مع الشروق .. التعويل على الذات لا ينفي التعاون مع الخارج..

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. التعويل على الذات لا ينفي التعاون مع الخارج.., اليوم الأربعاء 16 أكتوبر 2024 01:34 صباحاً

مع الشروق .. التعويل على الذات لا ينفي التعاون مع الخارج..

نشر في الشروق يوم 15 - 10 - 2024

alchourouk
يُفسّر كثيرون شعار »التعويل على الذات « الذي رفعته الدولة في السنوات الأخيرة على أنه القطع النهائي مع الاقتراض او مع علاقات التعاون والشراكة الثنائية مع الدول والهياكل المالية الدولية أو الاقليمية، والحال أن كلاّ منهما يُكمّل الآخر ولا يمكن الاستغناء عنه. ففي أغلب الدول التي حققت في السنوات الأخيرة تقدما اقتصاديا وتنمويا ملموسا، لم يقع الاقتصار على التعويل على الذات ولم يقع أيضا الاكتفاء بالاقتراض من الخارج أو التعاون معه، بل يقع تفعيل الآليتين معا حسب متطلبات الوضع داخل الدولة لضمان التوازنات المالية والاقتصادية لها.
وعلى امتداد الأشهر الماضية، أثير في تونس أكثر من مرة جدل مردّه توجه الدولة نحو مواصلة الحصول على قروض أو تمويلات إما من بعض الدول في إطار التعاون الثنائي أو من بعض المؤسسات المالية الدولية او الاقليمية، والحال ان البلاد تتجه نحو التعويل على الذات مثلما أعلن عن ذلك رئيس الجمهورية أكثر من مرة.. وهو جدل لا يمكن أن يستقيم إلا في حالتين: إما أن تكون للدولة مختلف أنواع الثروات الطبيعية وكل العوامل الملائمة التي تُغنيها عن التعاون المالي والاقتصادي مع الخارج، أو ان تكون مفتقرة تماما للثروات والمؤهلات الذاتية ولا خيار أمامها غير التعويل على الخارج.
لا يمكن لأي دولة الاكتفاء فقط بالتعويل على قدراتها الذاتية. فمهما بلغت قوتها الاقتصادية والتنموية ومهما كان حجم ثرواتها الطبيعية، تظل في حاجة دائما إلى توطيد علاقاتها مع الخارج إما في إطار التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري أو في إطار التعاون المالي (الاقتراض). وهو ما يمكن ملاحظته اليوم في أغلب القوى الاقتصادية بما في ذلك بعض القوى العظمى التي تُسجّل ارتفاعا في نسبة الدين العمومي مقارنة بناتجها القومي الخام، لكنها تعمل في الآن نفسه على التعويل على قدراتها ومؤهلاتها الذاتية وعلى استغلالها بالشكل الأمثل.
تعمل مختلف الدول اليوم على » المزج « بين الخيارين، بطريقة تجعل من التعويل على الذات مُكمّلا للتعاون مع الخارج والاقتراض منه إن لزم الأمر، والعكس بالعكس. فهي تستغل قدراتها وثرواتها بالشكل الأمثل وتحميها من الفساد ومن عبث أصحاب المصالح الخاصة، وتلجأ في الآن نفسه الى الاقتراض من الخارج ولا تستغني عن التعاون الخارجي المالي والاقتصادي في سبيل حماية مصالحها الحيوية. وهو ما يُحتّمه اليوم ظرف اقتصادي وسياسي عالمي يتسم بالتقلبات السريعة وبالمتغيرات الداخلية المختلفة، وكلها عوامل تخلق صعوبات أمام الدول والحكومات وتُحتّم عليها التسريع بإيجاد الحلول الملائمة حسب الحاجة.
وتُمثّل تونس اليوم جزءا من هذا السياق العالمي ولا يمكنها ان تُحلّق خارجه. فهي في حاجة إلى التعويل على قدراتها ومؤهلاتها الذاتية، وهي عديدة ومتنوعة، وإلى تثمينها وحمايتها أكثر من أي وقت مضى من الفساد وسوء التصرف، وهو الشعار الذي رفعه رئيس الجمهورية قيس سعيّد أكثر من مرة. لكن في الآن نفسه لا يمكنها الاستغناء عن التعاون مع الخارج إما في إطار الشراكات الاقتصادية او التبادل التجاري والسياحي أو الاقتراض ان تطلب الامر ذلك، سواء من الدول في إطار التعاون الثنائي أو من المنظمات المالية الدولية والاقليمية والقارية، وهو ما تواصل تونس القيام به للحفاظ على توازناتها العامة.
غير أن هذا المزج بين الخيارين يقتضي تحكّما قويا من الدّولة فيهما: فالتعويل على الذات يقتضي قبضة من حديد وتطبيقا صارما للقانون لحماية المقدرات الذاتية والثروات الطبيعية من التلاعب والاستيلاء ومن »تحويل وجهتها « الى المصالح الشخصية الضيّقة. واللجوء إلى التعاون الخارجي الاقتصادي والمالي مع الدول او مع المنظمات المالية يقتضي بدوره التمسك بحدود السيادة الوطنية وسلطة القرار الوطني حتى لا يتحول الى وسيلة لإخضاع البلاد إلى شروط واملاءات لا تتماشى ووضعها الاقتصادي والاجتماعي ولا تحترم سيادتها واستقلالها. وكل هذه الضوابط التي ذكّر بها رئيس الجمهورية عديد المرات تنطبق اليوم على الحالة التونسية، وبالتالي فإن اللجوء بين الحين والآخر للاقتراض من الخارج او للتعاون الثنائي او متعدد الأطراف لا يجب أن يُفهم على أنه تخلّيا من الدولة عن خيار التعويل على الذات..
فاضل الطياشي

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق