نحو نظام صحي أكثر كفاءة واستدامة ! - هرم مصر

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
لقد كشفت جائحة كوفيد-19 بما لا يدع مجالاً للشك أن الأمن الصحي يتصدر سلّم الأولويات الوطنية. حتى الحكومات التي لم تكن تضعه ضمن اعتبارات السيادة أو خطط التنمية اضطرت إلى إعادة النظر في استراتيجياتها، مدركةً أن الاستقرار الصحي هو أساس الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. فقد غيّرت الجائحة معادلة صنع القرار، وجعلت من الصحة العامة قضية أمن قومي لا تقل أهمية عن الأمن الغذائي أو العسكري.

المؤكد أن الأمن الصحي حق أصيل يتقدم به المواطن على غيره، فهو الحصن الأول للدولة، وعليه تقوم ركائز الاستقرار والتنمية. وقد أدركت الدول، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، أن حماية صحة المواطن ليست فقط مسؤولية أخلاقية، بل أولوية استراتيجية. فالمواطن هو النواة التي تدور حولها منظومة الأمن الصحي، وكل ما يُبنى لاحقاً من رعاية للمقيمين والزوار، إنما يُبنى على أساس متين من الطمأنينة التي يُمنحها المواطن أولاً.

في الوقت الذي تولي فيه المملكة العربية السعودية صحة الإنسان أهمية قصوى دون تمييز، فإن الواقع يشير إلى وجود أكثر من ثلاثة ملايين عامل منزلي يتمتعون بالخدمات الصحية مجاناً، أسوة بالمواطنين. ورغم أن هذا التوجه الإنساني يعكس التزام الدولة بالقيم الأخلاقية والحقوقية، إلا أنه يشكل عبئاً كبيراً على القطاع الصحي، ويثقل كاهل الميزانية العامة، لا سيما في ظل تحديات النمو السكاني وضغوط الطلب على الخدمات الصحية عالية الجودة. وقد بات من الضروري إعادة النظر في نماذج تمويل الرعاية الصحية للعمالة المنزلية، بما يوازن بين البعد الإنساني والعدالة الاقتصادية، ويضمن استدامة النظام الصحي الوطني.

أخبار ذات صلة

 

في ظل التزايد المستمر في أعداد العمالة المنزلية في المملكة؛ التي تجاوزت حاجز الثلاثة ملايين عامل وعاملة، وتقديم خدمات صحية مجانية لهم على مدار السنوات الماضية، أصبح من المُلح إعادة هيكلة منظومة الرعاية الصحية المقدّمة لهذه الفئة، بما يحقق التوازن بين العدالة الإنسانية والاستدامة الاقتصادية. إدراج بوليصة تأمين طبي إلزامية للعمالة المنزلية ضمن رسوم الاستقدام، يتحمّلها المستقدم (صاحب العمل) بشكل مباشر، أسوة بما هو معمول به في أنظمة التأمين الإلزامي للوافدين في قطاعات الأعمال.

يهدف هذا المقترح إلى تحقيق جملة من الأهداف الاستراتيجية، في مقدمتها تخفيف العبء المالي عن ميزانية الدولة والحد من الضغط المتزايد على مرافق الرعاية الصحية الحكومية، مما يُسهم في رفع كفاءة وجودة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين على حد سواء. كما يتيح إشراك شركات التأمين المرخصة في تغطية فئة واسعة من المقيمين غير المشمولين سابقاً، بما يعزز دور القطاع الخاص في منظومة التأمين الصحي. إلى جانب ذلك، يُسهم إدراج التأمين الطبي ضمن رسوم الاستقدام في تحقيق العدالة التنظيمية بين فئات العمالة، ويحد من ازدواجية الأنظمة الصحية. وبتقليل الاعتماد على المستشفيات الحكومية في الخدمات الأساسية للعمالة المنزلية، يُمكن توجيه الموارد الحكومية نحو الفئات الأكثر حاجة للخدمة الصحية والدعم المباشر.

ويمثل هذا التوجه انسجاماً تاماً مع مستهدفات رؤية المملكة 2030؛ التي تسعى إلى بناء نظام صحي أكثر كفاءة واستدامة، يقوم على تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد، ورفع جودة الحياة لكل من يعيش على أرض المملكة. كما يتماشى المقترح مع أهداف برنامج تحول القطاع الصحي، الذي يركز على تمكين التأمين الصحي كرافد رئيس في تمويل الخدمات، وتقليل الاعتماد على التمويل الحكومي المباشر. ومن هذا المنطلق، فإن إدراج التأمين الطبي للعمالة المنزلية ضمن رسوم الاستقدام لا يُعدّ حلاً مالياً فحسب، بل خياراً استراتيجياً يدعم استدامة النظام الصحي ويعزز كفاءة الإنفاق العام، مع الحفاظ على البعد الإنساني والرعاية الشاملة لجميع فئات المجتمع.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق