تصاعد الجدل من جديد في الأوساط الكروية بتونس حول استفحال ظاهرة العنف في الملاعب وتجدد الاعتداءات على الحكام في دوري المحترفين بعد أيام قليلة من انطلاق موسم 2025-2026.
ولم تكد منافسات الدوري التونسي تبلغ جولتها الرابعة حتى عادت مظاهر العنف بقوة، مما أثار هواجس قوية لدى اتحاد الكرة وداخل الأندية، ومثّل بداية لأزمة حقيقية تهدّد استكمال الموسم الجديد في أجواء طبيعية.
وتسببت أحداث العنف في إيقاف مباراة النادي البنزرتي وضيفه الإفريقي الأسبوع الماضي، بعد تعرض الحكم المساعد مروان سعد إلى الإصابة بحجر على الرأس في الدقيقة 47 ليسقط أرضا بينما كانت الدماء تسيل بغزارة من رأسه.
اشتباكات خارج الملعب ومخاوف كبرى
وأمام المشاهد الصادمة التي أعقبتها مشاحنات بين جماهير النادي البنزرتي ورجال الشرطة، أعلن الحكم أمير لوصيف إيقاف المباراة بشكل نهائي، في وقت دخلت فيه سيارة الإسعاف أرض الملعب لنقل الحكم المساعد مروان سعد إلى المستشفى بعد خضوعه للإسعافات الأولية.
لم تكن أحداث العنف التي تسببت في إيقاف مباراة النادي البنزرتي والإفريقي سوى امتداد لظاهرة كثيرا ما أقضت مضجع السلطة، وشكلت هاجسا لاتحاد الكرة ولجنة الحكام والأندية على حد سواء.
وبعد توقف المباراة في بداية الشوط الثاني إثر إحراز الإفريقي هدفه الأول، استمرت أحداث العنف خارج ملعب "15 أكتوبر ببنزرت"، واندلعت مواجهات عنيفة بين مشجعي البنزرتي ورجال الشرطة في محيط الملعب.

أحداث العنف هذه تضع اتحاد الكرة والسلطات أمام تضاؤل فرص مراجعة القيود المفروضة على دخول الجماهير للملاعب وذلك للعام الـ14 تواليا تفاديا لاستفحال الفوضى ومظاهر التخريب.
وتفرض تونس منذ ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011 دخول مشجعي الفريق المستضيف فقط وبنسبة لا تتجاوز 50% من إجمالي طاقة استيعاب المدرجات مخافة حدوث أعمال تخريب واشتباكات بين جماهير الفريقين.
خطة عمل للتصدي لآفة العنف
وفي حين جاءت حادثة الاعتداء على الحكم المساعد لمباراة البنزرتي والإفريقي بمنزلة ناقوس الخطر حول استفحال العنف في الملاعب، أعلن الاتحاد التونسي للعبة عن تشكيل لجنة خاصة للتصدي للظاهرة، وذلك بالتنسيق مع السلطات الأمنية.
إعلان
وأفاد اتحاد الكرة -في بيان رسمي- بأنه "على إثر الأحداث الأخيرة التي شهدتها بعض مباريات دوري المحترفين، اجتمع السبت 30 أغسطس/آب 2025 بمقر وزارة الداخلية وفد عن الاتحاد مع عدد من القيادات الأمنية للتباحث حول الإجراءات العملية والتدابير الإدارية والميدانية لمقاومة ظاهرة العنف في الملاعب".

ووفقا لما أورده الاتحاد، تم تكوين لجنة مشتركة تتولى عاجلا إعداد خطة عمل للتصدي لهذه الآفة، حفاظا على سلامة الأشخاص والممتلكات والقضاء على مظاهر العنف داخل الملاعب.
وكانت لجنة الحكام واتحاد الكرة نشرا بيانا مشتركا استنكرا فيه الاعتداء الجسدي على الحكم المساعد مروان سعد، وشددت على مساندتها المطلقة للحكّام في أداء مهامهم النبيلة.
وطالبت لجنة الحكام والاتحاد الأندية بتحمل مسؤولياتها والعمل على تأطير جماهيرها وتوعيتها بخطورة مظاهر العنف.
عقوبات رادعة بانتظار اللاعبين
وخلال الموسم الماضي، شهدت منافسات الدوري ما يفوق 100 حالة عنف متفاوتة الدرجة، إما باقتحام أرض الملعب أو بالقيام بحركات وأعمال منافية للأخلاق من قبل اللاعبين والمدربين والمسؤولين أو الاعتداء بالعنف المادي واللفظي على الحكام وغيرها.
وتفرض رابطة الدوري عقوبات مالية تصل أقصاها إلى 20 ألف دينار (ما يقارب 7 آلاف دولار) في حالة حدوث أعمال شغب أو عنف على المدرجات، في حين تكون العقوبة باللعب 3 مباريات دون جمهور في حال إصابة حكم أو لاعب أو مدرب أو مسؤول أو في حال اقتحام أرض الملعب من قبل مشجعين وتوقف المباراة.
وشملت العقوبات المالية والإيقاف لمباراة أو أكثر عددا من اللاعبين بسبب ارتكابهم أحداث عنف أو أعمالا تسببت في مشاحنات على المدرجات أو في تخريب للتجهيزات.

