رام الله- إنه ظلام السجن الحالك يمتزج بظلم السجان واستبداده وغيرهما من أصناف العذاب والمعاناة، كلها تجتمع على الأسيرات الفلسطينيات في مكان واحد تسود فيه سادية المحتل المتلذذ بإيقاع الألم، وتغيب فيها الحقوق وكل القوانين.
في سجون الاحتلال تتعرض الأسيرات لانتهاكات مبرمجة تستبيح كل قيمهن الاجتماعية والدينية، تروي أسيرة محررة للجزيرة نت، كيف تعرضت هي وزميلاتها لموجات يومية من السباب والشتائم المقذعة، وكيف تركن في ساحة السجن مقيدات تدور حولهن مجموعات من الكلاب البوليسية المتوحشة، في انتهاك واضح لإنسانيتهن.
تصف الأسيرة بكاء الأسيرات خلال جولات القمع التي ينفذها زبانية السجن، وتتابع بألم "كانت الأصغر تقدم الأكبر سنا لتنام على البرش (سرير مصنوع غالبا من القماش أو البلاستيك المشدود على إطار خشبي أو معدني)، بينما تنام هي على الأرض في غرف مكتظة. وكنت أبكي حين أوصي الأسيرات الأصغر مني كيف يدخرن قليل الطعام ليأكلنه حين يشعرن بالجوع، يتألم قلبي حين نخبئ قليلا من اللبن لمجموعة من الأسيرات".

سجن الدامون مثالا
في مطلع هذا الشهر، أصدر نادي الأسير الفلسطيني إحاطةً قال فيها، إن شهر أغسطس/آب المنصرم كان الشهر الأقسى والأكثر قمعا على الأسيرات منذ بداية العام، وقد شهد جولات من القمع الشديد مع استمرار سياسة التضييق اليومية.
وفي سجن الدامون كمثال على سياسة القمع، لم يسمح لنحو 50 أسيرة بلقاء أي محام، رغم كل المحاولات التي بذلها النادي في سبيل ذلك، ويشير المدير العام لنادي الأسير الفلسطيني أمجد النجار إلى أن الانتهاكات في هذا السجن هي الأسوأ من بين السجون.
وقال إن الأسيرات يتعرضن فيه للاعتداءات الجسدية والنفسية بشكل ممنهج، ضربا وعزلا وتعمدا في الإهانة، عدا عن الحرمان من الزيارة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
إعلان
ويشدد المسؤول الحقوقي على أن هذه الاعتداءات تمثل جريمة مكتملة الأركان بحق الأسيرات، وهي تأتي في إطار سياسة "الانتقام الجماعي" التي ينتهجها الاحتلال بحق الأسرى والأسيرات.
شهادات من السجن
في رسالتها التي نشرها مكتب إعلام الأسرى نهاية الشهر الماضي تقول الأسيرة سيرين الصعيدي من قرية بيت ليد قضاء طولكرم "يبدأ رئيس القسم جولاته الصاخبة منذ الفجر، يتنقّل بين الغرف بالسباب والصراخ، وتنتهي جولة التفتيش بحلول التاسعة صباحا، بينما تعيش الأسيرات تحت وطأة القمع المتكرر والتفتيش العاري الذي طال إحدى الغرف قبل أيام قليلة".
وتضيف أن السجن مكتظ بالحشرات والصراصير، في ظل غياب الملابس والأغراض الأساسية التي يفترض أن تتوافر للأسيرات.
أما شهادة الأسيرة شهد حسن والتي نشرها مكتب إعلام الأسرى، جاء فيها "الرطوبة في الغرف قاتلة، الأكل قليل جدا، الملابس شحيحة، والاستحمام لا يتم إلا كل يومين في انتظار أن تجف الملابس الوحيدة التي تمتلكها. نفس الملابس من يوم ما دخلنا السجن".
وتفيد الشهادات المنشورة عبر مكتب إعلام الأسرى، والموثقة لدى نادي الأسير، أن سياسة العقاب التي تنتهجها إدارة سجن الدامون بحق الأسيرات شرسة على نحوٍ متصاعد منذ بداية الإبادة، إلى الحد الذي تعرضت فيه أم وابنتها للقمع لمجرد سلامهما على بعضهما بعضا خلال فترة "الفورة" (الاستراحة).
وتفيد الشهادات أن إدارة السجن ترفض بشكل قاطع أن تجمع الأم دلال الحلبي بابنتها إسلام شولي في غرفة واحدة.

تحت المراقبة
وإمعانا في انتهاك خصوصيتهن، فقد فرضت إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وجود الكاميرات في بعض الغرف، خصوصا تلك التي تعتقل فيها الفتيات القاصرات، وهو الأمر الذي لم تتراجع إدارة السجن عنه إلا بعد عدة جولات من المحاكم.
وفي هذا الصدد يقول المحامي حسن عبادي، إنه رصد خلال زياراته سجن الدامون شكاوى الأسيرات من هذا الأمر، حيث أبلغنه أن الكاميرات موجودة في كل مكان بما فيها العيادة الطبية التي يزرنها بشقّ الأنفس، دون أي مراعاة لظروفهن الصحية.
وقال عبادي في حديثه للجزيرة نت، إن الوضع في الدامون هو الأسوأ على الإطلاق، "فالأسيرات يخسرن من أوزانهن عشرات الكيلوغرامات، ويفتقدن أشياء يومية عادية هي أبسط حقوقهن، على سبيل المثال فرشاة الشعر، ويفتقدن وجبة طعام مكتملة وطازجة، ومعزولات تماما عن العالم، لا راديو ولا تلفزيون ولا زيارات ولا أي طريقة تواصل، وحين أذهب لزيارتهن يخبرنني: أستاذ بنحس إننا منسيات".
ويضيف عبادي أن ضباط السجن يتعمدون استفزاز الأسيرات من خلال وصمهن بألفاظ خادشة للحياء، وخوض حوارات تنتهك قيمهن الأخلاقية، وسب الذات الإلهية أمامهن لاستفزازهن، دون أي احترام لكرامتهن ومعتقداتهن.
تهديد الشهود
منذ بداية الإبادة في قطاع غزة، اتخذت المحاكم الإسرائيلية منحى جديدا في قمع الأسيرات الفلسطينيات يتمثل بوضع شروط عليهن، تجبرهن على عدم استخدام الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي، وتهددهن في حال تحدثن إلى وسائل الإعلام، وفي هذا وجه قهرٍ إضافي لا يتمثل فقط في عزل الأسيرات، بل وفي التعتيم على ما يحصل داخل السجون وإسكات الشهود تحت سوط التهديد.
إعلان
يوضح نادي الأسير أنّ المؤسسات الحقوقية وثّقت خلال الفترة الماضية انتهاكات غير مسبوقة بحقّ الأسيرات، تبدأ منذ لحظة الاعتقال مرورا بفترة التحقيق، ثم نقلهنّ إلى سجن "هشارون" كمحطة مؤقتة، وصولا إلى احتجازهنّ في "الدامون".
تُحرم الأسيرات من أطفالهنّ وعائلاتهنّ بفعل سياسة المنع من الزيارة المفروضة منذ بدء الإبادة، الأمر الذي فاقم معاناتهنّ النفسية، في وقت تحتاج فيه العديد منهنّ إلى رعاية صحية خاصة.

حظر مؤسسات الأسرى
ويأتي هذا المستوى من القمع بحق الأسيرات في ظل تقييد عمل المؤسسات في الضفة الغربية والتي تناصرهن وتعمل على النضال حقوقيا لتحسين ظروفهن وهو ما تجلى أخيرا في إغلاق مكتب مؤسسة الضمير وحظر كافة المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي التابعة لها على خلفية إقرار الاحتلال لها بوصفها مؤسسة إرهابية.
وقالت مديرة وحدة التوثيق في نادي الأسير أماني سراحنة للجزيرة نت، إن ظروف القمع التي تبدأ من لحظة الاعتقال وحتى لحظة الإفراج بحق الأسيرات، تزيد من قلق ذويهن وتخوفاتهم، وتخلف آثارا نفسية عميقة وطويلة الأمد على هؤلاء الأسيرات ما يتطلب جهدا مؤسساتيا ومجتمعيا لاحتواء هذه الآثار والتخفيف من حدتها.
ويبين نادي الأسير في بيانه، أنّ استهداف النساء بذريعة "التحريض" على مواقع التواصل تحوّل إلى أبرز القضايا التي صعّد الاحتلال ممارساته بشأنها منذ بدء الإبادة، وجرى استهداف مختلف فئات المجتمع الفلسطيني بهذا الادعاء الفضفاض.
ويسعى الاحتلال من ذلك إلى توسيع الاعتقالات وفرض مزيد من الرقابة والسيطرة، وهو ما يعد شكلا آخر من الاعتقال الإداري.
0 تعليق