بعد عقد ونصف من العزلة التي فرضتها الحرب وتداعيات العقوبات الدولية، تستعد سوريا لإعادة الاتصال بنظام سويفت للمدفوعات الدولية في غضون أسابيع قليلة. هذا التطور، الذي يأتي في أعقاب تحولات سياسية واقتصادية، بما في ذلك رفع العقوبات الأميركية والأوروبية وجهود الحكومة الجديدة لتوجيه دفة الاقتصاد نحو الانفتاح، يُعد علامة فارقة في مسار دمشق نحو استعادة مكانتها في النظام المالي العالمي.
لقد أدت سنوات الانقطاع إلى تدمير البنية التحتية المالية ودفعت البلاد إلى الاعتماد على شبكات غير رسمية ومكلفة، مما أعاق بشكل كبير أي جهود للتعافي. الآن، ومع إعلان حاكم مصرف سوريا المركزي الجديد عن قرب عودة سوريا إلى نظام سويفت، يبرز السؤال الأهم عن المكاسب الأولية التي تتوقعها سوريا من إعادة ربطها بسويفت، وهل تمثل هذه الخطوة بالفعل بوابة لانتعاش اقتصادي من شأنه أن يضع البلاد على طريق التعافي؟
وأعلن حاكم مصرف سوريا المركزي عبد القادر الحصرية، عن أن سوريا ستعود بالكامل إلى نظام سويفت للمدفوعات الدولية "في غضون أسابيع"، مما يعيد ربط البلاد بالاقتصاد العالمي بعد 14 عاماً من الحرب والعقوبات، بحسب تقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وأوضح التقرير أن العودة إلى "سويفت" تعتبر أول علامة فارقة رئيسية في جهود الحكومة الجديدة لتحرير الاقتصاد السوري، ودليلاً على أن السلطات الجديدة تتحرك بسرعة لجذب التجارة والاستثمار الدوليين، وذلك بعد أن رفعت الولايات المتحدة العقوبات الشهر الماضي.
ونقل التقرير عن حاكم المصرف المركزي في معرض حديثه عن خارطة طريق إعادة هيكلة النظام المالي والسياسة النقدية للبلاد من أجل إعادة بناء الاقتصاد المدمر، أنه يتطلع إلى " إعادة تدفق الاستثمار الأجنبي، وإزالة العوائق أمام التجارة، وتحقيق الاستقرار للعملة المحلية، وإصلاح القطاع المصرفي". وشدد على أهمية تعزيز "مكانة البلاد كمركز مالي" بالنظر إلى الاستثمار الأجنبي المباشر المتوقع في إعادة الإعمار والبنية التحتية.
وستلعب عودة سويفت دوراً محورياً في تنشيط التجارة الخارجية. فبحسب الحصرية، ستساعد هذه الخطوة على خفض تكاليف الاستيراد وتسهيل الصادرات، كما ستجلب العملة الأجنبية التي تشتد الحاجة إليها إلى البلاد. وستعزز هذه العودة أيضاً جهود مكافحة غسيل الأموال وتخفف من الاعتماد على الشبكات المالية غير الرسمية التي كانت تهيمن على التجارة عبر الحدود.
وقال: "يهدف البنك المركزي إلى توجيه جميع التجارة الخارجية عبر القطاع المصرفي الرسمي، مما يقضي على دور الصرافين الذين كانوا يفرضون رسوماً باهظة تصل إلى 40 سنتاً على كل دولار يدخل سوريا. وقد تم بالفعل تخصيص رموز سويفت للبنوك والبنك المركزي، والخطوة المتبقية هي استئناف البنوك المراسلة معالجة التحويلات.
وفي حين أن القطاع المصرفي العام مدعوم بالكامل من الحكومة، يتطلع الحصرية إلى إنشاء مؤسسة حكومية لضمان ودائع البنوك الخاصة. كما يهدف الإصلاح إلى إعادة رسملة البنوك وإلغاء القيود التنظيمية وإعادة تأسيس دورها كوسيط مالي بين الأسر والشركات، على حد قوله.
وأوضح الحصرية الذي تولى منصبه في أبريل الماضي: "نحتاج إلى تحول شامل في السياسات. حتى الآن، لم نشهد سوى إصدار بعض التراخيص ورفع انتقائي للعقوبات. التنفيذ يجب أن يكون شاملاً وليس عشوائياً".
وكانت سوريا قد انقطعت عن الأسواق العالمية منذ عام 2011، عندما قمع الرئيس السابق بشار الأسد انتفاضة شعبية بعنف كبير، مما أدى إلى اندلاع حرب أهلية شاملة. وعندما أُطيح بالأسد على يد أحمد الشرع وتحالفه من الفصائل الثورية في ديسمبر الماضي، كان الاقتصاد ينهار وموارد الدولة قد نضبت.
وفي غضون أسابيع من تولّي أحمد الشرع السلطة، أعلن عن إصلاحات شاملة للاقتصاد الذي كان يخضع لسيطرة مشددة في عهد الأسد، وقدمت الحكومة الجديدة نفسها كمشروع يعتمد الشفافية والانفتاح، وهو ما أقنع بعض المستثمرين الأجانب المترددين بالتعامل معهم.
وقبل الإطاحة بالأسد، كانت الليرة السورية قد فقدت نحو 90 بالمئة من قيمتها أمام الدولار. ومنذ ذلك الحين، استعادت جزءاً من قيمتها، لكنها لا تزال غير مستقرة، مع استمرار وجود فجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق السوداء.
ويُعدّ القطاع المصرفي حجر الأساس في عملية إعادة الإعمار، بعد أن انهار بشكل شبه كامل بسبب الحرب، والأزمة المالية في لبنان المجاور عام 2019، والسياسات العقابية التي اتبعها نظام الأسد. ويأمل حاكم المصرف المركزي السوري في إنهاء إرث التدخل الحكومي في عهد الأسد، واستعادة القدرة على الإقراض، وتعزيز الشفافية، وبناء الثقة من جديد، وفقاً لتقرير الصحيفة البريطانية.
والجدير ذكره أن عودة سوريا إلى "سويفت" تعني تمكين البنوك المحلية من إرسال واستقبال الأموال من وإلى الخارج بشكل رسمي، مما قد يساهم في تسهيل التجارة، وفتح الباب أمام الاستثمارات وتحويلات المغتربين عبر القنوات النظامية.
سرعة التحويل وانخفاض تكلفته لأقل مستوى
وفي تصريح خاص بموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" قال مستشار وزير الاقتصاد والصناعة السوري الدكتور مازن ديروان حول أهم المكاسب الأولية لسوريا بعد العودة إلى سويفت: "سرعة التحويل وانخفاض تكلفته لأقل مستوى ممكن بسبب استعادة المصارف المحلية لدورها الطبيعي المنوط بها وهو التحويل بيسر من وإلى سورية".
وأوضح الدكتور ديروان أنه من الطبيعي أن هذه العودة تزيد الثقة بالاقتصاد السوري وزيادة تحويلات المستثمرين والمانحين".
من جهته، قال خبير الاقتصاد الصناعي السوري نضال رشيد بكور في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "إن إعادة ربط سوريا بشبكة سويفت بعد توقف دام 14 عاماً تمثل خطوة أولى نحو إعادة إدماج الاقتصاد السوري في النظام المالي العالمي، هذا التطور يُتوقع أن يُسهم في تنشيط التحويلات المالية الرسمية، وخاصة من السوريين في الخارج، ما يخفف الضغط على السوق السوداء ويُعزز من استقرار سعر الصرف".
كما ستتيح هذه الخطوة تسهيل عمليات الاستيراد والتصدير عبر فتح الاعتمادات المستندية وتحسين وصول المواد الأساسية، مما يدعم القطاع الإنتاجي ويحدّ من التضخم، بحسب تعبيره.
وعلى المستوى الاقتصادي، أضاف بكور: " تمهد هذه العودة إلى السويفت لإمكانية تعزيز الاستثمارات وفتح قنوات تمويل مستقبلية، لفضلاً عن أن هذه الخطوة تحمل دلالة سياسية واقتصادية على بداية تحوّل تدريجي في المشهد الإقليمي والدولي تجاه سوريا، والمردود المباشر يمثل أرضية ضرورية لأي تعافٍ اقتصادي مستقبلي".
تسهيل العمليات التجارية بين الشركات وزيادة الاستثمارات
بدوره، قال الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري عصام تيزيني في حديثه لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية: "إن عودة سوريا إلى نظام سويفت تمثل تطوراً جوهرياً في قدرة المواطن السوري على إجراء التحويلات المالية مباشرة من حسابه في أحد البنوك المحلية إلى أي بنك في العالم، ضمن الأطر القانونية المعترف بها دولياً"، مشيراً إلى أن "سوريا كانت محرومة من هذا الحق طيلة السنوات الماضية، ما أجبر الأفراد والشركات على الاعتماد على الصرافين وشبكات مصرفية خارجية، أبرزها البنوك اللبنانية، لإتمام تحويلاتهم ودفع مستحقات استيراد البضائع".
وأكد تيزيني أن "أبرز المكاسب الأولية المتوقعة من إعادة ربط سوريا بسويفت تتمثل في تسهيل العمليات التجارية بين الشركات، مما يشجع على زيادة الاستثمارات ويخفف من الأعباء التي كانت تعيق حركة الاستيراد والتصدير"، لافتاً إلى أن "كثيراً من التجار كانوا يتجنبون الاستيراد بسبب تعقيدات تحويل الأموال، أما اليوم فإن سلاسة التحويلات ستنعكس مباشرة على مرونة التعاملات التجارية ونموها".
تحسن سعر صرف الليرة
وأشار إلى أن "تفعيل التحويلات البنكية الرسمية من خلال سويفت سيؤثر بشكل إيجابي على سعر صرف الليرة السورية، إذ إن توفير الدولار عبر القنوات النظامية سيخفف الضغط على السوق المحلية، ويقلص الحاجة إلى شراء الدولار نقداً من السوق، مما يؤدي إلى تحسن في سعر الصرف، ليس فقط على الصعيد المالي، بل أيضاً من الناحية النفسية والمعنوية لدى التجار والمستثمرين".
وأضاف أن "خفض تكلفة التحويلات هو مكسب آخر مهم، إذ كان التجار سابقاً يتحملون عمولات مرتفعة تصل إلى نحو 25 بالمئة من قيمة البضائع، خاصة خلال الأعوام الأخيرة قبل التحرير بسبب القيود المشددة التي فرضها إحداث المنصة على عمليات التحويل"، موضحاً أن "نظام سويفت سيمكن الأفراد من استقبال الأموال من أي مكان في العالم عبر تطبيقات إلكترونية دون رسوم أو برسوم بسيطة جداً، مقارنة بالتكاليف الباهظة التي كانوا يدفعونها سابقاً.
0 تعليق