الثقة بالمصارف - هرم مصر

الخليج 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

د. لويس حبيقة*

بناء ثقة المواطنين بنظامهم المصرفي الوطني، يأخذ دائماً الكثير من الوقت والجهد والتفسير والعمل المهني الجيد. خسارة ثقة المواطنين بالمصارف، يمكن أن تحصل بسرعة فائقة، نتيجة أي خطأ أو حتى خبر مؤذٍ مقصود يعلم به المتعاملون، وبالتالي يشعرون أن أموالهم بخطر. لا يمكن أن تعود الثقة بالمصارف، ولو جزئياً، إلا بعد أن يفهم هؤلاء أسباب الفشل، وكيف تمت المعالجات، وما الذي يمنع تكرار الكارثة. الأسئلة التي يطرحها المتعاملون مباشرة، وعبر الإعلام، في كل الدول التي عرفت أزمات مصرفية هي: كيف ولماذا وقعت البلاد في مأزق؟ وماذا كانت الحلول؟
في الولايات المتحدة، ونتيجة أزمة 2008، من يتحمل مسؤولية خسارة 8.8 مليون مواطن لوظائفهم، في وقت كان يجب أن يرتفع خلاله عدد الوظائف وشاغليها؟ ومن يتحمل مسؤولية خسارة الناتج المحلي الإجمالي 4,7%، في وقت كان يجب أن ينهض خلاله وينمو؟. النهوض القوي يتبع عموماً فترات السقوط، لكن النهوض الأمريكي كان ضعيفاً.
هل أضاع الأمريكيون دروس الأزمات العديدة السابقة أم استفادوا منها بطريقة أو بأخرى لتجنب وقوع كوارث مستقبلية؟ لا تشير الوقائع إلى استيعاب الدروس، وها هي الأزمات تقع دورياً، آخر فصولها في كاليفورنيا. سارعت إدارة الرئيس السابق بايدن إلى ضمان كل الودائع منعاً للسقوط الكبير. لا يبدو أن الموضوع المصرفي يقع ضمن أولويات إدارة الرئيس دونالد ترامب، إذ لم نسمعه يعالجه، كما يفعل بشأن المواضيع الأخرى.
في لبنان، الثقة حالياً في القطاع المصرفي معدومة، في غياب الحلول، ويقتصر دور الحكومة الجديدة على التفاوض مع صندوق النقد الدولي، دون وضع أي رؤية جدية واقعية بشأن الودائع، وكيفية ومتى إعادتها إلى أصحابها.
مشكلة القطاع المصرفي اللبناني أنه أقرض الإدارة العامة، التي يعشعش في بعض مفاصلها الفساد، منذ عقود، كما أقرض قسماً من القطاع الخاص الذي فشل في النهوض من دون أن نهمل حصول فساد كبير. عندما لا يستطيع المقترض أو لا يريد تسديد ديونه للمصارف، تحصل الكارثة وتضيع الودائع في غياب أي دور قيادي وإيجابي لمصرف لبنان. من المسؤول؟ حتماً ليس المودع.
في الولايات المتحدة، تمت دراسة أزمة 2007-2009، عبر لجنة مستقلة، قالت بوضوح إنه كان يمكن تجنب الأزمة لولا الإهمال، وغض النظر عن مخالفات مالية كبيرة. من أبرز الأخطاء هي كثافة الإقراض غير المدروس خاصة للقطاع العقاري الذي سقط. من أبرزها أيضاً أخطاء وكالات التصنيف، التي قيّمت خطأ مؤسسات عدة، وبالتالي غشت المواطنين والأسواق. لا أحد ينكر إهمال أجهزة الرقابة والتهور الاستثماري المالي، والجشع الذي يسيّر الإنسان. بنى الأمريكيون قطاعاً مصرفياً كبيراً، دون ركائز قوية تحميه وتحمي المودعين.
في لبنان نتوقع تكليف لجنة مستقلة لدراسة ما حصل مصرفياً وحكومياً، واقتراح معاقبة كل المقصرين والفاسدين، ثم البناء للمستقبل. نتوقع حصول ذلك لكن الوصول إلى شاطئ الأمان، سيأخذ وقتاً، لأن التحديات كبيرة، والقدرة على مواجهتها ضعيفة. يبقى دائماً الأمل كبيراً.
* كاتب لبناني
[email protected]

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق