كتب محمد الجمل:
يتواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ويستمر الاحتلال في مذابحه وجرائمه دون توقف، بينما يشتد الحصار وتزيد تبعاته سوءاً.
"الأيام" نقلت مشاهد جديدة من قلب العدوان والحصار على قطاع غزة، أبرزها مشهد تحت عنوان: "مجزرة المساعدات"، ومشهد آخر يرصد الانفجارات اليومية المُدوية وأثرها على النازحين، ومشهد ثالث يُوثق تلاعب الاحتلال بمسار شاحنات المساعدات، وكيف يُسهم ذلك في سرقتها وتعميم الفوضى.
مجزرة المساعدات
ارتكبت قوات الاحتلال واحدة من أبشع مجازرها في قطاع غزة، في ساعة مبكرة من صباح أمس، بعد أن استهدفت وبشكل متعمّد حشود المواطنين، خلال توجههم إلى مقر توزيع المساعدات الكائن داخل محافظة رفح، جنوب القطاع.
ووفقاً لشهود العيان، فإن عشرات الآلاف من الجوعى، بعضهم جاؤوا من محافظات شمال القطاع، زحفوا جنوباً في محاولة للوصول إلى المساعدات، وعند وصولهم إلى منطقة "دوار العالم"، غرب مدينة رفح، تم استهدافهم من قبل دبابات وطائرات الاحتلال بشكل مباشر ومتعمّد.
وقال شهود عيان، إن المواطنين تعرضوا لإطلاق نار مباغت بصورة مفاجئة ودون سابق إنذار، ما تسبب بسقوط عشرات الضحايا بين شهيد وجريح.
وتواصل إطلاق النار لفترة طويلة، فحتى مَن حاولوا مساعدة الضحايا جرى استهدافهم بالرصاص والقذائف، ما زاد من عدد الشهداء والجرحى.
وجرى نقل العشرات من الشهداء والجرحى إلى مستشفيي الصليب الأحمر، والبريطاني الميدانيين، إضافة إلى مستشفيي ناصر والكويتي، وقد اكتظت أقسام الاستقبال بالجرحى، وناشدت المستشفيات المواطنين من أجل التبرع بالدم، في محاولة لإنقاذ الجرحى.
وأشار أطباء يعملون في عدة مستشفيات، إلى أن من بين الإصابات هناك أكثر من 30 إصابة وصفت بأنها خطيرة، بينها 6 خطيرة للغاية "موت سريري"، وأن عدد الشهداء وصل إلى 30 جراء المجزرة، وهو مرشح للزيادة خلال الساعات المقبلة.
من جهته، أكد المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، ارتفاع إجمالي الشهداء في مواقع المساعدات إلى ما يزيد على 40 وأكثر من 220 جريحاً خلال أقل من أسبوع، في مشهد دموي يعكس طبيعة هذه المناطق بوصفها مصائد موت جماعي، وليست نقاط إغاثة إنسانية.
وأكد المكتب الإعلامي أن ما يجري استخدام ممنهج وخبيث للمساعدات كأداة حرب، تُوظف لابتزاز المدنيين الجوعى وتجميعهم قسراً في نقاط قتل مكشوفة، تُدار وتُراقب من جيش الاحتلال وتُموّل وتُغطى سياسياً من الاحتلال والإدارة الأميركية، التي تتحمّل المسؤولية الأخلاقية والقانونية الكاملة عن هذه الجرائم.
وبيّن المكتب الإعلامي أن "هذه الجريمة الجديدة، وبهذا العدد الكبير من الضحايا يومياً، تُعدّ دليلاً إضافياً على مضيّ الاحتلال في تنفيذ خطة إبادة جماعية ممنهجة، عبر التجويع المسبق ثم القتل الجماعي عند نقاط التوزيع، وهي جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي، لا سيّما المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948".
انفجارات تهز الخيام
يعيش مئات الآلاف من النازحين في مواصي خان يونس، حالة من الخوف والقلق الدائمين، جراء تكرار وقوع عشرات الانفجارات يومياً على مقربة منهم، لا سيما مع تعميق العمليات البرية، وتقدم الدبابات باتجاه عمق المدينة، وتنفيذ عمليات نسف مُكثفة في أحياء شرق وجنوب وشمال خان يونس.
وذكر المواطن محمود معمر، وهو نازح يقيم في خيمة بمحيط منطقة "المسلخ"، جنوب مواصي خان يونس، أنه وعائلته يعيشون أجواء رعب حقيقية، والانفجارات بجميع أشكالها لا تتوقف.
وأشار معمر إلى أن أبناءه أصبحوا يمتلكون خبرة، ويستطيعون تمييز نوعية الانفجار وسببه، فهناك انفجارات ناجمة عن قصف مدفعي وهي أكثرها، وأخرى بسبب غارات جوية، وانفجارات تنجم عن تفجير "روبوتات" مفخخة، والأخيرة أكثر أنواع الانفجارات رعباً.
ولفت إلى أنه كلما تقدم جيش الاحتلال أكثر في عمق خان يونس، اقتربت الآليات من خيام النازحين، وبالتالي يكون صوت الانفجارات أقوى، وأحياناً تصل القذائف إلى الخيام، وهو أمر خطير.
وأوضح معمر أن هناك انفجارات تهز الخيمة، وتتسبب بتساقط الأثاث الزجاجي، عدا الضوء الأحمر المُخيف الذي يصاحبها، وبات يشعر من شدة وقوة التفجيرات بأن الاحتلال دمّر غالبية المنازل في المناطق التي يتواجد فيها جيشه، خاصة في بلدات شرق وجنوب خان يونس.
بينما قال المواطن يوسف خليل، إن النازحين في مواصي خان يونس يعيشون جحيماً لا يُطاق، وغالبيتهم لا يستطيعون النوم بشكل جيد من شدة وقوة الانفجارات، التي يرافقها سماع أصوات تحليق مُكثف لطائرات الاستطلاع، خاصة "الزنانة"، التي تحدث ضجيجاً وتؤرّق المواطنين.
وأكد خليل أن أطفاله أصيبوا بالرعب والهلع بسبب شدة وتوالي الانفجارات، لدرجة أنهم باتوا يضعون أصابعهم في آذانهم عند سماع أي صوت مرتفع، حتى وإن لم يكن انفجاراً.
وبيّن أن تجربته مع "الروبوتات المُفخخة" سيئة جداً، فانفجار "الروبوت" يحدث صوتاً قوياً يؤدي إلى صراخ أبنائه وأبناء الجيران، خاصة إذا ما حدث في وقت متأخر من الليل، حين يكون الجميع نائمين.
ولفت إلى أن الاحتلال استخدم كل الطرق والوسائل من أجل الضغط على المواطنين، بدءاً بالقتل والتجويع، مروراً بإجبارهم على النزوح المتكرر، وليس انتهاءً باستخدام سلاح الرعب والتخويف، وتجلى في أبشع صوره من خلال تنفيذ تفجيرات كبيرة كل يوم.
التلاعب بمسار الشاحنات
بات التلاعب بمسار شاحنات المساعدات إحدى وسائل الاحتلال التي تهدف إلى تسهيل سرقتها، ومنع وصولها إلى وجهتها، ونشر الفوضى في قطاع غزة.
وخلال ساعات فجر أول من أمس، عرقل الاحتلال دخول نحو 110 شاحنات إلى قطاع غزة، كان من المفترض أن تصل من مسار "نتساريم"، وصولاً إلى مخازن برنامج الغذاء العالمي وسط القطاع، حيث حوّل الاحتلال مسارها في اللحظات الأخيرة، وأجبرها على العبور من خلال معبر كرم أبو سالم، ثم شارع صلاح الدين، حيث كان بانتظارها عشرات اللصوص وقطاعي الطرق المُسلحين قرب "دوار التحلية" جنوب خان يونس، واستولوا عليها، وسرقوا كامل حمولتها.
وسادت فوضى كبيرة في المنطقة التي تخضع للسيطرة الإسرائيلية، وتعتبر من المناطق "الحمراء" في خان يونس، والوصول إليها يُعرّض المواطنين للخطر، رغم ذلك سمح الاحتلال للصوص بنهب الشاحنات بحرّية، دون أن يعترضهم.
ووفق شهود عيان، فإن بعض اللصوص يبدو أنهم كانوا على علم بمسار الشاحنات الجديد، وكانوا ينتظرونها، ووقفوا على الطريق بأسلحتهم، وأجبروا الشاحنات على التوقف ثم سرقوا كامل حمولتها، واستخدموا عربات "كارو"، وشاحنات، ونقلوا الطحين إلى مخازن داخل المناطق الحمراء.
وذكرت مصادر متعددة، أن الاحتلال كرر نفس العملية في وقت سابق، من خلال إجبار الشاحنات التابعة لبرنامج الغذاء العالمي على سلوك طريق "فيلادلفيا"، والخروج من منطقة مواصي رفح، وصولاً إلى مواصي خان يونس، وهي منطقة مُكتظة بالنازحين، وتمت سرقتها.
وأوضح المواطن إبراهيم حمدان، الذي يقطن في منطقة مواصي خان يونس، أن الاحتلال يسعى إلى نشر الفوضى، ويتعمد تسهيل سرقة الشاحنات، حتى يُثبت أن المؤسسات الأممية غير قادرة على توزيع المساعدات في القطاع، ما يدعم خططه لاستمرار التوزيع عبر الشركة الأميركية.
وأشار إلى أن الاحتلال يستخدم في ذلك طريقتين لتسهيل سرقة الشاحنات، ونشر الفوضى في القطاع، الأولى تغيير مسارات الشاحنات، وإجبارها على السير في طرق مليئة باللصوص وقطاعي الطريق، وبالتالي تسهيل سرقتها. أما الطريقة الثانية، وفق حمدان، فتتمثل في منع تحرك عناصر الأمن لحماية المساعدات، وتكرار استهدافهم، وحتى لجان التأمين الأهلية التي جرى تشكيلها من خلال بعض العائلات، جرى قصفها واستهدافها عدة مرات في السابق، والهدف الأساسي نشر الفوضى على نطاق واسع، وعرقلة عمليات التوزيع، وبالتالي تعميق المجاعة.
0 تعليق