زمن الاقتصاد السيادي - هرم مصر

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
في ظل المتغيرات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي من اضطرابات سلاسل الإمداد، وتقلّبات الأسواق، إلى الحروب التجارية والأزمات الجيوسياسية، وجدت الدول نفسها أمام واقع اقتصادي جديد، يُحتّم عليها إعادة صياغة الأولويات بما يضمن الاستقرار والسيادة الاقتصادية. لم يعد النمو هدفاً كافياً بحد ذاته، بل باتت المرونة الذاتية والاكتفاء الإستراتيجي حجر الأساس في أي نموذج تنموي حديث.

لقد كشفت السنوات الأخيرة هشاشة الاعتماد الكامل على العولمة التقليدية. فالدول التي كانت تعتمد على سلاسل توريد طويلة وغير مؤمّنة، واجهت صدمات قاسية في قطاعات حيوية كالصحة، والغذاء، والطاقة. هذا الانكشاف دفع العديد من الاقتصادات حتى المتقدمة منها إلى تبنّي سياسات اقتصادية جديدة تعيد التوازن بين الانفتاح والتوطين.

تتحوّل الدول اليوم من فلسفة الاقتصاد المفتوح بلا قيود إلى ما يمكن تسميته بـالاقتصاد السيادي؛ اقتصاد يعزز التصنيع المحلي، ويدعم الشركات الوطنية، ويستثمر في الابتكار والتقنيات الإستراتيجية. حتى التكتلات الكبرى، كالاتحاد الأوروبي، بدأت تدفع باتجاه الاستقلال الصناعي والتكنولوجي عن القوى الخارجية.

تتسابق الدول اليوم لبناء اقتصادات مرنة وقادرة على امتصاص الصدمات دون انهيار، وهو ما يتطلب تنويع الموارد، وتحسين كفاءة الإنفاق، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص. كما بات من الضروري إعادة النظر في توزيع سلاسل القيمة، وبناء نماذج إنتاج مستدامة وصديقة للبيئة.

إن العالم لم يعد كما كان، وكذلك الاقتصاد. وحدها الدول التي تُدرك مبكراً عمق التحول وتُعيد بناء منظومتها الاقتصادية على أسس التنوع، والسيادة، والابتكار، هي من ستتقدم الصفوف وتكتب مستقبلها بيدها، لا بقلم غيرها. التحول الجاري في الاقتصاد العالمي لا يعني الانغلاق، بل إعادة تموضع ذكي يحفظ للدول مصالحها دون التفريط في فرص التعاون الدولي. لم تعد أدوات الأمس تصلح لفهم أو مواجهة تحديات اليوم، وأصبح التغيير ضرورة وجودية لا خياراً.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق