"الأيام" ترصد مشاهد جديدة من داخل ومحيط مراكز المساعدات الأميركية - هرم مصر

جريدة الايام 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 

كتب محمد الجمل:

 

ما زالت مراكز توزيع المساعدات الأميركية تشهد موتاً وإذلالاً يومياً للمواطنين في قطاع غزة، ممن يقصدونها طلباً للطعام.
"الأيام" رصدت مجموعة جديدة من المشاهد من داخل ومحيط تلك المراكز، تُظهر مآسي المواطنين فيها، وما يتعرضون له من مخاطر، وإذلال، وصراعات فيما بينهم للحصول على القليل من الطعام.
ومن المشاهد التي جرى رصدها مشهد تحت عنوان "سيول بشرية"، ومشهد آخر يُوثق كيف أصبح الانبطاح أرضاً وسيلة المواطنين الوحيدة لتلافي رصاص الاحتلال الذي يستهدفهم، ومشهد ثالث جاء تحت عنوان "الصناديق للأقوياء".

 

سيول بشرية

رغم المخاطر الكبيرة، والموت الذي يحصد عشرات الأرواح يومياً، وكم الإذلال الكبير الذي يتعرض له الجوعى داخل وفي محيط مراكز المساعدات الأميركية بقطاع غزة، إلا أن عشرات الآلاف ما زالوا يقصدونها يومياً في ظل انتشار المجاعة على نحو غير مسبوق.
وخلال ساعات المساء تُشاهد حشود كبيرة من المواطنين يسلكون شارعَي الرشيد الساحلي، والمواصي المؤدي إلى مدينة رفح، يحمل كل منهم كيساً فارغاً، أو حقيبة على كتفه، عادة تحتوي على قارورة مياه، ويتجهون جنوباً على أمل العودة ببعض الطعام.
ومن بين الحشود الكبيرة تُشاهد فتيات وسيدات، ومسنون، وأطفال، أجبرهم الجوع على المغامرة والتوجه إلى تلك المراكز، التي باتت بمثابة مصائد للموت.
وذكر المواطن إبراهيم زهير، وكان يسير وسط حشود المواطنين متجهاً إلى منطقة "البركسات"، شمال غربي مدينة رفح، حيث يُقام أحد مراكز المساعدات الأميركية، أن الجوع دفعه للتوجه إلى المركز المذكور، بعد أن فقدَ الطعام في بيته، ولا يستطيع شراء السلع الغذائية بأسعارها الحالية.
وبيّن أنه يتوجه كل يوم تقريباً إلى المراكز برفقة عشرات الآلاف من المواطنين، وينتظر هناك ساعات، وفي بعض الأيام ينجح في الحصول على بعض الطعام، وأحياناً يفشل، لكنه يُكرر المحاولة في اليوم التالي.
وأشار إلى أنه يُفاجأ كل يوم بأعداد أكبر من المواطنين يتوجهون للمراكز، فمن كان يرفض أو يتردد، أجبره الجوع على التوجه إليها، فلم يعد هناك خيار أمام المواطنين في قطاع غزة، سوى ما سمّاه "مراكز الموت والإذلال"، من أجل الحصول على الطعام.
بينما بدا المُسن حسن عدوان حزيناً وهو يُراقب حشود المواطنين يسيرون على أقدامهم متجهين إلى مراكز المساعدات، قائلاً: من أسوأ نتائج الحرب أنها حوّلت شعباً عزيزاً كريماً إلى شعب متسول ذليل. يقامر الناس بحياتهم من أجل لقمة خبز، أو بعض الطعام.
وأكد عدوان أن هذه المشاهد الصادمة والحزينة لم يسبق أن شاهدها أو سمع عنها في حياته، فحتى إبان النكبة لم يحدث هذا الأمر، فالمواطنون في غزة يتضورون جوعاً، ويتسابقون للحصول على الطعام.
وشدد على أهمية أن تُسارع الجهات الحاكمة لغزة للعمل على صون كرامة الناس وحمايتهم، فلا يُعقل أن يترك أهل غزة فريسة لمخططات الاحتلال وأميركا من خلفه، فهذا الأمر أصبح غير مقبول، والتاريخ لن يرحم مَن تخلى عن الناس في محنتهم.

 

الانبطاح أرضاً

كثيرة هي القصص والروايات التي تناقلها شهود عيان عمّا يتعرض له المواطنون من مخاطر كبيرة داخل وفي محيط مراكز المساعدات، جنوب رفح، ووسط القطاع، لكن حقيقة ما يحدث هناك أخطر وأفظع بكثير مما يُروى، فالموت هناك أقرب للناس من الحياة، والرصاص ينهش أجسادهم باستمرار.
"الأيام" استمعت إلى شهادات حية جديدة لعائدين من الموت كانوا داخل المراكز، مؤكدين أن الانبطاح أرضاً بات الطريقة الوحيدة لحمايتهم، وإن كانت غير مجدية في الكثير من الأحيان.
الشاب محمد عاشور أحد المترددين على مراكز توزيع المساعدات، أوضح أن الانبطاح على الأرض، والزحف لمسافات طويلة، باتا بمثابة روتين يومي، حيث يضطرون لممارسته لتجنب رصاص الاحتلال، الذي يستهدفهم بشكل مُركّز أو عشوائي.
وأشار عاشور إلى أن رافعات ودبابات تُحيط بمراكز توزيع المساعدات، ويبدأ القناصة والرصاص العشوائي باستهداف الجائعين فور تجمعهم خارجها، خاصة إذا ما وصلوا قبل الموعد المُحدد لفتحها، ويضطر الجميع للاحتماء بالأرض، والمحظوظ هو مَن يجد تلة صغيرة يختبئ خلفها، والبعض يصابون بالرصاص حتى وهم في حالة الانبطاح.
وبيّن أنه سمع أنين وصرخات شبان أصيبوا إلى جانبه بينما كانوا منبطحين أرضاً، لكنه لم يستطع هو أو غيره مساعدتهم، فمن يرفع رأسه يمت.
ولفت إلى أن مشهد الآلاف وهم مستلقون على الأرض وهم يخفضون رؤوسهم، يتمتمون بالدعاء كي ينجيهم الله من الموت الذي يُحلق فوق رؤوسهم، بات من المشاهد الحزينة والمؤلمة، التي تتكرر كل يوم قرب مراكز توزيع المساعدات.
بينما قال الشاب هيثم سليم: إن أحد أقربائه استشهد داخل مركز المساعدات، وبعد ساعات تمكنوا من جلب جثمانه، وعند معاينة الجثمان بدت ملابسه ممتلئة بالتراب خاصة من ناحية البطن والصدر، بينما الرصاصة أصابت ظهره من الأعلى وأكملت طريقها حتى خرجت من منطقة الحوض، وهذا دليل واضح على أنه أصيب بينما كان ينبطح أرضاً، وربما زحف مسافة طويلة للفرار من إطلاق النار، موضحاً أن رصاص الاحتلال بات يلاحق حتى الذين يحاولون الاحتماء منه عبر الانبطاح أرضاً.
وأكد أن ما يحدث جريمة، فما ذنب هذا الشاب الذي توجه إلى مركز توزيع المساعدات وهو أعزل لا يحمل أي نوع من السلاح، واحتمى بالأرض؟ رغم ذلك تم قتله، فبدلاً من أن يعود لعائلته بالطعام، عاد إليهم جثة هامدة.

 

الصناديق للأقوياء

يتعمد الاحتلال خلق فوضى حتى داخل مراكز توزيع المساعدات، عبر اتباع آلية غير مُنظمة، تتمثل في وضع كمية محدودة من صناديق المساعدات، تتراوح بين 1000 و2000 صندوق، ليستفيد منها 50 ألف شخص، يُتركون دون تنظيم، يصارعون بعضهم البعض.
ووصل الأمر إلى تشكيل بعض العائلات ما يشبه التكتلات والعصابات، حيث يسيطر البعض على حاوية "مشتاح"، يحوي عشرات الصناديق من المساعدات، ويقومون بأخذها دون السماح لأحد بالاقتراب منها، بينما يُحجم البعض عن التوجه للصناديق، ويحصلون على المساعدات من خلال ممارسة "البلطجة"، على من نجحوا في أخذ الصناديق، ويستولون عليها منهم عُنوة، ويصل الأمر أحياناً إلى ضربهم بآلات حادة، في حال قاوم الشخص ورفض تسليم المساعدة "للبلطجية".
وشدد المواطن إبراهيم جودة على أن ما يحدث داخل المراكز، خاصة عند التسليم، أمر فظيع، فلا يوجد أي نوع من التنظيم، ويفتح الباب أمام المواطنين فجأة، ليبدأ أسوأ فصل من الصراعات والتناحر، فالقوي يحصل على المساعدة، والضعيف يُداس تحت الأقدام، وحتى بعض من نجحوا في الحصول على الصناديق يتم سلبها منهم بالقوة.
ونوّه إلى أن المشهد الأكثر فظاعة قيام البعض بفتح الصناديق وانتقاء أنواع من السلع منها، مثل زيت الطعام، والسمن النباتي، وزبدة الشكولاتة، والطحين، وغيرها من الأطعمة مرتفعة الثمن، وترك الأشياء الأقل أهمية مثل المعلبات لغيرهم، وهذا كله ناتج عن تعمّد الاحتلال والشركة الأميركية صنع الفوضى.
من جهته، أكد مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، إسماعيل الثوابتة، أن الشركة الأميركية تعمل بصورة انتقائية، غير شفافة، وبآليات خارجة عن التنسيق مع المؤسسات الرسمية أو الشركاء المحليين، وبصورة مخالفة للمبادئ العامة للعمل الإنساني وهي الإنسانية، والحياد، والاستقلالية، وعدم التحيز، ما يؤدي إلى خلق بؤر من الاحتقان المجتمعي، وإثارة الصراعات داخل صفوف المتضررين، وتعميق الشعور بالتمييز والغبن، وهذا السلوك يعزز حالة الفوضى الداخلية، ويستخدم الغذاء كسلاح للضغط والابتزاز.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق