مع الشروق .. «استباحَة» الأسعار ... و«استسْهالُ» الزيادة فيها..

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. «استباحَة» الأسعار ... و«استسْهالُ» الزيادة فيها.., اليوم الجمعة 25 أكتوبر 2024 01:30 صباحاً

مع الشروق .. «استباحَة» الأسعار ... و«استسْهالُ» الزيادة فيها..

نشر في الشروق يوم 24 - 10 - 2024

2331025
في تونس، أصبحت الأسعار في كل القطاعات تقريبا شأنا مُستباحا وبشكل متواتر، حيث لا يكاد يمر يوم واحد دون أن يكتشف فيه المواطن زيادات في أسعار مختلف المواد أو يطالع خبر تلويح أو مطالبة قطاع بالزيادة.. فكل القطاعات تقريبا أصبحت "تستسهل" الزيادة في الأسعار دون خوف من الرقابة أو العقاب وبطريقة تُظهر أحيانا استقواء على الدولة وعلى قوانينها.. وأغلب القطاعات تسارع الى الزيادة في الاسعار دون أن يوجد أي مُبرّر لذلك، وحتى إن وُجد فهو لا يتناسب وحجم الزيادة التي وقع إقرارها..
موجة غير مسبوقة من الزيادات اليومية ومن مطالب الزيادة تعيش على وقعها بلادنا منذ سنوات وارتفعت وتيرتها في الأشهر الاخيرة، وأصبحت تثير سخط واستياء المواطن، ولم تسلم منها لا الأسعار الحرة ولا الأسعار المؤطرة من الدولة، ولم تنجُ منها إلا أسعار المواد المدعمة. كما لم تسلم منها لا أسعار المواد الغذائية الأساسية بما في ذلك المنتجات الفلاحية الطازجة، ولا المنتجات الصناعية المختلفة بما في ذلك المصبرات الغذائية والمواد الموجهة للاستهلاك العائلي. كما لم يسلم منها قطاع الخدمات كالنقل والمطاعم والمقاهي والنزل وخدمات البنوك والتأمين وغيرها..
والمثير في هذا الموضوع هو ان بعض القطاعات أصبحت تمرّ مباشرة إلى الزيادة في أسعار منتجاتها أو الخدمات التي تقدمها دون سابق إعلام ودون تشاور على مستوى الهياكل المهنية أو مع الحكومة مثلما تقتضيه الأعراف والتقاليد. والأغرب من كل ذلك هو أن تكاليف الإنتاج لم ترتفع في بعض القطاعات بل شهدت عكس ذلك انخفاضا خاصة بعد تراجع الأسعار في الأسواق العالمية. وهو ما يطرح تساؤلات حول دوافع وأسباب هذه الزيادات المتواترة وغير المدروسة والتي لا يمكن أن تكون سوى الجشع والرغبة في تحقيق الربح السريع من بعض المنتجين والسماسرة والوسطاء ومن بعض تجار الجملة والتفصيل..
ويتضح من يوم إلى آخر أن الزيادة في الأسعار في تونس أصبحت تخضع للأهواء الشخصية والمصالح الذاتية دون مراعاة للوضع العام في البلاد ودون قراءة حساب لما يمكن أن يترتب عن ذلك من توتر اجتماعي وارتباك اقتصادي. ففي البلدان التي تواصل فيها الدولة لعب دور اجتماعي متقدم – على غرار تونس- من المفروض أن لا يكون ضبط الأسعار والزيادة فيها عشوائيا بل لا بد أن يراعي الوضع العام في البلاد والمصلحة الوطنية وأن لا يكون في معزل عن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية مثل القدرة الشرائية للمواطن ومستوى المداخيل ونسبة التضخم والبطالة والفقر ونسبة النمو وغيرها من المؤشرات..
على الدّولة أن تتدخل اليوم بكل حزم في ملف الأسعار بكل أصنافها، سواء كانت أسعارا مؤطرة أم حرة، خاصة التي تهم الشأن المعيشي للمواطن، حتى لا يتحوّل هذا الملف إلى شأن "مُستباح" وغير خاضع لأية ضوابط أو رقابة من الدولة. فالمواطن الذي سئم الترفيع شبه اليومي في الأسعار لا يقدر بمفرده على مجابهة موجة الغلاء وسيكون ملاذه الوحيد هو الدولة التي بيديها كل السلطات لتتحكم في السوق من حيث الأسعار والإنتاج والتزويد والحد من الاحتكار والمضاربة وخاصة الحد من الاستقواء عليها وعلى أجهزتها الرقابية..
تمتلك الدولة عديد الآليات والإجراءات القانونية التي يمكن من خلالها التحكم في الأسعار وتحدّ من استباحتها وتستبق بذلك كل مخاطر التوتر الاجتماعي. فالدولة لها سلطة المراقبة الاقتصادية التي يطالب الجميع بأن تُطور أداءها وبأن تتحلى بأكثر حزم وصرامة بالتوازي مع تطوير التشريعات من أجل الرفع في العقوبات حتى يتحقق الردع المطلوب.. والدولة بإمكانها أن تتدخل عبر مقررات إدارية لتجميد الأسعار او لتحديد هوامش الربح وضبط الأسعار القصوى أو عبر التوريد او التخزين لتعديل العرض من مختلف المنتوجات أو عبر التفاوض مع المهنيين.. وكل ذلك من أجل إيقاف هذه الموجة غير المسبوقة من الزيادات في الأسعار ولمنع استسهال الأمر حتى لا يتحول الى تقليد عادي وطبيعي أقوى من الدولة وأقوى من القانون ومن الأجهزة الرقابية..
فاضل الطياشي

.




إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق