قال عنه الكاتب الغنيم، بعد أن أفاض بالتذكير به وبضرورة عدم نسيانه لما بذله من خدمات جليلة للكويت على كافة المستويات وفي مختلف المجالات: «لم يدخر وسعاً في سبيل أداء واجبه في كل موضع طلب منه أن يؤدي خدمة من الخدمات التي يحتاجها الوطن ويطلبها أهله»، ثم استطرد فقال: «لقد حافظ على تقدير الناس له، وعلى إخلاصه في العمل، وعلى محبة كل من يتصل به، وكان لا يحمل غلّاً لأحد، ولا يتحدث مغتاباً أحداً من الناس فقد كان قلبه صفحات بيضاء خالية من الأحقاد بعيدة عن الكراهية إلى يوم وفاته رحمه الله، التي كانت في سنة 1981».
ينتمي الشملان إلى عائلة بحرينية محرقية معروفة وميسورة لعب بعض أبنائها دوراً في الحركة الوطنية البحرينية في عشرينات وخمسينات القرن العشرين زمن الوجود البريطاني، فوالده هو الطواش الشيخ سعد عبدالله الشملان، الذي استاء الإنجليز من تأليبه الناس عليهم فنفوه إلى بومباي في عام 1923، حيث قضى سنوات طويلة من عمره هناك بصحبة نجليه عبدالعزيز وعبداللطيف (المترجَم له)، وشقيقه الأصغر هو الأستاذ عبدالعزيز سعد الشملان (1911 ــ 1988)، الذي قاد مع آخرين ما يعرف في الأدبيات السياسية البحرينية باسم «هيئة الاتحاد الوطني»، فغضب عليه الإنجليز ونفوه مع اثنين من رفاقه إلى جزيرة سانت هيلانة النائية في أقصى جنوب المحيط الأطلسي في سنة 1956، وحينما تم الإفراج عنه في يوليو 1961، بأمر المحاكم البريطانية لعدم قانونية اعتقاله، عاش في سوريا وسط ظروف معيشية صعبة إلى أن عاد إلى وطنه عام 1972 بعد انتهاء العلاقات التعاقدية بين حكومة البحرين وبريطانيا العظمى، فترشح في انتخابات المجلس التأسيسي المعني بصياغة الدستور، وفاز وتم اختياره نائباً لرئيس المجلس، ثم ما لبث أن وقع عليه اختيار المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه ليكون سفيراً للبحرين في القاهرة وممثلاً لها في جامعة الدول العربية، فأول سفير مقيم للبحرين في تونس وأول سفير بحريني غير مقيم لدى مالطا.
والحقيقة أن بعضاً مما جرى للمرحوم عبدالعزيز الشملان ينسحب على أخيه عبداللطيف المولود بالمحرق في عام 1906، ومنه أن الأخير رافق والده إلى المنفى الهندي، وهناك درس لبعض الوقت في مدارس بومباي العربية التي كان يديرها تجار الكويت ونجد والحجاز، وتعرف لأول مرة على غرائب الهند ومدهشات الحضارة الغربية، وبالتالي فقد كان تلميذاً مختلفاً عن أقرانه حينما رجع إلى مسقط رأسه والتحق بمدارس البحرين الأهلية، في أعقاب نجاح والده في كسب قضية رفعها أمام محاكم الهند البريطانية حول عدم قانونية نفيه وحرمانه من وطنه.
مع افتتاح مدرسة الهداية الخليفية في المحرق في عام 1919، كأول مدرسة نظامية في تاريخ البحرين والخليج، التحق بها عبداللطيف الشملان، وبرز في أنشطتها المختلفة، ولاسيما الثقافية منها، فقد كان محباً للقراءة والاطلاع، غارفاً للمعارف من شتى المصادر، دائم السؤال عن الأشياء التي يجهل كنهها، وهو ما جعله غزيراً في ثقافته ومعلوماته في الدين واللغة والشعر والأدب العربي منذ شبابه المبكر. وهذا بدوره شجع إدارة الهداية الخليفية على تعيينه مدرساً بها بعد تخرجه منها. وبالفعل مارس التدريس وكوّن علاقات جيدة مع زملائه من المدرسين العرب، وارتبط بصفة خاصة مع اثنين منهم من السوريين من ذوي النزعة العروبية والاستقلالية. وحينما تخلصت السلطات البريطانية من هذين السوريين بإلغاء عقديهما وترحيلهما، كان رد فعل الشملان هو تقديم استقالته من التدريس احتجاجاً.
بعد تركه التدريس في الهداية الخليفية، قام صاحبنا بافتتاح مدرسة خاصة أطلق عليها «دار العلم». لاحظت السلطات البريطانية وقتها أن الإقبال على هذه المدرسة كبير من قبل أبناء أعيان البحرين وشخصياتها المؤثرة، فعملت على عرقلة نشاطها عقاباً للشملان على تحديه للسياسات الإنجليزية في مجال التعليم داخل البحرين. وفي ذلك الجو القاتم، فطن الرجل إلى أن قدرته على العمل مقيدة، وأحس برغبة شديدة في الابتعاد والسفر إلى مصر لمواصلة تعليمه.
وهكذا غادر الشملان البحرين إلى القاهرة في عام 1931 بنية التحصيل الجامعي على نفقة أسرته، فالتحق هناك بجامعة الأزهر التي منحته الشهادة العالمية للغرباء، وبهذه الشهادة تم قبوله في كلية دار العلوم، فواصل الدراسة بها بجد واجتهاد، وبدعم من والده وأخيه عبدالعزيز، مع تقشف في مباهج الحياة والإنفاق، إلى أن تخرج من دار العلوم في سنة 1939. في هذه الأثناء كان مجلس معارف الكويت قد قرر في 21 فبراير 1939 إرسال أول بعثة كويتية للدراسة في القاهرة لكي تلتحق بالأزهر الشريف، وكانت مكونة من أربعة طلاب متفوقين من خريجي المدرسة المباركية وهم: عبدالعزيز حسين التركيت وأحمد مشاري العدواني ويوسف مشاري الحسن البدر ويوسف عبداللطيف العمر. ويشاء القدر أن يتعرف هؤلاء الطلبة الكويتيون الجدد على الشملان، وتنشأ بينهم وبينه علاقة صداقة وود وطيدة، فقد أحبهم وأحبوه من أول لقاء وصار صديقاً ومرشداً لهم في العاصمة المصرية. وكان من نتائج تلك العلاقة الودية والصحبة الجميلة أن فتحت الأبواب للشملان للسفر إلى الكويت للعمل والإقامة بها. ففي رواية للأستاذ صالح جاسم شهاب، نقلاً عن الشاعر أحمد مشاري العدواني، أن من شجع الشملان على الانتقال إلى الكويت وتوسط له لدى مسؤولي المعارف هو الأستاذ عبدالعزيز حسين، فرحب مجلس المعارف بقدومه، لكن هناك رواية أخرى تقول إن من دعاه إلى الكويت واستضافه مؤقتاً في ديوانه ريثما يتم توظيفه هو الحاج ثنيان الغانم الذي كان في القاهرة.
بدأ الشملان عمله في الكويت مدرساً بالمدرسة المباركية في عامي 1940 و1941، فمدرساً بالمعهد الديني ما بين عامي 1950 و1952، كما صار مديراً ومفتشاً بدائرة معارف الكويت خلفاً للفلسطيني أحمد شهاب الدين، فقاضياً بالمحكمة المشتركة، فمديراً لبيت الكويت في القاهرة (بيت الطلبة المبتعثين إلى مصر). وبفضل علمه وإخلاصه ووفائه وتفانيه في العمل نُقل في عام 1962 إلى مجلس الوزراء حيث عمل أميناً عاماً له، وظل شاغلاً هذا المنصب الرفيع إلى حين تقاعده في عام 1969، وأثناء عمله وإقامته في الكويت تزوج الشملان من اللبنانية «إقبال الحبال»، التي كانت تعمل ناظرة لإحدى المدارس، ثم أصبحت في عام 1948 مفتشة لتعليم البنات، وقامت بجلب أوائل المدرسات اللبنانيات إلى الكويت. وأخبرنا الباحث الغنيم، أن الشملان كان خلال عام 1948 مرشحاً للعمل مديراً لدائرة الأوقاف، التي تأسست بموجب مرسوم أميري في 16/12/1948، لكنها لم تباشر عملها إلا في عام 1949، ويضيف أنه لسبب ما لم يتولَّ صاحبنا ذلك المنصب. كما أخبرنا أن الشملان كان مشاركاً - إلى جانب أعماله ووظائفه - في تقديم الخدمات الاجتماعية من نصح وتوعية وكتابة في مجلة «البعثة» الصادرة في القاهرة عن «بيت الكويت».
بين التعليم وضغوط الإنجليز
اطلعتُ على عدة مصادر تتحدث عن دور الشملان في استقطاب المدرسين للعمل بمدارس الكويت في حقبة ما قبل استقلالها. والحقيقة أن المعلومات عن هذا الدور متضاربة في تفاصيلها. فالأستاذ يوسف شهاب، الذي تطرق للموضوع في عموده بجريدة القبس (26/2/2018) قال، إن المعتمد البريطاني بالكويت زمن الحماية البريطانية كانت لديه سلطة الرأي في العلاقات الخارجية للبلاد مع الدول الأخرى، ومنها رأيه في علاقات الكويت التعليمية مع البلاد العربية، واستطرد قائلاً إن دائرة المعارف في الكويت أرادت في عام 1942 استقدام بعثة من المدرسين المصريين، فأرسل رئيس المعارف آنذاك الشيخ عبدالله الجابر الصباح عبداللطيف الشملان إلى القاهرة حاملاً رسالة منه بهذا الخصوص إلى رئيس وزراء مصر وقتذاك مصطفى النحاس باشا، الذي استجاب وأمر بإرسال أربعة مدرسين إلى الكويت (بعد التعاقد معهم شخصياً براتب 12 جنيهاً مصرياً لكل منهم). ولما علم المعتمد البريطاني بذلك أرسل احتجاجاً إلى الشيخ عبدالله مطالباً بإبعاد الشملان إلى البحرين بعد سجنه عقاباً على ما فعله، وفصل زوجته من وظيفتها التربوية. لكن الشيخ رفض الاحتجاج والطلب واتخذ موقفاً حاسماً من القضية المثارة، قائلاً إنه هو المسؤول عن إرسال الشملان إلى مصر. ثم تمت التسوية بنقل الشملان من دائرة المعارف للعمل قاضياً في المحاكم المشتركة.
رحلة الشملان للبحث عن معلمين
أما الدكتور الغنيم في مقاله آنف الذكر بصحيفة النهار، فقد أشار إلى أن ما ذكره الأستاذ صالح جاسم شهاب، ومفاده أن مجلس معارف الكويت كلف الشملان بالذهاب إلى فلسطين كي يتعاقد مع عدد من المدرسين الفلسطينيين للعمل بمدارس الكويت، وبالفعل سافر الشملان إلى هناك وأقام في فندق متواضع كي لا يثقل على ميزانية مجلس المعارف التي كانت تعاني من عجز مالي وتتبع سياسة ترشيد الإنفاق، لكنه لم يوفق لأن أحداً لم يتقدم للعمل، ربما لأن المدرس الفلسطيني كان يتوقع عروضاً أفضل وقتذاك، أو ربما بسبب سماعهم أخباراً عن دور للشملان في إنهاء العقود المكلفة للمدرسين الفلسطينيين العاملين في الكويت بهدف معالجة العجز المالي لمجلس المعارف. ولأنه لم يوفق في مساعيه في فلسطين، اضطر أن يستعين بمدرسين من مصر وسوريا. وفي السياق نفسه، هناك رواية تتحدث عن أن الشملان نجح في مساعيه في القاهرة لأنه طلب من صديقه الأديب عبدالوهاب عزام أن يرتب له مقابلة مع وزير المعارف المصري آنذاك الدكتور طه حسين، الذي استقبله بالفعل بحفاوة ووافق على مد الكويت بالمدرسين والمنح الدراسية. لكن نجاح الشملان السريع في التعاقد مع المدرسين المصريين، دون الرجوع إلى المعتمد البريطاني في الكويت مسبقاً، أثار احتجاجات وتساؤلات في الدوائر السياسية البريطانية، وكان سبباً في مراسلات دبلوماسية كثيرة، لا مجال لذكر تفاصيلها، بين مكتب المقيم السياسي البريطاني في الخليج والسفير البريطاني في القاهرة وسكرتير الشؤون الخارجية في حكومة الهند والسفير البريطاني في بغداد والمعتمد البريطاني في الكويت وسكرتير المكتب الهندي في لندن، إضافة إلى مكاتبات مع حاكم الكويت في تلك الفترة الشيخ أحمد الجابر الصباح رحمه الله. ويبدو أن الإنجليز لم ينسوا خصومتهم مع الشملان في البحرين، فراحوا يطاردونه ويضايقونه في الكويت، ويتربصون بتحركاته وأعماله، ساعين بكل الوسائل إلى اختلاق ما يبرر طرده من الكويت. ولعل أكبر دليل على ذلك الرسالة التي وجهها المعتمد السياسي البريطاني في الكويت إلى رئيسه المقيم السياسي في بوشهر، التي اعترف فيها أنه منح الشملان رسالة توصية بصيغة «إلى من يهمه الأمر» موجهة إلى السلطات البريطانية، مدنية كانت أو عسكرية، لتقديم أي مساعدة يطلبها الشملان في رحلاته وتجواله للبحث عن معلمين لمدارس الكويت. لكن المعتمد البريطاني استدرك في الرسالة نفسها وقال إن الشملان «إنسان غير موثوق به لشغل منصب كبير كهذا الذي يشغله» وإنه تجاوز حدود أوامر الشيخ أحمد الجابر بشكل واضح.
وأخيراً فإن هناك انتقاداً موجهاً، بحسب الباحث الغنيم، إلى الجهات المسؤولة في الكويت لأنها قامت بشيء يسير من التكريم للشملان مقارنة بغيره، على الرغم من دوره الكبير وخدماته الجليلة في المجال التربوي، موضحاً أن الرجل لم ينَل سوى تكريم وحيد تمثل في إطلاق اسمه على إحدى مدارس البنين المتوسطة بمنطقة «الواحة» في الجهراء. ومما يذكر عن الراحل أنه ترك خلفه بعد رحيله في عام 1402 للهجرة الموافق لسنة 1981، العديد من المقالات والبحوث التربوية ومذكرات قيمة عن تجربته التربوية في البحرين والكويت ومساهماته في وضع المناهج التعليمية للمدارس.
أخبار ذات صلة
0 تعليق