محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية
من فضيحة إيران جيت إلى أزمة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية بطهران عام 1979، مرورًا بفشل عملية "مخلب النسر" التي حاولت إنقاذهم وتحولت لاحقًا إلى فيلم عالمي، ثم إلى اتفاق لوزان النووي (5+1)، ووصولًا إلى التعاون الأمني غير المعلن أثناء الغزو الأمريكي لأفغانستان.
لم تكن العلاقة بين واشنطن وطهران يومًا علاقة عابرة. إنها علاقة ملغّمة بالتاريخ، محكومة بالذاكرة والصراع، تعرف فيها كلٌّ من العاصمتين لغة الآخر، وإن أنكرت.
إيران لم تنسَ أن واشنطن أسقطت الشاه، وأمريكا لم تغفر اقتحام سفارتها والرهائن. لكن مع ذلك، ظلّت القنوات الخلفية مفتوحة، تتصادم وتتماس وتتعاون، أحيانًا على صفيح الحرب، وأحيانًا في غرف سرية تحت الأرض.
واليوم، يبدو المشهد كما لو أن الزمن يعيد نفسه، ولكن بشروط جديدة.
الرئيس الأمريكي لا يملك رفاهية القرار، ولا حرية التراجع.
المواجهة تُرسم ببطء، بخيوط من النار والدخان والغموض.
إسرائيل تدفع نحو الحسم، لكن واشنطن توازن بين حماية الحليف وتفادي المستنقع.
تمنح واشنطن مهلة زمنية محدودة - أسبوعين كما يُشاع - ليس لأنها تتجه نحو الحسم، بل لأنها تراهن على احتمال انهيار إيران من الداخل، أو تعوّل على ضربة موجعة من إسرائيل تكفي لإضعاف طهران دون التورط المباشر.
وقد يكون السبب الأكبر هو الخوف من اتساع رقعة الحرب إلى دول الجوار العربي، مما يجعل المنطقة برمتها على فوهة بركان.
في هذا الشرق، لا تُخاض الحروب بمنطق الغرب.
هنا، الموت ليس نهاية، بل بداية لمعنى.
الشهادة ليست فقدًا، بل ربحًا رمزيًا.
الحرب ليست فقط معركة صواريخ، بل معركة سرديات وأرواح وفتاوى وأساطير.
ولذا، تظل واشنطن عاجزة عن فهم "الخطوة القادمة" لمن يحارب بفكرة، لا بخريطة.
ومن قلب هذه الزوبعة، يتردد سؤال ثقيل في الشارع المصري:
من سينتصر.. ؟
وهل سيكون النصر لصالحنا أم على حسابنا.. .؟
هل تُهزم إيران ليتفرغ الجميع لمصر.. .؟
هل التغيير في الإقليم مقدمة لحصار جديد.. .؟
وهل موقفنا من غزة سيبقى كما هو، أم تُجبر مصر على القبول بما رفضته طويلًا.. .؟
إنّ رفض مصر استقبال المهجّرين من غزة ليس مجرد قرار سياسي، بل قرار سيادي ووجودي.
لكنه موقف يتعرض لضغوط صامتة، بعضها خارجي، وبعضها من الداخل.
والخوف الحقيقي أن تتغير المواقف تحت وطأة خريطة تُرسم دون أن نكون جزءًا من هندستها.
إذا خَسرت إيران، أو انكمشت، فمن التالي.. .؟
مصر.. .؟
آخر جيش حقيقي.. .؟
آخر توازن حضاري في المنطقة.. .؟
هل تُدفع القاهرة إلى واجهة الأحداث لتُستخدم كدرع، أم لتُفرّغ من دورها الإقليمي والتاريخي.. .؟
مصر الآن بلا حلفاء حقيقيين، ولا شبكات أمان إقليمية واضحة.
من يتظاهرون بالصداقة منشغلون بأنفسهم، ومن يهمسون بالدعم يطالبون بثمن باهظ.
وحدها القاهرة يجب أن تقرر إن كانت ستبقى على الخريطة كلاعب، أم كأرض عبور.
ما نحتاجه الآن ليس سلاحًا فقط، بل وعيًا.
اصطفافًا حقيقيًا خلف الوطن، لا خلف الأشخاص.
نخبة جديدة، لم تُهزم في أسواق الولاء، ولم تُبع في بازارات "الشراكة".
إعلام يقول الحقيقة، لا ما يُطلب منه.
مؤسسات ثقافية تعيد تشكيل الضمير الجمعي،
ودور ديني يستعيد مكانته في قيادة المعنى.
الحرب القادمة لن تكون حرب حدود، بل حرب بقاء.
إما أن نكون، أو نُعاد تعريفنا كما أُعيد تعريف غيرنا.
وفي تلك اللحظة، لا ينفعنا صمت ولا تردد!!
اقرأ أيضاً
تل أبيب تحترق.. صواريخ إيرانية تضرب قلب إسرائيل (فيديو)الجيش الإسرائيلي يشن هجمات مكثفة على العاصمة الإيرانية طهران
0 تعليق