شارك الباحث السعودي المستقل عبدالعزيز الكعبور في بعثة علمية دولية تحت إشراف منظمة NABU الألمانية (الاتحاد الألماني لحماية الطبيعة والتنوع البيولوجي)، لدراسة النمور الثلجية وطرائدها من الوعول والخراف البرية، في سلسلة جبال تين شان الشاهقة الواقعة في جمهورية قيرغيزستان.
وتُعد جبال تين شان واحدة من أعظم السلاسل الجبلية في العالم، إذ تحتل المرتبة السادسة عالميا من حيث الارتفاع، وتضم قمما شاهقة يتجاوز ارتفاعها 7000 متر عن سطح البحر، ما يجعلها بيئة بالغة القسوة لا تقطنها سوى قلة من الكائنات القادرة على التكيف، وعلى رأسها النمر الثلجي الذي يلقب بـ«شبح الجبال».
وضم الفريق نخبة من العلماء من ألمانيا، والمملكة المتحدة، وإيرلندا، والولايات المتحدة الأمريكية، الذين عملوا على مدار أسبوعين في بيئة قاسية، لرصد هذا النوع المهدد بالانقراض، والذي يُعد من أكثر الكائنات البرية صعوبة في التتبع.
تُعرف النمور الثلجية عالميا بلقب «أشباح الجبال»، نظرا لدهائها وصعوبة رصدها وقدرتها المذهلة على التخفّي في البيئات الجبلية القاسية، ما يجعل رؤيتها في الطبيعة حدثا نادرا للغاية. ويقدّر الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) أعدادها المتبقية بين 4,000 و6,500 نمر فقط، وهو ما يضعها ضمن فئة الأنواع المهددة بالانقراض.
تمثل النمور الثلجية أحد أهم المفترسات العلوية في الأنظمة البيئية الجبلية، إذ تلعب دورا جوهريا في تنظيم أعداد الفرائس مثل الوعول والخراف البرية، والحفاظ على صحة التوازن البيئي. فاختفاؤها يعني اختلال المنظومة الطبيعية بأكملها، وتهديد تنوع بيولوجي فريد لا يوجد إلا في هذه القمم النائية.
وأوضح الكعبور لـ«عكاظ» أن هذه المشاركة الميدانية جاءت بعد فترة طويلة من التحضير والتدريب، وقال: «كان من الشرف الكبير أن أكون جزءا من هذه البعثة الدولية، وأن أرفع راية السعودية في مهمة علمية هدفها حماية أحد أكثر المفترسات جمالا وغموضا على وجه الأرض. العمل في أعالي جبال تين شان كان مرهقا بدنيا وذهنيا، لكن كل خطوة في هذا الطريق كانت تستحق العناء».
وأضاف: «واجهنا تحديات جسيمة، من عبور أنهار جليدية تفقدك الإحساس بأطرافك، إلى تسلق مرتفعات ينخفض فيها الأكسجين إلى ما دون النصف مقارنة بمستوى سطح البحر، فضلا عن العواصف الثلجية والمطرية والرعدية المفاجئة».
وعن اللحظة الأبرز في رحلته، أشار الكعبور إلى أول صورة رُصد فيها نمر ثلجي عبر الكاميرات الفخّية: «كنت أبحث بين أكثر من 8000 صورة لم تسجّل سوى تساقط الثلوج، وفجأة ظهرت 3 صور مختلفة، إحداها تُظهر نمرا ثلجيا يعبر أمام الكاميرا. في تلك اللحظة قفزت من مقعدي فرحا، فالكاميرا التي استغرقت 12 ساعة من التسلق ومجهودا مضنيا في التركيب والبحث، كُللت بالنجاح بتوثيق واحد من أكثر القطط دهاء ومراوغة في العالم».
وأسفرت البعثة عن عدد من النتائج الأولية المهمة، أبرزها:
• مسح 30 موقعا بيئيا (Cells).
• تركيب 8 كاميرات فخّية جديدة، وصيانة 4 كاميرات قائمة.
• تسجيل 4 أحداث وجود نمر ثلجي عبر الكاميرات.
• جمع عينة براز يُشتبه بأنها تعود لنمر ثلجي لتحليلها وراثيا.
• رصد أنواع متعددة مثل: الثعالب، الوعول، ابن عرس، وطائر الثلج (Snowcock).
• تسجيل رؤية مباشرة لذئب بري، وتلقي معلومات عن وجود دب تين شان النادر.
• توثيق 7 أنواع مختلفة من الطيور.
• التحقق الكامل من صور جميع الكاميرات الفخّية.
وأكد الكعبور أن مشاركته كباحث سعودي مستقل في بعثة دولية بهذا الحجم تمثل حدثا ملهما، يعكس حضور المملكة في قضايا البيئة العالمية، مضيفا: «هذه التجربة ليست مجرد عمل علمي، بل رسالة واضحة بأن الباحثين السعوديين قادرون على خوض أصعب المهمات البيئية عالميا، والمساهمة الفاعلة في حماية الحياة الفطرية».
واختتم الكعبور حديثه قائلا: رؤية نمر ثلجي في قلب هذه القمم ليست مجرد إنجاز علمي، بل لحظة إنسانية عميقة تُذكّرنا بواجبنا في حماية هذه الكائنات النادرة وموائلها الطبيعية. لقد كان لي شرف أن أرفع اسم المملكة في بعثة دولية بهذا الحجم، وأتطلع أن تكون هذه التجربة نقطة انطلاق نحو انخراط أوسع في مشاريع علمية ذات أثر عالمي، ومزيد من التعاون الدولي في مجال حماية الحياة الفطرية، بما ينسجم مع رؤية السعودية 2030 الطامحة إلى مستقبل أكثر استدامة.
أخبار ذات صلة
0 تعليق