"الأيام" ترصد مشاهد حصرية من داخل مراكز توزيع المساعدات الأميركية - هرم مصر

جريدة الايام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتب محمد الجمل:


شهدت الأيام الماضية حالة من الانقسام الكبير بين المواطنين في قطاع غزة، ما بين مؤيد للتوجه إلى مراكز تسليم المساعدات التي تُديرها شركة أميركية، للحصول على مواد غذائية، باعتبار أن ذلك ينبع من حاجة وجوع شديدين، وبين معارض للخطوة، التي أكد غالبية المواطنين أنها عبارة عن فخ، يهدف إلى تكريس سياسة إسرائيلية خطيرة، واستدراج المواطنين لمراكز أشبه بالمعتقلات الكبيرة، وهي خطوة لإنجاح الخطة الإسرائيلية الأكبر "مركبات جدعون"، التي تهدف إلى السيطرة الإسرائيلية الكاملة على قطاع غزة.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من داخل ومحيط مراكز التوزيع الأميركية، التي تحظى بحماية من جيش الاحتلال، منها مشهد تحت عنوان "الحاجة أجبرت المواطنين"، ومشهد آخر يرصد شهادات المواطنين حول تعمّد الشركة الأميركية إذلالهم، من أجل منحهم المساعدة، ومشهد ثالث بعنوان "مُساعدات مسروقة".

 

الحاجة أجبرت المواطنين
بدا البؤس والحُزن واضحين على وجوه آلاف المواطنين الين توجهوا إلى مراكز توزيع المساعدات في مدينة رفح، جنوب قطاع غزة، للحصول على القليل من المواد الغذائية لسد جوع أبنائهم.
وشوهد مواطنون يسيرون باتجاه الجنوب، ويقطعون مسافات طويلة، من أجل الوصول إلى مراكز التوزيع، رغم علمهم المسبق بخطورة الأمر هناك، فالكثيرون ذهبوا ولم يعودوا، ومازالوا في عداد المفقودين.
وقال المواطن إبراهيم موسى، إنه يعلم جيداً خطورة هذه الخطوة، وأنها تهدف إلى السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة، وتحويل رفح إلى معتقل كبير، ومنع المؤسسات الأممية من ممارسة دورها الإغاثي والإنساني، لكنه مُجبر على التوجه هناك، فأبناؤه يتضورون جوعاً، وينامون كل ليلة وهم يحلمون بالأكل، والفصائل في غزة لم تعطه وغيره من المواطنين سوى التصريحات الرنانة، وعبارات تطلب منهم الصمود، لذلك أُرغم على خوض هذه المغامرة، التي تخالف قناعاته، وتُعرّضه لخطر كبير، وكان كل أمله أن يعود بطرد أو بعض المواد الغذائية.
ورغم حصوله على طرد عبارة عن صندوق يحتوي على عدة أصناف من المواد الغذائية، إلا أن المواطن سامي عبد الرحيم، لم يكن سعيداً بعد قطعه مسافة زادت على 25 كيلومتراً في رحلتي الذهاب والعودة، سار طوالها تحت أشعة الشمس الحارقة.
وأكد عبد الرحيم أنه توجه إلى مركز التوزيع مُجبراً بسبب جوع أبنائه، وعدم قدرته على توفير المواد الغذائية، وتوقف التوزيع، فحتى الخبز الذي جرى توزيعه مؤخراً على بعض المخيمات لم يأخذ أي حصة منه.
وأشار إلى أنه تعرض لمشقة وتعب كبيرين، وشاهد الأهوال في رحلتي الذهاب والعودة، وتمكّن بمشقة كبيرة من الحصول على الصندوق، وحافظ عليه طوال رحلة العودة، حيث كان ينتشر اللصوص، كباراً وصغاراً، يحاولون سلبه منه وغيره من المواطنين، حتى وصل إلى خيمته، حيث كانت عائلته بانتظار عودته.
وأوضح أن غالبية الذين توجهوا إلى مراكز التوزيع كانوا مُجبرين، والاحتلال يعلم ذلك، والفوضى التي حصلت مؤخراً كانت نتاج الجوع، داعياً إلى إنقاذ المواطنين من المجاعة والهلاك، والتوقف عن إطلاق تصريحات الصمود التي لم تعد تجدي نفعاً.
وبيّن أنه يتمنى ألا تجبره الظروف على العودة مُجدداً إلى المركز ذاته، فهو عاش أصعب 5 ساعات في حياته، ويأمل بألا يعيشها من جديد.
ومساء أول من أمس، سادت حالة من الفوضى في أحد مراكز توزيع المساعدات، التي أعلن الاحتلال بدء تشغيلها في قطاع غزة، إذ اقتحمت حشود المواطنين المركز، ما أدى إلى انسحاب عناصر الأمن التابعين للشركة الأميركية المسؤولة عن إدارته.

 

إذلال مُتعمد
تناقل مواطنون توجهوا إلى مراكز توزيع المُساعدات الغذائية جنوب مدينة رفح، روايات عن صنوف من العذاب والإذلال تعرضوا لها خلال توجههم إلى المراكز، والانتظار فيها.
وأكد مواطنون أن توزيع المساعدات وفق الآلية الجديدة أمر يُعرّضهم للإذلال والمشقة، ويختلف كلياً عن الآليات التي تتبعها منظمات أممية وإغاثية في قطاع غزة، حيث كانت الأخيرة تُراعي كرامة المواطنين، وتُنظم العملية وفق طرق تُقلل المشقة.
وقال المواطن محمد سلطان، الذي توجه في أول يوم وحصل على صندوق مساعدات، إن العملية استغرقت 6 ساعات كاملة، عاش خلالها الأهوال، وشاهد الذل بأنواعه، ففي البداية منع الاحتلال والشركة الأميركية المواطنين من استخدام أية وسيلة مواصلات، حتى الدراجات الهوائية كانت ممنوعة، وهذا تطلّب منهم السير مسافات طويلة، زادت على 20 كيلو متراً، وفي ظل الوضع الحالي، والمجاعة، كان الأمر صعباً وشاقاً، وحتى حين حاول مواطنون التوجه إلى البحر القريب لغسل رؤوسهم ووجوههم بمائه للاستبراد جرى إطلاق النار عليهم، وإصابة بعضهم بجروح.
ولفت سلطان إلى أنه وبعد الوصول إلى المركز، يُطلب من المواطنين الدخول في ممرات ضيّقة، مُحاطة بسياج شائك، ودون مظلات تحميهم من أشعة الشمس، ويتركون كذلك لساعات طويلة، ويسمح لعدد محدود بالدخول إلى ساحة التسليم، شرط أن يقوم الشخص برفع ملابسه من الأعلى، والاستدارة، ثم يُسمح له بأخذ الصندوق، والبعض تعرض للاعتقال خلال هذه المرحلة، وآخرون فُقدوا ولم يعودوا إلى بيوتهم وخيامهم.
وأكد أنه شاهد نساء يقفن في طوابير وينتظرن دورهن، وهن أضعف من أن يحتملن مشقة التسليم، والوقوف في طوابير طويلة.
وأشار إلى أن أصعب مرحلة عاشها، حين كان يقف في طابور طويل برفقة مئات المواطنين، وهو محاط بأسلاك شائكة، بينما شخص مُسلّح تابع للشركة الأميركية يقف تحت مظلة، وينعم بالماء البارد، يتحكم في الجوعى، ويعمل على إذلالهم.
وبيّن أن رحلة العودة لا تخلو من مشقة وإذلال، فحمل صندوق كبير يزيد وزنه على 25 كغم، تحت أشعة الشمس، ودون توفر مواصلات، وفي طرقات رملية وعرة، وتحت أعين طائرات الاستطلاع أمر شاق ومتعب، لدرجة أنه شاهد مواطنين يخلعون ملابسهم العلوية، ويغطون بها رؤوسهم لتخفيف أشعة الشمس التي أحرقتهم.

 

مُساعدات مسروقة
كشف أكثر من مصدر أن المساعدات التي حصل عليها مواطنون في قطاع غزة، والتي وضع عليها شعار المؤسسة الأميركية الجديدة، هي في الأصل مساعدات تتبع لعدة مؤسسات إغاثية وأممية، كانت عالقة على معبر كرم أبو سالم، وقام الاحتلال بالاستيلاء عليها، بعد رفض المؤسسات الإغاثية المشاركة في آلية التوزيع الأميركية الجديدة.
وجرى التأكد من ذلك من خلال شهادات لمواطنين، أكدوا وجود تباين واختلاف في محتويات الصناديق وحجمها، وهذا يدل على أن مصدرها مُختلف، وبعضها كانت محتوياته تالفة، جراء التعرض الطويل لأشعة الشمس، حيث كانت عالقة على المعابر منذ فترات طويلة.
من جهته، قال رئيس المرصد "الأورومتوسطي" لحقوق الإنسان، رامي عبدو، في تصريح صحافي، إن المساعدات التي جرى توزيعها في رفح جنوب قطاع غزة "سرقتها الشركة الإسرائيلية الأميركية والجيش الإسرائيلي من مؤسسة (رحمة) العالمية".
وأوضح عبدو أن الشركة الإسرائيلية الأميركية "خدعت مؤسسة رحمة"، واستولت على عدد من شاحناتها ثم وزعتها على المواطنين في رفح.
وكان المرصد الحقوقي، قد ذكر في بيان سابق، أن الآلية الإسرائيلية لتوزيع المساعدات "تفتقر من حيث الأساس إلى أية شرعية قانونية أو إنسانية، وتنتهك القانون الدولي ومعايير العمل الإغاثي. كما أن التوزيع المحدود للمساعدات لا يعبّر عن أي استجابة إنسانية، بل يُمثّل سياسة متعمدة لإدارة الجوع دون إنهائه".
وفي وقت سابق، صرح المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، بأن عمل مؤسسة "إغاثة غزة" المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية "تشتيت للانتباه"، مؤكداً أن المطلوب هو فتح معابر قطاع غزة.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق