زلزال ترامب يهدد مستقبل أوكرانيا والناتو والتجارة الأوروبية - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشهد أوروبا لحظة مفصلية من تاريخها الحديث، إذ تتكثف حولها ملامح عالم جديد يتشكل ببطء ولكن بعمق، فالموقع الذي احتلته القارة لعقود باعتبارها شريكاً أساسياً في النظام الدولي الليبرالي، بات اليوم موضع تساؤل، وسط تصدعات تتسرب من الخارج والداخل على حد سواء.

تتصاعد التحديات على مستويات متعددة، تمس جوهر الأمن القومي الأوروبي، وتعيد طرح إشكالية الاعتماد على الشركاء التقليديين في الملفات الدفاعية والاستراتيجية. كما تتزايد الضغوط على الاقتصادات الأوروبية التي تحاول جاهدة التكيّف مع بيئة دولية مضطربة، تُختبر فيها سلاسل الإمداد، وتتداخل فيها الجغرافيا بالسياسة على نحو غير مسبوق.

في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، إلى استعداد الحكومات الأوروبية لمفاوضات عالية المخاطر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتي من شأنها أن تضع دفاع القارة واقتصادها وأمنها على المحك.

ويشير التقرير إلى:

الخطط الكبرى لبناء "أوروبا مستقلة" توقفت في الوقت الذي يبذل فيه المسؤولون جهودا مضنية للحفاظ على دعم ترامب خلال خمسة أسابيع من المحادثات الحاسمة بشأن أوكرانيا والتجارة عبر الأطلسي والتزام الولايات المتحدة تجاه حلف شمال الأطلسي. يشعر المفاوضون الأوروبيون بقلق متزايد من أن يطالب الرئيس الأميركي بتقديم تنازلات في مجال مقابل الحصول على الدعم في مجال آخر، مما يجبر الاتحاد الأوروبي على التضحية بقيمه الأساسية أو قبول قطيعة تامة مع واشنطن. ناقش كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي أسوأ السيناريوهات المحتملة في الجوانب الثلاثة. وتشمل هذه السيناريوهات التعليق الكامل للدعم الأمريكي لأوكرانيا، وقطع المعلومات الاستخباراتية، ومنع الدول الأوروبية من توريد الأسلحة التي تشتريها الولايات المتحدة؛ وحربًا تجارية شاملة ذات عواقب وخيمة على النمو الاقتصادي؛ والانسحاب السريع للقوات والقدرات العسكرية الأميركية من أوروبا.

ونقل التقرير عن مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، قوله: "لقد تحول الوضع من أفضل السيناريوهات إلى محاولة للسيطرة على الأضرار". وأضاف: "فيما يتعلق بالتجارة والدفاع وأوكرانيا، الخيار هو بين نتيجة سيئة وأخرى سيئة للغاية".

وسيبدأ ترامب مواجهته مع القادة الأوروبيين في قمة مجموعة السبع في كندا بعد أيام، حيث يتوقع المسؤولون أن يوضح الرئيس الأميركي دعمه لأوكرانيا وخطة العقوبات المفروضة على روسيا. وتريد العواصم الأوروبية من ترامب التعهد بدعم مستمر لكييف، لكنها تخشى من أنه يريد اتفاق سلام من شأنه أن يجعل أوكرانيا، وبقية أوروبا، عرضة لعدوان روسي مستقبلي.

وبعد أسبوع، سيجتمع زعماء حلف شمال الأطلسي في لاهاي، حيث تأمل العواصم الأوروبية أن تؤدي وعودهم بزيادة الإنفاق الدفاعي إلى إقناع ترامب بالحفاظ على الدعم الأميركي للدفاع الأوروبي وردعه عن خفض نشر القوات والأسلحة.

وفي اليوم التالي، سيجتمع زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة في بروكسل وهم يعلمون أن لديهم أقل من أسبوعين للتفاوض على اتفاق تجاري مع ترامب لتجنب الرسوم الجمركية بنسبة 50 في المائة التي يمكن أن تدمر اقتصاد القارة.

