزاع السوداني، فاتحة أبواب الحوار بين الأطراف، حيث ظلت القاهرة حريصة على تثبيت معادلة "أمن السودان من أمن مصر"، مدفوعة بمخاوف سد النهضة وأهمية نهر النيل كمسألة وجودية.
وأوضح أن القاهرة، رغم تغير الإدارات الأمريكية والإسرائيلية، ظلت الطرف الأقدر على التهدئة في قطاع غزة وفرض وقف إطلاق النار، مستثمرة رصيدها لدى الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، لتصبح رقمًا صعبًا لا يمكن تجاوزه في أي ترتيب مستقبلي للقطاع.
وأكد الزغبي أن القاهرة تحركت كذلك في الملف السوري بدبلوماسية هادئة، لإعادة دمشق إلى الحاضنة العربية، وهو ما تُوّج بدعوة سوريا إلى القمة العربية في جدة.
وقال: من وجهة نظري، رأت مصر في وحدة سوريا وتحجيم النفوذ التركي والإيراني هدفًا استراتيجيًا يساهم في استقرار الإقليم.
واختتم الزغبي تصريحاته قائلًا: هذا الحضور المصري أعاد القاهرة إلى طاولة الكبار في الشرق الأوسط؛ فمعادلات النفط والغاز في شرق المتوسط، وأمن البحر الأحمر، وملف إيران والاتفاق النووي، كلها ملفات تجد مصر لنفسها فيها صوتًا مسموعًا، إن لم يكن في قلب صناعة القرار، ففي الحد الأدنى كصانع توازنات يراعي الجميع حساباته. إنها بحق رمانة ميزان السلام في المجتمع الدولي.
0 تعليق