وتعليقا على أحداث العنف التي طالت بعض مباريات الدوري، قال مدرب منتخب تونس سامي الطرابلسي للجزيرة نت إن "آفة العنف في الدوري تعد الهاجس الأكبر ليس فقط للاتحاد، وإنما أيضا للجهاز الفني للمنتخب، لأن وقف المباريات ستكون تداعياته وخيمة على جاهزية اللاعبين وأدائهم".
وعلى هامش المؤتمر الصحفي الذي عقده السبت الماضي، أجاب الطرابلسي عن سؤال الجزيرة نت حول استمرار ظاهرة العنف بالقول: "دون شك، لا يمكننا أن نطمئن لحسن سير الدوري في ضوء استمرار الظاهرة، نحن نرفض العنف ضد الحكام وضد أي عنصر في اللعبة واجتمعت بأكثر من لاعب في المنتخب للتحذير من السقوط في فخ ارتكاب أحداث عنف، لأن ذلك سيساوي فوريا الاستبعاد من المنتخب".
وشدد الطرابلسي على ضرورة أن يتحمل الجميع مسؤوليتهم للتصدي للعنف باعتبار أن المنتخب التونسي يحتاج إلى استمرار الدوري في ظروف عادية قبل المشاركة في أكثر من مسابقة خلال العام الجاري.
تشديد العقوبات.. هل هو الحل؟
من جانبه، قال الصحفي رضا خليفي للجزيرة نت إن "الأحداث التي جدت في ملعب بنزرت الأسبوع الماضي ناقوس خطر قوي ومخيف يفرض على الجميع العمل على التصدي للظاهرة والعمل على التهدئة".
إعلان
ويرى خليفي -وهو صحفي بإذاعة جوهرة إف إم- أن "رؤساء الأندية مطالبون بأن يكونوا مثالا في الدعوة لتفادي أعمال العنف وتوعية جماهيرهم"، وأضاف أن "اعتراف رئيس البنزرتي سمير يعقوب بعد مباراة الإفريقي -بأن ما أقدم عليه مشجعو ناديه من اعتداء على الحكم مرفوض- خطوة في الاتجاه الصحيح لمكافحة الظاهرة، لأن الحل يبدأ أولا من الإقرار بالخطأ وتوجيه رسائل إيجابية للجماهير".

وطالب خليفي بتشديد العقوبات على مرتكبي أحداث الشغب مع اعتماد سياسة عادلة في التعامل مع كل الأندية على قدم المساواة ودعوة الحكام في الوقت نفسه إلى العدالة والنزاهة في إدارة المباريات.
وترى بعض الأطراف أن التعامل الأمني المبالغ فيه مع الجماهير تسبب في اندلاع أحداث شغب وفوضى وفي خروج الأمور عن السيطرة في بعض المباريات.
وكان النادي البنزرتي استنكر الأحداث التي جدّت خلال مباراته ضد الإفريقي، قائلا إنه "يدين الاعتداء الهمجي الصادر عن أحد الأنفار تجاه الحكم المساعد، والتصرفات الفردية الشاذة لا تُمثّل قيم النادي ولا تُترجم تاريخ جماهيره العريقة"، وذلك في بيان رسمي.
وينتظر أن يعقد مكتب رابطة المحترفين الأسبوع الجاري اجتماعا حاسما لاتخاذ القرارات النهائية بشأن مباراة البنزرتي والإفريقي، في حين لا تستبعد مصادر خاصة معاقبة النادي بـ3 مباريات من دون حضور الجمهور واعتبار الإفريقي فائزا (2ـ0).
0 تعليق