كيف يغير الذكاء الاصطناعي متطلبات التوظيف؟ - هرم مصر

سكاي نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشهد سوق العمل تغيرات ملحوظة مع صعود الذكاء الاصطناعي، حيث أصبح من بين أبرز المهارات التي يبحث عنها أصحاب العمل.

لم يعد اكتساب المعرفة الأساسية بالأدوات الرقمية كافياً، بل أصبح التركيز على القدرة على فهم واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في حل المشكلات واتخاذ القرارات جزءاً لا يتجزأ من متطلبات الوظائف الحديثة، إذ تتوقع الشركات من الموظفين الجدد أن يكونوا قادرين على التعامل مع أدوات التحليل التنبؤي، والتعلم الآلي، وبرامج الأتمتة الذكية بكفاءة.

ومع ذلك، لا تتساوى جميع الشركات في تعريفها لما يعني "إتقان الذكاء الاصطناعي". ففي الشركات التقنية الكبرى، يشمل هذا الإتقان القدرة على برمجة النماذج الذكية وتطويرها وتحليل البيانات المعقدة، بينما قد يكتفي القطاع الخدمي أو الإداري بفهم كيفية استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات اليومية وزيادة الإنتاجية. هذا التباين يوضح أن مصطلح الإتقان ليس موحدًا، ويجب على المرشحين فهم متطلبات كل وظيفة على حدة.

أصحاب العمل يشيرون إلى أن المهارات العملية أهم من الشهادات النظرية. القدرة على تطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي في مواقف حقيقية، مثل تحسين استراتيجيات التسويق، أو تحليل البيانات المالية، أو تعزيز تجربة العملاء، تُعد ميزة تنافسية. كما أن الفهم العميق لكيفية تأثير هذه التقنيات على الأعمال واتخاذ القرارات الاستراتيجية يعزز فرص المرشح في الحصول على وظائف مرموقة.

وبحسب تقرير لصحيفة "واشنطن بوست":

تضاعف ذكر مهارات الذكاء الاصطناعي في إعلانات وظائف لينكدإن ثلاث مرات تقريباً منذ العام الماضي، وهو مُدرج في توصيفات الوظائف التقنية كالمهندسين، وغير التقنية كالكتاب وخبراء استراتيجيات الأعمال والمساعدين الإداريين. وذكرت Indeed أن الوظائف التي تتضمن كلمات مفتاحية متعلقة بالذكاء الاصطناعي ارتفعت من 1.7 بالمئة إلى 2.9 بالمئة خلال العامين الماضيين. شملت أوصاف الوظائف غير التقنية التي شهدت أكبر زيادة في استخدام كلمات مفتاحية متعلقة بالذكاء الاصطناعي مدير المنتج، ومدير نجاح العملاء، ومحلل الأعمال.

عند البحث عن مهارات الذكاء الاصطناعي، يتبع أصحاب العمل مناهج مختلفة، بما في ذلك تحديد توقعات مهارات الذكاء الاصطناعي المقبولة والبحث عن مرشحين منفتحين ومهتمين بالذكاء الاصطناعي.

أظهر بحث سريع على لينكدإن وجود مهارات الذكاء الاصطناعي في أوصاف الوظائف لأدوار مثل كتّاب الإعلانات ومنشئي المحتوى، والمصممين ومديري الفنون، والمساعدين، وموظفي التسويق وتطوير الأعمال. وشمل البحث جهات عمل مثل تي-موبايل، وأميركان إكسبريس، ووينجزتوب، ورومز تو جو، وسترايب.

تحولات في سوق العمل

خبير التكنولوجيا، المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية، الدكتور أحمد بانافع، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إنه عندما يضع أصحاب العمل شرط "أن يكون الموظف ملماً بالذكاء الاصطناعي" فإنهم "لا يقصدون بالضرورة خبرة عميقة في تطوير الخوارزميات أو بناء النماذج، بل المقصود غالباً هو:

إجادة التعامل مع أدوات الذكاء الاصطناعي مثل منصات الكتابة التوليدية أو المساعدات البرمجية. امتلاك معرفة أساسية بكيفية عمل الذكاء الاصطناعي وما يترتب عليه من قيود ومخاطر مثل الأخطاء أو التحيز. القدرة على دمج الذكاء الاصطناعي في التخصص المهني، سواء في التسويق أو الطب أو التعليم أو الإدارة. التعاون مع الأنظمة الذكية بفعالية عبر طرح التعليمات بذكاء (prompting) وتدقيق المخرجات وتحويلها إلى قيمة عملية.

ويتحدث بانافع عن انعكاس ذلك على سوق العمل، مشيراً إلى أن كثيراً من المهن لن تختفي بل ستُعاد صياغتها، بحيث يعتمد المحامي أو المعلّم أو المحلل على الذكاء الاصطناعي كمساعد رئيسي.

ويضيف: "الموظف المطلوب اليوم هو من يجمع بين خبرته التخصصية ومعرفته بكيفية تسخير الذكاء الاصطناعي"، مشدداً على أن  من يتقن الذكاء الاصطناعي سيؤدي المهام بسرعة وكفاءة أكبر، ما يمنحه أفضلية واضحة في سوق التوظيف. بينما الذين يتجاهلون هذه المهارة قد يفقدون فرصهم، بينما من يتبنّاها سيصبح في موقع أقوى.

أما لجهة "التحولات على المدى الأوسع"، فيشير بانافع إلى عدد من تلك التحولات على النحو التالي:

تبدل دور الموظف: بدلاً من إنتاج العمل من الصفر، يصبح دوره الإشراف، المراجعة، والإبداع فوق ما يقدمه الذكاء الاصطناعي. ولادة وظائف جديدة: مثل مختص صياغة الأوامر (Prompt Engineer)، أو مراقب أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، أو مصمم بيئات عمل مشتركة بين البشر والآلة. تحول في التعليم والتدريب: المؤسسات التعليمية والشركات تضيف مقررات وبرامج تدريبية حول الذكاء الاصطناعي لكافة التخصصات. تغيير قواعد المنافسة: المؤسسات التي تتبنى الذكاء الاصطناعي بسرعة ستتمتع بميزة كبيرة، وقد تضطر الشركات الأخرى إلى اللحاق بها أو مواجهة التراجع.

ويختتم حديثه قائلاً: إن التعامل مع الذكاء الاصطناعي أصبح مثل تعلّم استخدام الإنترنت في بدايات الألفية.. مهارة أساسية لا يمكن تجاهلها للبقاء في دائرة المنافسة.

تأثيرات متفاوتة

يشير تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى أن تحوّل الذكاء الاصطناعي لا يؤثر على جميع قطاعات الاقتصاد بنفس الطريقة؛ ففي القطاعات الغنية بالبيانات "نشهد ما يُطلق عليه الاقتصاديون: "التدمير الخلاق" بسرعة هائلة، إذ تختفي الوظائف القديمة بين عشية وضحاها تقريباً بينما تظهر وظائف جديدة، لكن هذه الوظائف الجديدة غالباً ما تتطلب مهارات مختلفة تماماً.

على سبيل المثال، قد يتحوّل مركز خدمة العملاء الذي كان يُوظّف 500 شخص سابقاً إلى 50 متخصصاً في مراقبة الذكاء الاصطناعي يعملون من موقع واحد.

تواجه الصناعات التي تفتقر إلى البيانات تحدياً مختلفاً تماماً. إذ يتعين عليها التحول الرقمي للحفاظ على قدرتها التنافسية، إلا أن هذا يخلق احتكاكاً يومياً بين أحدث التقنيات والممارسات الراسخة.

