"حلقة النار".. جولة حرب جديدة قاسية بين إيران وإسرائبل - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مع مرور 23 شهرا على الحرب الدائرة بين إسرائيل ومحور المقاومة بقيادة إيران، انهارت جميع الركائز السياسية والأمنية التقليدية في الشرق الأوسط، من اتفاقية "سايكس- بيكو" (1916)، و"اتفاق الطائف" (1989)، و"اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974″ بين سوريا وإسرائيل، وغيرها.

وفي الوقت نفسه، يسعى بنيامين نتنياهو، رئيس الحكومة الإسرائيلية اليميني، بالتنسيق مع واشنطن، إلى إعادة صياغة النظام السائد في منطقة "المشرق العربي".

فبعد أن تكبد نتنياهو إحدى أعنف الهزائم الاستخباراتية والعسكرية في تاريخ إسرائيل خلال عملية "طوفان الأقصى" 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قرر الدخول في "معركة وجودية" مع إيران وحلفائها، معلنا عزمه على "تغيير وجه الشرق الأوسط"، كما قال في الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الهدف المركزي للحملة العسكرية الإسرائيلية، هو إعادة تشكيل النظام الإقليمي عبر إضعاف أو تفكيك محور المقاومة، وربط شرق المتوسط بجنوب الخليج من خلال توسيع اتفاقيات "أبراهام"، وتفعيل مشروع "ممر آيمك".

لكن بعد "الحرب الحديثة" في يونيو/حزيران بين طهران وتل أبيب، تخلت إيران عن سياسة "الهروب من فخ الحرب"، وبدأت بإحداث تغييرات واسعة على مستوى البنى السياسية والقيادات، استعدادا لموجة تهديدات جديدة من جانب الكيان الإسرائيلي.

وفي هذا السياق، جاء تعيين علي لاريجاني أمينا جديدا للمجلس الأعلى للأمن القومي، وإنشاء "المجلس الأعلى للدفاع"، كإشارتين بارزتين إلى مرحلة جديدة في السياسة الإيرانية الهادفة إلى "استعادة الردع" في مواجهة التهديدات الخارجية.

ومن هنا تفهَم زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني السابق إلى العراق ولبنان، بوصفها جزءا من سياسة ميدانية تهدف إلى ترميم وإحياء محور المقاومة، كما تؤكد تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين، وقادة فصائل المقاومة، والمستجدات الميدانية الأخيرة.

سعي لإحياء "حلقة النار" حول إسرائيل

لقد أدت حربا جورج بوش الابن في العراق وأفغانستان، وامتلاك إسرائيل السلاح النووي، والعلاقة الإستراتيجية الوثيقة بين واشنطن وتل أبيب، إلى دفع إيران نحو البحث عن توازن إقليمي من خلال سياسة تعزيز وتنظيم القوى "المناهضة للهيمنة"، المعروفة باسم محور المقاومة، وفق إستراتيجية "الحرب غير المتماثلة".

إعلان

وفي السنوات الأولى من هذه السياسة، صرح ملك الأردن عبدالله الثاني عام 2004 بظهور ما سماه "الهلال الشيعي" في الشرق الأوسط. أما المسؤولون ومراكز التفكير الإسرائيلية، فقد أطلقوا على هذه الإستراتيجية مصطلح "حلقة النار".

تقوم هذه المقاربة على إبقاء الحرب بعيدة عن الحدود الإيرانية عبر استنزاف القوات الأميركية على الجبهتين الشرقية والغربية، وخلق حالة من "الحصار" في البيئة المحيطة بإسرائيل، بحيث تعتمد على "حرب استنزاف" في "المجال الرمادي" لمنع الماكينة العسكرية الإسرائيلية من التوغل شرقا نحو المشرق ثم إيران.

وقد شكلت حرب لبنان 2006 (حرب الـ33 يوما) محطة فارقة، إذ نجح حزب الله لأول مرة في وقف تقدم الجيش الإسرائيلي ومنع احتلال بيروت بالكامل، مما مهد لانكسار القوات الإسرائيلية. هذا التطور أثبت قدرة إيران ومحور المقاومة على فرض توازن يمنع إسرائيل من العبث بالحدود الدولية بشكل كامل.

لكن أحداث "الربيع العربي" خلقت معضلة "الأمن الإقليمي" بالنسبة للدول العربية تجاه الدور الإيراني، بل وحتى تجاه قوى غير عربية مثل تركيا. هذا الشعور بالخطر تجسد في العقد الثاني من القرن الـ21 عبر اتفاقيات "أبراهام".

إعادة ضبط العلاقة بين فصائل المقاومة والدول المحلية

بلغت سياسة "حلقة النار" ذروتها خلال معركة "طوفان الأقصى" وتفعيل إستراتيجية "وحدة الساحات":

الحلقة الأولى: غزة والضفة الغربية. الحلقة الثانية: لبنان واليمن. الحلقة الثالثة: إيران والعراق.

ومن أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى سبتمبر/أيلول 2024، كان الهدف الضغط على إسرائيل لفرض وقف الحرب في غزة وإقرار هدنة. لكن مع اندلاع "الحرب الثالثة في لبنان" تغيرت المعادلة.

فقد أطلق نتنياهو، بالاعتماد على قدرات الجيش والاستخبارات، "لعبة عالية المخاطر" ضد محور المقاومة عبر حملة اغتيالات وضربات جوية واسعة، وألحق أضرارا جسيمة بالقيادة السياسية والعسكرية لحزب الله.

كما أن سقوط نظام الأسد، وتضييق قنوات الإمداد اللوجيستي بين إيران وحزب الله أفضيا إلى معادلة جديدة على "الجبهة الشمالية". وهكذا وجد حزب الله نفسه، بعد القبول بوقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 لمجلس الأمن، في موقع دفاعي، يواجه تحدي "نزع السلاح" ضمن تسوية مع الدولة اللبنانية.

في هذا السياق بالذات، جاءت زيارة علي لاريجاني إلى بغداد وبيروت. هذه الزيارة أثارت تساؤلات لدى الرأي العام العراقي، واللبناني حول أهدافها في ظل الظروف الحساسة.

وخلال لقائه الرئيس اللبناني جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام، قال لاريجاني في مؤتمر صحفي: "أنا مسؤول الأمن القومي في إيران، وأؤكد أن إيران لا تنوي التدخل في شؤون الدول، خصوصا لبنان. على الدولة اللبنانية أن تتحاور مع جميع الطوائف للوصول إلى اتفاق.

من يتدخل في شؤونكم هو ذاك الذي يأتيكم من آلاف الكيلومترات ليقدم خططا وجداول زمنية. نحن لم نفرض خطة عليكم. لا تخلطوا بين العدو والصديق. المقاومة هي رصيد وطني لكم ولكل الدول الإسلامية".

هذا التصريح يعكس مرحلة جديدة في علاقة إيران بمحور المقاومة، حيث تسعى طهران إلى تقليل "شيطنة" أذرع المقاومة عبر تقديم نفسها وسيطا يمكّن بغداد وبيروت من إدارة هذه القوى.

إعلان

وبحسب هذه الرؤية، يصبح "الحشد الشعبي" جزءا من البنية الرسمية للدولة العراقية، فيما يتحول حزب الله إلى ذراع عسكرية- أمنية ضمن الدولة اللبنانية في مواجهة التهديدات الخارجية.

الهدف ليس الاندماج الكامل لهذه القوى في القوات المسلحة أو نزع سلاحها، بل جعلها كيانات طليعية منضبطة تعمل تحت إشراف الدولة، وتظل جاهزة لمواجهة أي عدوان خارجي.

هذه المقاربة الجديدة تعتبر امتدادا للتفاهمات التي أبرمت في "اتفاق بكين" (مارس/آذار 2023) بين إيران والسعودية، وما نتج عنه من مناخ جديد في المشرق العربي.

هل يمتد لهيب الحرب المقبلة إلى المنطقة بأسرها؟

أدت المشاركة المحدودة لحلفاء إيران خلال الحرب التي استمرت 12 يوما إلى عجز طهران عن استخدام كامل إمكاناتها في التصدي للعدوان الإسرائيلي، ومنع انجرار الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية جديدة.

لكن دروس حرب يونيو/حزيران دفعت إيران إلى تعزيز دعمها لحزب الله كقوة مسلحة في مواجهة "التهديد الوجودي" الإسرائيلي، وإلى تزويد جماعة أنصار الله اليمنية بصواريخ جديدة، الأمر الذي غير توازن القوى مجددا.

ومع تفعيل آلية "سناب باك" من جانب الترويكا الأوروبية بهدف إعادة العقوبات الأممية ضد إيران، ارتفعت احتمالات نشوب جولة جديدة من الصراع بين إيران وإسرائيل.

وفي حال أقدم نتنياهو على مغامرة عسكرية جديدة، يتوقع أن تتسع رقعة الحرب لتقترب أكثر من كابوس "الحرب الإقليمية الشاملة". ولا يمكن للكيان الإسرائيلي وحلفائه احتواء المواجهة مع إيران إلا إذا تمكنوا، قبل بدء أي حرب مباشرة، من توجيه ضربات قاسية إلى أذرع محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق.

أما في ظل مرحلة الترميم وإعادة بناء القدرات، فإن عامل الزمن يعمل لصالح إيران ومحور المقاومة، فيما يتعين على إسرائيل عاجلا أم آجلا اتخاذ قرار بشأن "الشوط الثاني" من هذه الحرب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق