كتب محمد بلاص:
لا يكاد يوم يمضي دون أن يقدم جيش الاحتلال على إطلاق الرصاص بكثافة على وقع تفجيرات قوية ناجمة عن نسف مزيد من المنازل داخل مخيم جنين، حيث دخل العدوان الإسرائيلي يومه الثالث والثلاثين بعد المائة، دون وجود موعد محدد لانسحابه من داخل المخيم الذي أجبر جميع ساكنيه على النزوح منه منذ الأيام الأولى للعدوان.
ومن وجهة نظر رئيس اللجنة الشعبية لخدمات المخيم محمد الصباغ، فإن العملية العسكرية في المخيم انتهت منذ فترة طويلة، ورغم ذلك يصر جيش الاحتلال على البقاء داخل المخيم والاستمرار في حرمان سكانه من العودة إليه، وهذا يحمل بين طياته أهدافا سياسية تتعلق بإنهاء وجود المخيمات وإزالتها من على الخارطة.
ومن وجهة نظر الصباغ، فإن هناك مشروعا إسرائيليا واضحا في مخيم جنين يقوم على سياسة معلنة بعدم الانسحاب منه إلا بعد تفكيكه وتحويله إلى حي من أحياء المدينة لتتولى البلدية مهمة إدارته، وقطع علاقة وكالة الغوث به وباللاجئين، وذلك في إطار مخطط يسعى لتصفية المخيمات والوكالة الأممية المسؤولة عن رعاية اللاجئين حتى عودتهم وتعويضهم.
وقال الصباغ في تصريح صحافي، إن الاحتلال يحاول حسم الوضع في الضفة الغربية عبر فرض وقائع جديدة على الأرض، وطمس المخيمات باعتبارها رمزا لقضية اللاجئين، في محاولة لطمسها وتذويبها وإنهائها باعتبارها أحد أبرز الشواهد الحية على نكبة العام 1948 وما ارتكبته إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وأرضه.
وشدد، على أن مخيم جنين وسائر مخيمات الضفة تمثل عنوانا لشعب وهوية لقضية لجوء لا يمكن التخلي عنها مهما حاول الاحتلال إجبار الفلسطينيين على التنازل عنها عبر بطشه وقمعه وآلته التدميرية الهائلة.
وأشار إلى أن قوات الاحتلال تسيطر على مداخل المخيم ومحيطه، وتمنع الأهالي من الاقتراب منه، وتواصل تحريك آلياتها ومعداتها داخل المخيم، لإلحاق المزيد من التدمير لممتلكات الأهالي وتغيير ملامح المخيم.
وبين أن قوات الاحتلال شرعت في إنشاء موقعين عسكريين ثابتين يطوقان المخيم من جهتيه الجنوبية والغربية، ونصبت تسع بوابات حديدية في محيط المخيم، بهدف إحكام القبضة عليه ومنع لنازحين من العودة إلى منازلهم.
وكان وزير جيش الاحتلال، صرح خلال زيارته للمخيم بأن العملية العسكرية ستستمر حتى بداية العام المقبل، وهو أمر قال الصباغ، إنه يكشف نوايا الاحتلال لإطالة أمد العدوان ودفع النازحين إلى فقد الأمل بالعودة إلى المخيم بعد مرور عام كامل، ودفعهم نحو الاندماج في مناطق أخرى خارج المخيم.
ووفقا للجنة الخدمات، فإن قوات الاحتلال دمرت قرابة 700 منزل، وألحقت أضراراً بالغة بما تبقى من منازل المخيم، علاوة على تدمير مقار مؤسسات خدمية وصحية وتعليمية، والبنية التحتية، والقضاء على جميع مقومات الحياة داخل المخيم، إلى جانب تهجير قسري لنحو 22 ألف نسمة من المخيم والأحياء المحيطة به.
ولفت الصباغ، إلى أن مخيم جنين كان قبل العدوان الحالي من أكثر المناطق فقراً في الضفة، والأقل دخلا للفرد، وجاء النزوح ليزيد من تردي الأوضاع المالية والاقتصادية لسكانه، ويجردهم من ممتلكاتهم، ويفقدهم مصادر رزقهم، ويتركهم في مواجهة أوضاع مأساوية دون تقديم دعم أو إسناد فعلي يخفف من الديون التي تراكمت عليهم بسبب العدوان.
وأشار إلى وجود تحركات حالية من قبل الحكومة ووكالة الغوث الدولية لتنفيذ برامج إغاثية للنازحين، معتبراً أن المطلوب اليوم هو تنفيذ خطة عاجلة لتعزيز صمود المواطنين على الأرض وحمايتها من الضياع.
ولفت إلى ضعف التدخل الدولي لكبح جماح الاحتلال، معتبراً أن الدور الدبلوماسي الدولي لا يزال محدوداً ولا يرقى إلى مستوى الكارثة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
من جهته، كشف رئيس بلدية جنين المحامي محمد جرار، أن الأضرار المباشرة الناتجة عن العمليات العسكرية المستمرة في مدينة جنين ومخيمها، تجاوزت 300 مليون دولارا إلى جانب بلدة قباطية المجاورة، ويتزايد حجم الخسائر يوما بعد يوم بفعل استمرار الأوضاع الميدانية.
وذكر جرار، أن بلدية جنين أعدت تقريراً تفصيلياً يوثق الأضرار المباشرة، مع الإشارة إلى أن طواقم البلدية ما زالت تمنع من الدخول إلى المخيم لحصر الأضرار بدقة، وخاصة ما يتعلق بالبنية التحتية والمباني السكنية، إلا أن التقديرات الحالية تشير إلى تدمير أكثر من 600 وحدة سكنية بشكل كلي، إلى جانب تضرر باقي المباني بدرجات متفاوتة تجعلها غير صالحة للسكن دون ترميم شامل.
ووفق دراسات فنية أجرتها البلدية، فإن إعادة إعمار المخيم يتطلب تمويلا يقارب 160 مليون دولار، وذلك لتأهيل شبكات الطرق، والمياه، والكهرباء، والصرف الصحي، فضلا عن إعادة بناء عشرات المنازل التي تعرضت للهدم أو الأضرار الهيكلية، ما يعد شرطا أساسيا لعودة السكان إلى مساكنهم.
0 تعليق