خبير العلاقات الاقتصادية الدولية، محمد الخفاجي، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن أوروبا تواجه اليوم تداعيات "زلزال ترامب" مع تصاعد المخاوف من ثلاثية تهديدات مباشرة تطال أوكرانيا، وحلف الناتو، والتجارة عبر الأطلسي، على النحو التالي:

أولًا: أوكرانيا وانسحاب الدعم الأميركي

كان دونالد ترامب قد لوّح مراراً بإمكانية وقف المساعدات الأميركية لأوكرانيا، بل واعتبر أن النزاع هناك "لا يخص الولايات المتحدة". غياب الولايات المتحدة سيترك فراغاً يصعب على الاتحاد الأوروبي ملؤه بمفرده، لا سيما في ظل الانقسامات السياسية داخل التكتل، والأوضاع الاقتصادية غير المستقرة التي تعصف بالاقتصادات الكبرى مثل ألمانيا وفرنسا.

ثانيًا: الناتو والالتزام الأميركي المشروط

الخطر الثاني يتمثل في مستقبل حلف شمال الأطلسي، حيث عبر ترامب بوضوح عن احتمال عدم الدفاع عن أعضاء الناتو الذين لا يلتزمون بسقف الإنفاق الدفاعي.

رغم أن 23 دولة داخل الحلف حققت نسبة 2 بالمئة من الناتج المحلي في الإنفاق الدفاعي – وفقًا لتقرير الناتو لعام 2024 – فإن دولًا مثل ألمانيا وإسبانيا ما زالت دون هذا السقف.. وبدأت برلين بالفعل في تقليص نفقات أخرى للوفاء بالتزاماتها الدفاعية. عودة ترامب (الذي دعا لرفع الإنفاق إلى 5 بالمئة) قد تضع تماسك الحلف على المحك، وتدفع الأوروبيين نحو تسريع مشاريع "الاستقلال الدفاعي"، ما يعني ضغوطًا اقتصادية إضافية لتأمين المتطلبات العسكرية.

ثالثًا: التجارة وخطر الرسوم الجمركية

مع عودته إلى شعار "أميركا أولًا"، تتخوف بروكسل من سلاح الرسوم الجمركية الذي يستخدمه ترامب . الرسوم تشكل خطرًا مباشرًا على الاقتصادين الألماني والفرنسي – القلب النابض للاقتصاد الأوروبي – بصفة خاصة، وتزيد من هشاشة اقتصادات دول أوروبا الأضعف.

الخيارات الأوروبية المطروحة

ويُبرز الخفاجي مجموعة الخيارات الأوروبية المطروحة، على النحو التالي:

عسكريًا: يُعد خيار تعزيز المظلة الدفاعية الأوروبية وتفعيل قوة التدخل السريع من أبرز المسارات التي يعمل الاتحاد الأوروبي عليها بخطوات عملية ومدروسة. سياسيًا: يتجه الاتحاد نحو توسيع نفوذه الدبلوماسي عبر بناء تحالفات أوثق مع كندا، واليابان، والهند، في محاولة لموازنة الفراغ المحتمل الذي قد تتركه واشنطن. اقتصاديًا: يركز الاتحاد على دعم السوق الداخلية، وتوقيع اتفاقيات تجارية بديلة، وتعزيز التعاون مع الصين ضمن حدود الحذر الاستراتيجي، لتقليل تأثير الضربات الاقتصادية المتوقعة من عودة ترامب إلى البيت الأبيض.

فرص أوروبية

فيما يخص ملف أوكرانيا، يشير تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" إلى أن الدول الأوروبية تشعر بتفاؤل متزايد بشأن قدرتها على دعم أوكرانيا ماليا وعسكريا ضد روسيا حتى لو قرر الرئيس ترامب غسل يديه من الصراع، كما يهدد في كثير من الأحيان، وركز بدلا من ذلك على تطبيع العلاقات مع موسكو.

لكن حتى مع بذلهم قصارى جهدهم، لا يستطيع الأوروبيون تعويض كل ما تقدمه الولايات المتحدة لأوكرانيا - والأهم من ذلك، المعلومات الاستخباراتية الآنية عن القوات الروسية، والصواريخ القادمة، وكيفية ومكان استهداف العدو. تعتمد قدرة أوكرانيا على القتال بفعالية إلى حد كبير على تلك المعلومات الاستخباراتية الأمريكية.

ونقل التقرير عن الأمين العام المساعد السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، كاميل جراند، قوله "الأوكرانيون لا يريدون قطع هذا الدعم مهما كلف الأمر". وأضاف أن الاستخبارات الأميركية متطورة للغاية لدرجة أنها تُخبر الجيش الأوكراني بمواقع مقرات الألوية الروسية، وأين يجب توجيه الصواريخ، وأين يجب توجيه الدفاعات الجوية ضد الصواريخ القادمة.

تهديدات متصلة

الباحث في العلاقات الاقتصادية والسياسية، أبو بكر الديب، يقول في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن  أوروبا تجد نفسها اليوم أمام تهديد ثلاثي حاد مصدره البيت الأبيض، حيث يلوّح دونالد ترامب  بعودة زلزال أشد وقعًا. في تهديد يتجسد في ثلاثة ملفات تمسّ صميم الأمن والاستقرار والاقتصاد في القارة العجوز: دعم أوكرانيا، مستقبل حلف الناتو، والعلاقات التجارية مع الولايات المتحدة.

في الملف الأوكراني، تتصاعد مخاوف أوروبا من تراجع كبير في الدعم الأميركي لكييف، خاصة في ظل تصريحات ترامب المتكررة التي يؤكد فيها قدرته على "إنهاء الحرب"، وهو ما يُفهم ضمنًا كاستعداد للضغط على أوكرانيا لتقديم تنازلات لروسيا، وربما وقف الدعم العسكري الأميركي تمامًا. سيناريو كهذا يضع أوروبا في مواجهة مفتوحة مع موسكو دون غطاء واشنطن.

لذلك، تسارع عدة عواصم أوروبية إلى تعزيز دعمها المالي والعسكري لأوكرانيا بشكل مستقل، مع نقاشات جادة حول إنشاء صندوق تمويلي دائم للدعم، وتجهيز خطوط إنتاج أوروبية للسلاح بهدف تقليل الاعتماد على الصناعات الدفاعية الأميركية. وفي هذا السياق، تسعى فرنسا وألمانيا وبولندا إلى قيادة جبهة أوروبية موحّدة تخاطب الإدارة الأميركية المقبلة بلغة واحدة وموقف موحد.

ويضيف الديب: أما في ملف حلف شمال الأطلسي، تبدو المخاوف الأوروبية أعمق. فترامب سبق أن وصف الناتو بـ"العبء" على الولايات المتحدة، ولوّح أكثر من مرة بالانسحاب أو بعدم الالتزام ببند الدفاع المشترك، ما لم ترفع الدول الأوروبية مساهماتها المالية.

وردًا على ذلك، تتجه عدة دول أوروبية نحو رفع إنفاقها الدفاعي إلى ما يتجاوز 2 بالمئة من الناتج المحلي، كما تتعزز الأصوات الداعية إلى بناء قدرة عسكرية أوروبية مستقلة، من خلال مبادرات الدفاع المشترك، وتوسيع قدرات التدخل السريع، وتعزيز التنسيق مع بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد، بالإضافة إلى بناء شراكات أمنية جديدة مع دول مثل كندا واليابان.

وأما في الملف التجاري، يقول الديب إن أوروبا تخشى أوروبا من السياسات الحمائية الأميركية، وفرض رسوم جمركية جديدة على المنتجات الأوروبية، لاسيما السيارات الألمانية والسلع الفرنسية، ما ينذر بحرب تجارية جديدة,

استعدادًا لذلك، تُعدّ المفوضية الأوروبية حزمة إجراءات مضادة تشمل رفع الرسوم على الواردات الأميركية، وتقديم دعم مباشر للقطاعات المتضررة، إلى جانب جهود حثيثة لتوسيع الشراكات التجارية عالميًا، مع الصين والهند وأميركا الجنوبية، بهدف تقليص التبعية للسوق الأميركية.

ويلفت الديب إلى أن أوروبا تقف اليوم أمام لحظة مفصلية في تاريخها: فإما أن تتحول إلى قوة مستقلة قادرة على حماية أمنها ومصالحها، وإما أن تظل رهينة لتقلبات السياسة في واشنطن. الخيارات متاحة، لكنها تتطلب قيادة جريئة، ورؤية موحدة، وتضامنًا حقيقيًا بين عواصم القارة. وإلا، فإن زلزال ترامب الثاني قد يعيد خلط كل الأوراق من جديد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق