ولكن، حصل في الفترة الأخيرة، تدهور ملحوظ في العلاقات التركية- الإسرائيلية، بسبب رفض تركيا لعمليات الإبادة الجماعية، التي ترتكبها إسرائيل، ضد المدنيين من الشعب الفلسطيني. كما أن فصلاً جديداً في هذه العلاقات قد فتح، اعتباراً من يوم 8 ديسمبر 2024م، يوم هروب بشار الأسد من سوريا، بلور عقدين من التوتر، فيما بينهما. وربما سيسجل في هذا الفصل، تدهور أكثر، كما سوف نوضح.
****
إذ يبدو الآن أن خلافاً حاداً سينشب بين الطرفين حول سوريا، والوضع المضطرب فيها. فمنذ انهيار نظام بشار الأسد، طفت على السطح المصالح المتضاربة بين الجانبين في سوريا. فكما هو معرف، تسعى إسرائيل بقوة لإضعاف سوريا، تمهيداً لتقسيمها الى دويلات وكيانات، طائفية، ومذهبية، وعرقية، متنافرة. وهنا لا بد أن نعود لبداية تأسيس الكيان الصهيوني، وقادتها الأوائل. فهناك تصريح شهير لـ(ديفيد بن جوريون)، أول رئيس للوزراء بإسرائيل، قال فيه حرفياً: «لا يمكن ضمان أمن إسرائيل، إلا بتدمير ثلاث دول عربية مجاورة، هي العراق، وسوريا، ومصر». وقد تم تدمير العراق وسوريا.
وبما أن إسرائيل تهدف لإضعاف سوريا، عبر تقسيمها، فإنها ترى بأنه ليس من الضروري القلق على من سيحكم سوريا، بعد نظام بشار الأسد، المهم أن يكون تحت هيمنة إسرائيل. كانت إسرائيل، كما هو معروف، تؤيد نظام الأسد بقوة، وتعتبره كنزاً استراتيجيا لإسرائيل؛ لأنه كان يمنع مهاجمة الكيان الصهيوني من سوريا. والمهم، بالنسبة لإسرائيل، أن يكون النظام السياسي بعد نظام بشار، ضعيفاً، ومفتوحاً للعربدة الإسرائيلية، متى وجدت ذلك ضرورياً. والواقع، أن إسرائيل استباحت أراضي سورية جديدة، واحتلت مناطق في الحدود الجنوبية لسوريا، كما هو معروف.
****
ومن ضمن الوسائل القذرة التي تتبعها إسرائيل لتفتيت سوريا، هي دعم بعض الأقليات، وفي مقدمتها الأقلية الكردية. ووعد الأكراد بمساعدتهم في إقامة دولة خاصة بهم.. في إطار تقسيم سوريا، وابتزاز تركيا. وكما ذكرنا، فإن تعداد سكان تركيا حوالى 85 مليون نسمة، حوالى 20% منهم من الاكراد، الطامحين لإقامة دولة خاصة بهم، تضمهم وبقية الأكراد، المتواجدين في كلٍّ من العراق، وسوريا، وإيران، وغيرها. ويبلغ تعداد الأكراد، في هذه الدول، حوالى 34 مليون نسمة (15 في تركيا، 10 في إيران، 5 في العراق، 2.5 في سوريا، 1.5 في دول أخرى).
يعتبر الأكراد أكبر أقلية في تركيا، وتمثلهم جماعة معارضة مسلحة محظورة، تسمى (حزب العمال الكردستاني) (PKK) تسعى لأن يكون لهم دولة مستقلة خاصة بهم. وفي القرن العشرين، بدأت محاولة إقامة دولة (كردستان) المستقلة. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وضع التصور الذي أصبحت عليه الدولة التركية، والذي أدى إلى إجهاض قيام دولة كردية. وذلك إثر توقيع معاهدة لوزان، سنة 1923م. وما زالت (المسألة الكردية) معلقة، كالقنبلة الموقوتة.
أخبار ذات صلة
****
وحاولت تركيا إجراء انتقال سلس للسلطة، بعد انهيار نظام بشار الأسد. فعدم استقرار سوريا يهدد أمن واستقرار تركيا. وسوريا مقسمة تعيق طموحات تركيا. فأطماع إسرائيل في تركيا تتقاطع مع الأهداف التركية. إسرائيل تخشى تكوّن هلال سني، يمتد من الأردن حتى تركيا، وعبر سوريا. لكل ذلك، يتوقع أن يتصاعد التوتر بين تركيا وإسرائيل، حول سوريا. وهذا التوتر يميل للتطور إلى وضع من الأوضاع الثلاثة التالية:
- نشوب حرب غير مباشرة بين الطرفين: حيث تساعد إسرائيل الميليشيات المتمردة على دمشق، بينما تدعم تركيا الأطراف المؤيدة للنظام السوري الجديد.
- الصدام المباشر: وهذا يعني دخول الطرفين في حرب مباشرة. وهذه الحرب، إن حصلت، ستعني دخول دولة عضو في حلف ناتو، في حرب مع إسرائيل، ربيبة الولايات المتحدة.
- التفاوض لتقاسم السيطرة والنفوذ في سوريا: وقد يستلزم ذلك تدخل وسيط، مقبول من الجانبين.
ومن المتوقع، أن يحصل أحد هذه الاحتمالات، في المدى القريب.
0 تعليق