ويحدث التحول ببطء، لكنه أعمق، إذ يُعيد هيكلة أقسام بأكملها بدلًا من مجرد استبدال أدوار فردية.

ويضيف التقرير:

تظهر وظائف جديدة، لكنها ليست تبادلات مباشرة. من المتوقع أن تستبدل 92 مليون وظيفة بحلول عام 2030، مع ظهور 170 مليون وظيفة جديدة. لكن هذه ليست تبادلات مباشرة في نفس المواقع مع نفس الأفراد. التحدي الحقيقي لا يقتصر على أعداد الوظائف؛ بل يتعلق بالفجوة بين اختفاء الوظائف وعودتها، بين المهارات التي يمتلكها العاملون والمهارات التي تتطلبها الأدوار الجديدة.

طلب متزايد

من جانبه، يقول خبير أسواق المال، العضو المنتدب لشركة أي دي تي للاستشارات والنظم التكنولوجية، محمد سعيد، لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية":

"أصبح الطلب المتزايد على المرشحين الملمين بالذكاء الاصطناعي مؤشراً واضحاً على حدوث تحول جذري في سوق العمل". هذا التحول لا يقتصر على طبيعة الوظائف فحسب، بل يمتد ليشمل الأفراد والمؤسسات والمجتمع ككل. الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية مساعدة، بل أصبح متطلباً أساسياً لدى أصحاب العمل، نظراً لما يحدثه من تغييرات عميقة في طبيعة الوظائف.

ويشير إلى أن الوظائف الروتينية والمتكررة المعتمدة على مهام بسيطة باتت مهددة بالاندثار نتيجة الأتمتة؛ مثل إدخال البيانات أو خدمات العملاء التقليدية، بينما تبرز في المقابل وظائف جديدة عالية التخصص مثل مهندسي التعلم الآلي، مطوري المحتوى الذكي، ومدربي الذكاء الاصطناعي، وهي وظائف لم تكن موجودة منذ سنوات قليلة.

كما أن العديد من المهن الحالية ستشهد تحولات جذرية، إذ سيُطلب من المحاسبين، المصممين، الأطباء وغيرهم توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي لتعزيز أدائهم وكفاءتهم. وهنا يمكن القول إننا أمام حالة مزدوجة: اختفاء وظائف تقليدية مقابل ظهور أخرى جديدة أكثر تعقيداً.

ويوضح سعيد أن الشركات تبحث عن مهارات الذكاء الاصطناعي لعدة أسباب رئيسية:

تعزيز الكفاءة عبر أتمتة المهام وتحليل البيانات وتخصيص الخدمات. تسريع الابتكار وتقليل التكاليف في ظل التحول الرقمي المتسارع. مواجهة نقص الكفاءات المتخصصة، حيث لا يلبي العرض الحالي الطلب المتنامي في هذا القطاع.

ويؤكد أن هذا الواقع الجديد يفرض على الأفراد امتلاك مهارات إبداعية وقدرات عالية على حل المشكلات والتكيف مع التكنولوجيا الحديثة، إلى جانب المهارات الإنسانية التي يصعب على الذكاء الاصطناعي تقليدها مثل التواصل والقيادة والالتزام الأخلاقي؛ فالعامل البشري لن يُلغى، بل سيُعاد تأهيله ليصبح قادراً على إدارة واستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بذكاء.

لكن التحديات لا تقل أهمية عن الفرص. فهناك فجوة مهارية قد تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، حيث يواجه أصحاب المهارات المنخفضة مخاطر البطالة، بينما يحصل المتخصصون في الذكاء الاصطناعي على رواتب أعلى. كما أن أنظمة التعليم التقليدية لا تواكب سرعة تطور هذه التقنيات، ما يستدعي تحديثاً مستمراً للمناهج. وإلى جانب ذلك تبرز الحاجة لتشريعات جديدة تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي وتضمن حماية العاملين من الاستبدال الآلي، وفق سعيد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق