انفجار يلوح في الأفق| علماء يحذرون من استيقاظ الثقب الأسود - هرم مصر

صدي البلد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في قلب مجرة درب التبانة، يرقد وحش كوني صامت، عملاق لا يرى بالعين المجرّدة لكنه يتحكم في مصير المجرة بأكملها. إنه الثقب الأسود الهائل المعروف باسم القوس A*، الذي تفوق كتلته 4.3 مليون مرة كتلة الشمس، ويمتد قطره إلى نحو 24 مليون كيلومتر.
هذا الكائن الكوني في حالة سبات الآن، لكن العلماء يتوقعون أن استيقاظه أمر لا مفر منه، وربما يكون موعد انفجاره بعد 2.4 مليار سنة، حينها قد يشهد كوكب الأرض مصيرًا مروّعًا أو ينجو بفارق المسافة.

ثقب أسود في سبات مؤقت

الثقوب السوداء فائقة الكتلة تتحول إلى وحوش نشطة عندما تبدأ في ابتلاع كميات هائلة من الغاز والغبار المحيط بها. لكن القوس A*، ورغم ضخامته، يعيش اليوم حالة خمول، فلا يتغذى إلا على كميات ضئيلة من المادة بالكاد تذكر.
توضح البروفيسورة كريستين دون من جامعة دورهام أن السبب في سباته يعود إلى نقص المادة المتدفقة إليه، إذ إن الكمية الحالية لا تكفي لتنشيطه. لكنها تحذر: "إذا حصل الثقب الأسود فجأة على وجبة كونية ضخمة، فقد يستيقظ على نحو كارثي".

حد إيدينغتون.. شهية لا تُشبع

لكل ثقب أسود قدرة قصوى على ابتلاع المادة، تعرف بـ حد إيدينغتون. وكلما كان الثقب أكبر، زادت قدرته على التهام الغاز والغبار. لكن القوس A* يستهلك أقل بكثير من قدرته الحقيقية.
غير أن أي تغير مفاجئ كإلقاء كميات هائلة من الغبار الكوني في فوهته – قد يدفعه إلى نشاط هائل، مطلقًا تدفقات طاقة إشعاعية هائلة عبر المجرة.

الاصطدام المنتظر مع سحابة ماجلان الكبرى

يرى العلماء أن هذا السيناريو قد يتحقق عندما تصطدم مجرتنا بعد 2.4 مليار سنة مع جارتها القريبة، السحابة الكبرى ماجلان (LMC)، التي تقع الآن على بعد 200 ألف سنة ضوئية فقط.
رغم صغر كتلة ماجلان مقارنة بدرب التبانة، فإن هذا التصادم سيغير شكل المجرة كليًا. ويؤكد البروفيسور كارلوس فرينك من جامعة دورهام أن عدم الاستقرار الناجم عن الاندماج سيدفع كميات ضخمة من الغاز نحو مركز المجرة، أي نحو القوس A*.
عندها، قد يتغذى الثقب الأسود بكم هائل من المادة يجعله يتضاعف إلى ثمانية أضعاف حجمه الحالي، ويدخل في فترة طويلة من النشاط المشتعل.

ماذا عن الأرض؟

أكثر ما يشغل العلماء: هل يمكن أن يهدد نشاط القوس A* كوكبنا مباشرة؟
في أسوأ سيناريو، قد يطلق الثقب الأسود نفاثات كونية عنيفة تكفي لتدمير طبقة الأوزون وإحداث انقراضات جماعية. لكن الخبراء يطمئنون: هذا ليس مرجحًا مع اندماج مجرتنا بماجلان، لأن الطاقة الناتجة لن تكون بالقدر الكافي لتهديد الأرض.

المسافة سلاحنا السري

يبعد القوس A* عن الأرض نحو 26 ألف سنة ضوئية، وهي مسافة تبدو صغيرة بمقياس المجرة لكنها هائلة لحماية كوكبنا.
يشرح الدكتور جوزيف ميشيل من مركز هارفرد-سمثسونيان للفيزياء الفلكية: "الإشعاع المنبعث سيصل ضعيفًا للغاية بسبب هذه المسافة، كما أن الغاز والغبار المحيطين بقرص المجرة سيعملان كدرع طبيعي يصد معظم الأشعة الخطرة".
بعبارة أخرى، قد لا يكون الخطر المباشر على البشر من الثقب الأسود، بل من مصادر أقرب مثل التوهجات الشمسية أو انفجارات النجوم العملاقة المجاورة.

آثار مدمرة على مجرة درب التبانة

حتى إن بقيت الأرض آمنة نسبيًا، فإن استيقاظ القوس A* لن يمر دون أثر على مجرتنا. فالبروفيسورة كريستين دون تكشف أن الثقوب السوداء قادرة على توليد رياح كونية هائلة. هذه الرياح تدفع المادة بعيدًا وتعيد تشكيل مسار تشكل النجوم.
وقد حدث هذا بالفعل قبل ملايين السنين، حين أطلق القوس A* انفجارًا قوياً أنتج ما يعرف اليوم بـ فقاعات فيرمي، وهي غيوم هائلة من الطاقة تمتد 25 ألف سنة ضوئية فوق وتحت مستوى المجرة.
هذه الفقاعات غيّرت عملية ولادة النجوم في مناطق واسعة، فأبطأتها في بعض الأجزاء، بينما عجّلتها في مناطق أخرى عبر ضغط الغبار الكوني.

علاقة متبادلة بين المجرات وثقوبها السوداء

يؤكد العلماء أن نمو المجرات مرتبط بشكل وثيق بثقوبها السوداء المركزية. فكلما زادت كتلة الثقب، انعكس ذلك على مسار تشكل النجوم وتوزيع الغاز عبر المجرة.
تقول البروفيسورة دون: "بدأنا ندرك أن تطور المجرات ليس عشوائيًا، بل يتأثر بشكل كبير بسلوك الثقب الأسود في قلبها".
بمعنى آخر، القوس A* ليس مجرد كائن كوني منعزل، بل هو أشبه بقلب نابض يتحكم في حياة المجرة كلها.

مصير أبعد.. نحو أندروميدا

ورغم أن الاصطدام مع سحابة ماجلان الكبرى سيشعل القوس A* مؤقتًا، فإن المصير الأكبر ينتظر بعد 4 إلى 5 مليارات سنة، حين تصطدم مجرتنا بمجرة أندروميدا العملاقة. هذا الحدث سيكون أكثر عنفًا، وقد يعيد رسم مشهد الكون بالكامل بالنسبة لمجرتنا.

 

القوس A* اليوم نائم، لكن نومه ليس أبديًا. فالتغيرات الكونية الكبرى كتصادم المجرات ستوقظه يومًا ما. ورغم أن الأرض قد تبقى آمنة بفضل المسافة والدرع الكوني المحيط بنا، فإن استيقاظ هذا الوحش سيترك بصمته على شكل مجرتنا ومستقبلها.
إنه تذكير بأن الكون أكبر من كل مخاوفنا الأرضية، وأن مصير الكواكب والنجوم قد يتحدد بقرار "شهية" ثقب أسود في لحظة ما.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق