أسواق السندات العالمية تحت الضغط.. ما القصة؟ - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتحرك الأسواق على إيقاع التوترات السياسية والمالية، ما يجعل السندات السيادية في قلب المشهد العالمي، وسط مخاوف من اتساع فجوة العجز وارتفاع كلفة الاقتراض.

تتصاعد هذه المخاوف مع تداخل العوامل الاقتصادية والسياسية؛ من قرارات البنوك المركزية إلى الانقسامات داخل الحكومات، وصولاً إلى التغيرات في السياسات التجارية. كل ذلك يضع المستثمرين أمام معادلة صعبة بين البحث عن العوائد وحماية محافظهم من المخاطر.

في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إلى أن الضغوط التي تواجهها أسواق السندات السيادية تتواصل في الوقت الذي تواجه فيه العديد من الاقتصادات الكبرى تحدياً مزدوجاً يتمثل في إدارة الديون الضخمة ومحاولة تعزيز النمو دون إثارة التضخم.

وقد تجددت المخاوف بشأن العجز في الولايات المتحدة هذا الأسبوع بعد أن قضت محكمة الاستئناف في وقت متأخر من يوم الجمعة بأن معظم الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب غير قانونية، مما يهدد مئات المليارات من الدولارات من الإيرادات الحكومية المحتملة.

وينقل التقرير عن رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي للأسواق الناشئة في باركليز، ميتول كوتيشا، قوله: "إنها عاصفة شبه كاملة من المخاوف بشأن تحول السياسات المالية الحالية إلى سياسات تضخمية، واحتمال زيادة الإصدارات العالمية وعدم كفاية الطلب".

وظلت السندات الحكومية العالمية تحت الضغط يوم الأربعاء؛ مع هيمنة مخاوف المستثمرين بشأن تراكم الديون المتزايدة على التداول.

تأتي تلك التحركات أيضاً في أعقاب ما شهدته المملكة المتحدة، حيث ارتفعت العائدات على السندات الحكومية لأجل 30 عاما إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1998 يوم الثلاثاء.

وكذلك في فرنسا، حيث ارتفعت العائدات على السندات لأجل 10 سنوات إلى 3.58 بالمئة وسط مخاوف من أن الأزمة المتعلقة بالعجز في الميزانية قد تؤدي إلى الإطاحة بحكومة رئيس الوزراء فرانسوا بايرو.

وقالت كبيرة الاقتصاديين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى بنك ناتيكسيس الفرنسي، أليسيا جارسيا هيريرو: "أصبحت الأصول السيادية أكثر خطورة لأن هناك عددا أقل من الحواجز التي تحمي السياسيين، وهم بحاجة إلى زيادة عجز الموازنة وخفض أسعار الفائدة".

وفي اليابان، يخشى المستثمرون من أن رئيس الوزراء قد يضطر قريبا إلى التنحي عن منصبه في أعقاب مراجعة خسائر حزبه الحاكم الليبرالي الديمقراطي في انتخابات مجلس الشيوخ في يوليو.

وقال متعاملون في طوكيو إن الإطاحة المحتملة بإيشيبا تثير احتمال ظهور رئيس وزراء جديد يحمل أجندة شعبوية أكثر صراحة، بما في ذلك خطط لزيادة الإنفاق الحكومي، وفق التقرير.

الرسوم الجمركية

يقول  المدير التنفيذي لشركة V I Markets، أحمد معطي، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

"تشهد السندات الأميركية موجة بيع قوية في الفترة الحالية، ويعود ذلك بالأساس إلى تصاعد حالة المخاوف عالمياً". هناك عدة عوامل تقف وراء هذه الموجة، أبرزها استمرار مشكلة الرسوم الجمركية وتفاقم العجز التجاري الأميركي، ما يعطي إشارة إلى أن هذا العجز مرشح للزيادة مستقبلاً، على الرغم من أن فرض الرسوم كان الهدف منه معالجة هذا العجز، لكنه في الواقع زاد بدلاً من أن ينخفض، وهو ما يثير قلق الأسواق العالمية. هذه الموجة من البيع تأتي بالتزامن مع اجتماعات تشهد تقارباً ملحوظاً بين قوى اقتصادية كبرى مثل الهند وروسيا والصين وكوريا الشمالية، وهو ما اعتبرته الإدارة الأميركية محاولة لمواجهة نفوذها. وقد ظهر ذلك جلياً في تصريحات الرئيس الأميركي التي عبر فيها عن استيائه من هذا التقارب، ما عزز المخاوف من تصاعد توترات اقتصادية خلال الفترة المقبلة.

ويوضح أن قرار الفيدرالي الأميركي المرتقب بخفض أسعار الفائدة هذه المرة سيأتي على خلفية ضغوط على سوق العمل، وليس بسبب تراجع معدلات التضخم، وهو ما فاقم القلق في الأسواق، إذ إن ضعف سوق العمل يعني مزيداً من التحديات الاقتصادية.

يؤكد معطي أن كل هذه المعطيات دفعت المستثمرين إلى العزوف عن السندات الأميركية والتوجه بقوة نحو الذهب الذي صعد لمستويات قياسية، باعتباره الملاذ الآمن، كما عززت من حالة عدم الثقة بالدولار الأميركي.

ويستطرد: "من المهم التأكيد أن الضغوط لا تقتصر على السندات الأميركية فقط، بل تمتد إلى السندات الأوروبية والآسيوية أيضاً، ما يعكس حجم المخاوف العالمية في هذه المرحلة".

وينقل تقرير لشبكة "سي إن بي سي" الأميركية، عن كبير الاقتصاديين في بيل هانت، كالوم بيكرينغ، قوله إنه:

في حين لا توجد أزمة في سوق السندات، فإن السعر المرتفع الذي تدفعه الحكومات، إلى جانب أسعار الفائدة المرتفعة، يمثل مشكلة اقتصادية في جميع أنحاء العالم المتقدم. إن أسعار الفائدة المرتفعة تقيد خيارات السياسة، وتزاحم الاستثمار الخاص، وتتركنا نتساءل عما إذا كنا سنواجه نوبة من عدم الاستقرار المالي.

ويشير نائب كبير اقتصاديي الأسواق في كابيتال إيكونوميكس، جوناس جولترمان، إلى أنه:

يبدو أن هناك ثلاثة محركات متداخلة وراء التحرك العالمي نحو الارتفاع في العائدات طويلة الأجل: المخاوف المالية، والسياسة النقدية، وتأثيرات أقساط التأمين على المدى الطويل مثل ديناميكيات العرض والطلب. تواجه كلٌّ من المملكة المتحدة وفرنسا "حسابات ميزانية معقدة" تتطلب "مزيجاً من زيادات الضرائب وتخفيضات الإنفاق للحفاظ على استقرار المالية العامة ودعم أسواق السندات. في غضون ذلك، تشير ديناميكيات السوق إلى تذبذب الثقة في "قدرة البنوك المركزية واستعدادها للسيطرة على التضخم على المدى المتوسط.

عوامل رئيسية

يقول رئيس قسم الأسواق العالمية في شركة Cedra Markets، جو يرق، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن أسواق السندات العالمية شهدت خلال اليومين الماضيين موجة بيع ملحوظة؛ نتيجة عوامل مختلفة في كل منطقة، ولكنها اجتمعت على زيادة الضغوط.

وصل العائد، أو سعر الفائدة، على ديون الحكومة البريطانية لأجل 30 عاما إلى أعلى مستوى له منذ عام 1998، عند 5.723 بالمئة، مما يشير إلى أن المملكة المتحدة ستتكبد تكاليف أكبر للاقتراض من الأسواق. أما في أوروبا، فقد ارتفعت عوائد السندات الفرنسية وسط أجواء سياسية مشحونة واحتمال مواجهة الحكومة تصويتاً بحجب الثقة في البرلمان، ما زاد الضغوط قبيل مناقشة الموازنة في أكتوبر المقبل. وفي اليابان، قفزت عوائد السندات لأجل 30 عاماً إلى أعلى مستوياتها منذ عقود، مدفوعة بالتوترات السياسية مع تهديد المعارضة بالانسحاب من التصويت على الحزمة الضريبية، إضافة إلى ترقب الأسواق لاحتمال تشديد بنك اليابان لسياسته النقدية في ظل استمرار التضخم المرتفع. أما في الولايات المتحدة، فقد دفعت حالة عدم اليقين بشأن مستقبل الرسوم الجمركية، إلى جانب التوتر المتصاعد بين الرئيس ترامب والاحتياطي الفيدرالي، عوائد سندات الخزانة نحو أعلى مستوياتها منذ سنوات، لتزيد الضغوط على السوق الأميركية.

يوضح يرق أن العامل المشترك بين كل هذه التطورات هو الضبابية السياسية وعدم الاستقرار الاقتصادي، ما يعكس حجم المخاطر التي يواجهها المستثمرون في أسواق السندات، مضيفاً أن حاملي السندات – وغالبيتهم من المستثمرين المؤسسيين – يطلبون اليوم عوائد أعلى لتعويض هذه المخاطر، في ظل توقعات بارتفاع التضخم والفوائد على المدى الطويل.

ويشير أيضاً إلى أن شهر سبتمبر عادةً ما يشهد موجة كبيرة من إصدارات السندات بعد فترة هدوء نسبي في يوليو وأغسطس، وهو ما يزيد المعروض في الأسواق، ويضغط على الأسعار ويدفع العوائد للارتفاع.

أبرز الأسباب

يقول خبير أسواق المال، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن عمليات بيع السندات العالمية تفاقمت مؤخراً بفعل مجموعة من العوامل الاقتصادية والمالية المؤثرة على الأسواق الدولية.

ويوضح أن أولى هذه العوامل تتمثل في اتساع العجز المالي لدى  دول كبرى (..) حيث زاد الإنفاق الحكومي على البنية التحتية والإنفاق العسكري، ما يعني مزيداً من الاقتراض وارتفاع عوائد السندات لدعم تمويل هذا العجز.

ويلفت إلى أنه رغم قيام بعض البنوك المركزية بتخفيض أسعار الفائدة منذ منتصف 2024، إلا أن العوائد على السندات طويلة الأجل ارتفعت بعكس المتوقع، وهو ما يعكس ارتفاع العائد المطلوب من المستثمرين كتعويض عن مخاطر أعلى ناجمة عن استمرار الضغوط التضخمية وعدم اليقين الاقتصادي.

ويتابع سعيد: "هناك أيضاً ما يُعرف بـعدوى بيع السندات، حيث بدأت موجة البيع في السندات الأميركية وانتقلت إلى أسواق أخرى مثل اليابان وألمانيا وبريطانيا، مضيفاً أن حالة عدم اليقين بشأن استقلالية البنوك المركزية وتوجهاتها -خصوصاً الفيدرالي الأميركي - تزيد من الضغوط على الأسواق.

ويختتم سعيد تصريحه قائلاً: "تذبذبات المؤشرات الاقتصادية، سواء في التصنيع أو سوق العمل أو أسعار السلع، تعكس حالة عدم استقرار واضحة، ما يجعل المستثمرين أكثر حذراً تجاه المستقبل.. كما أن عمليات البيع المكثفة على السندات ترتبط بشكل أساسي بقلق المستثمرين من تزايد الدين الحكومي واستمرار الضغوط التضخمية، فضلاً عن غياب وضوح الرؤية بشأن السياسات المالية والنقدية، وهو ما يدفعهم للابتعاد عن السندات طويلة الأجل لصالح أصول أقل مخاطرة أو ذات عوائد مرتفعة على المدى القصير".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق