في منزلها المتواضع بمدينة كيب تاون الجنوب أفريقية، تجلس ميغان تشوريتز البالغة من العمر 60 عاما، وهي تروي بصراحة مؤلمة قصة تحولها من "نجمة صغيرة محبوبة في المجتمع اليهودي" إلى واحدة من أبرز الأصوات المناهضة للصهيونية في جنوب أفريقيا.
إنها قصة امرأة دفعت ثمناً باهظاً لمبادئها، فقدت من خلالها مكانتها في مجتمعها وتعرضت للتهديد والمضايقات والعنف الجسدي، لكنها لم تتراجع قيد أنملة عن مواقفها المؤيدة للحقوق الفلسطينية.
جذور التمرد في ظل الأبارتهايد
عندما سألنا تشوريتز عن الجذور التي شكلت روحها المتمردة، قالت "في الواقع أنا في الستين من عمري، وأشعر بكل عام من هذه السنوات الآن". ثم تغوص في ذكريات طفولة معقدة في جوهانسبرغ إبان نظام الأبارتهايد العنصري الذي حكم جنوب أفريقيا من عام 1948 إلى 1994.
الأبارتهايد، مصطلح أفريكاني يعني "الانفصال" وكان نظاماً قانونيا للفصل العنصري المؤسسي فرضته الحكومة البيضاء في جنوب أفريقيا. وقد قسم هذا النظام السكان إلى 4 فئات عرقية: البيض، الأفارقة (السود)، الملونون (المختلطون)، الهنود. وكان لكل مجموعة حقوق مختلفة، مع تمتع البيض بامتيازات كاملة بينما حُرمت المجموعات الأخرى من الحقوق الأساسية.
وقد شمل النظام قوانين تحدد أماكن السكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية، وحتى أي المقاعد يمكن الجلوس عليها في الحافلات.
"النشأة في منزل يهودي صهيوني من الطبقة المتوسطة خلال فترة الأبارتهايد كانت أمرا غريبا حقا" حيث تقول تشوريتز وهي تستذكر تلك الفترة و"عائلتي كانت مختلة الوظائف إلى حد كبير. والدي كان يعترف بظلم الأبارتهايد دون أن يفعل الكثير حيال ذلك".
وكان هذا التناقض -بين الاعتراف النظري بالظلم والصمت العملي- سمة مميزة للعديد من العائلات البيضاء الليبرالية في جنوب أفريقيا.
فبينما كانوا يدركون فظاعة النظام، إلا أن قلة منهم كانت مستعدة للتضحية بامتيازاتها أو مواجهة العواقب الاجتماعية والاقتصادية للمقاومة الفعلية.
إعلان
وتضيف تشوريتز طبقة أخرى من التعقيد عندما تصف كيف أن أفراد عائلتها انتقلوا تدريجيا إلى إسرائيل "عمة والدي الكبرى، وأخوه الأصغر، وفي النهاية جدتي، انتقلوا جميعا إلى إسرائيل في مراحل مختلفة من حياتي. والداي أيضا كانا قد هاجرا قبل ولادتي للعيش في كيبوتس من خلال الحركة الصهيونية الشبابية هابونيم. لكنهما عادا فقط لأن والدتي الصغيرة جدا كرهت الحياة هناك".
وقد زرع هذا التنقل بين جنوب أفريقيا وإسرائيل -بين نظام فصل عنصري وآخر- بذور الشك المبكرة في ذهن الطفلة ميغان "لذلك، كان هناك دائما هذا الانفصال بين ما كان يحدث في جنوب أفريقيا وما كان يحدث في إسرائيل" كما تشرح تشوريتز.
وخلال دراستها في مدرسة ثانوية يهودية، بدأت تشوريتز تشعر بعدم الراحة مع ما كانت تتلقاه من تعليم، وتقول "كنت أشعر دائما بعدم الراحة الشديدة مع الكثير من التعليم الديني والصهيوني، لكنني لم أعرف كيف أفسر عدم راحتي" وتتذكر هذا الشعور بانزعاج، رغم عدم قدرتها على تفسيره وقتها، لكنه كان بداية رحلة طويلة نحو الوعي السياسي.
وجاءت اللحظة الفاصلة في تشكيل وعيها السياسي من مصدرين: معلميها المناهضين للأبارتهايد، وبشكل مفارق، رحلة إلى إسرائيل. وتقول "أصبحت صريحة بشأن الأبارتهايد بسبب بعض المعلمين الرائعين، بما في ذلك معلمة الإنجليزية التي اعتُقل ابنها دون محاكمة من قبل النظام".
أما الرحلة إلى إسرائيل، التي كان من المفترض أن تعزز هويتها الصهيونية، فقد أتت بنتيجة معاكسة تماما. وتكشف تشوريتز "من المفارقات أن رحلة إلى إسرائيل ومناقشات مع ابن عمي المولود هناك ساعدت في تحديد رأيي المناهض للصهيونية بقوة".

المسرح تعبير سياسي ومدرسة للحياة
بعد تخرجها من جامعة كيب تاون عام 1986 بدرجة البكالوريوس في الآداب ودبلوم الأداء في المسرح، انطلقت تشوريتز في مسيرة فنية امتدت لأكثر من 4 عقود.
وبدأت كممثلة قبل أن تؤسس فرقتها الخاصة للارتجال المسرحي، والتي تطورت لاحقا إلى شركة "إمبروفيغن" للمسرح الصناعي وورش العمل المؤسسية.
ولم يكن هذا العمل في الارتجال المسرحي مجرد مهنة، بل مدرسة حياة أعدتها لما هو قادم. وعندما سألنا تشوريتز عن العلاقة بين الارتجال والنشاط السياسي، أجابت بحماس "هذا سؤال رائع حقاً. الارتجال يتعلق كله بالعفوية والاستجابة في اللحظة. أعتقد أن النشاط السياسي يحتاج إلى هذا النوع من الاستجابة أيضاً، سواء كان ذلك في احتجاج، أو قرار كتابة شيء بسرعة، أو نشر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أو القدرة على تقييم الموقف والتفكير بسرعة".
وخلال مسيرتها المسرحية، حصلت تشوريتز على لقب "عميدة الارتجال" في جنوب أفريقيا، وحازت على جوائز مرموقة منها فلور دو كاب للابتكار بالمسرح عام 2009، وجائزة اختيار الجمهور لمسرح الرياضة في العام نفسه.
كما كتبت العديد من المسرحيات منفردة ومتعاونة، أبرزها "امرأة وحيد القرن" عام 1993 مع ميليندا فيرغسون التي حصلت على جائزة "آي جي آي لايف بيك" لمهرجان ويندي برو للفنون.
وعام 2007، بدأت تشوريتز مدونة بعنوان "رأس ميغان" والتي أصبحت منصتها لمراجعة المسرحيات والتعليق على "الأمور المسرحية وغيرها بشكل عام".
إعلان
وهذه المدونة، التي تطورت لاحقاً إلى منصة سابستاك، ستصبح لاحقاً منبراً لكتاباتها السياسية العاطفية حول غزة والقضية الفلسطينية.
من المسرح إلى الأدب: ولادة "الممتلكات المفقودة"
انتقلت تشوريتز من عالم المسرح إلى الكتابة الروائية خلال فترة الإغلاق التي فرضتها جائحة "كوفيد-19" حين انضمت إلى مجموعة للكتابة عبر الإنترنت، موضحة أنها بدأت بكتابة القصص القصيرة قبل أن تتخذ قرارا بخوض تجربة تأليف رواية كاملة.
وصدرت رواية "الممتلكات المفقودة" عام 2023، وتروي حكاية لين التي ينتهي زواجها إثر اكتشافها أمرا صادما عن زوجها مارك.
وخلال جلسات العلاج النفسي، تعود لين بذاكرتها إلى طفولتها في جوهانسبرغ، مستحضرة نشأتها تحت تأثير والديها المعقدين ميرل ولاري، ومربيتها دورا، على خلفية حقبة الأبارتهايد وما صاحبها من اضطراب اجتماعي وسياسي.
وتصف تشوريتز روايتها بأنها "قريبة جدا من العظم" وتوضح أنها تمزج بين العناصر السيرية والخيالية. وتقول "كل المشاعر حقيقية وتأتي من حياتي الخاصة" لكنها تحتفظ بالحدود بين الواقع والخيال.
وقد حققت الرواية نجاحاً نقديا كبيرا، ورُشحت لجائزة "دالرو – كان تيمبا" للكتابة الإبداعية المرموقة عام 2025، إحدى أهم الجوائز الأدبية في جنوب أفريقيا. لكن هذا النجاح سيصبح لاحقاً سلاحاً ذا حدين عندما تتصاعد مواقفها السياسية.

السابع من أكتوبر: نقطة اللاعودة
غيّرت الأحداث التي تلت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 مسار حياة تشوريتز بشكل جذري. وعندما سألناها عن تلك اللحظة الفاصلة، تقول "أولا: لا أعتقد أنني كنت معارضة مريحة. كنت دائما صريحة بشأن مناهضتي للصهيونية، لكن موقفي كان يُتجاهل، أو يُهمل، أو يُكنس تحت السجادة من قبل المجتمع اليهودي الصهيوني هنا".
وتوضح أن مواقفها المناهضة للصهيونية لم تكن وليدة اللحظة، غير أن المجتمع اليهودي كان يتعامل معها بقدر من التساهل ما دامت في إطار نظري. وتضيف "كانت لي دائما ملاحظات في المقابلات حول أعمالي، ولا سيما تلك ذات الطابع اليهودي، لكن لم يُؤخذ كلامي على محمل الجد. وعام 2014 عبّرت عن موقفي وشاركت في احتجاجات، فواجهت تجاهلًا من معظم الناس، وعمد آخرون إلى إطلاق أوصاف سلبية بحقي".
"لكن أحداث غزة غيرت كل شيء" وتقول بحدة "هذه الإبادة الجماعية الحالية، الأكثر شراً، المكشوفة، البذيئة الشبيهة بالنازية، عنت أن صوتي يجب أن يكون أعلى بكثير وأصبحت غير محتملة تماماً للصهاينة".
الهوية اليهودية في مواجهة الصهيونية
واحد من أكثر جوانب قصة تشوريتز تعقيداً هو كيفية توفيقها بين هويتها اليهودية ومعارضتها الشديدة للصهيونية. وعندما طرحنا هذا السؤال، أجابت بوضوح قاطع "كوني يهودية لا علاقة له بالصهيونية. إنها ثقافة، مجموعة من المعتقدات الدينية والأخلاقية. يهوديتي تظهر في كتاباتي، وعملي المسرحي، وحتى أجزاء من الأفلام والتلفزيون".
وأضافت أن علاقتها باليهودية "أصبحت أكثر أهمية، أكثر معنى منذ أن اضطررت للوقوف كيهودية مناهضة للصهيونية". وتشرح موقفها الأخلاقي "أنا مجبرة، كيهودية، كجنوب أفريقية، على التحدث ضد أي ظلم يتعارض مع ثقافتي وديني".
أما عن الصهيونية نفسها، فلا تتردد في إدانتها بأقسى العبارات "الصهيونية شر استعماري استيطاني، متفوق، عنصري، قومي عرقي. اليهود لا يحتاجون إلى وطن خاص. قد نكون مميزين، لكننا لسنا أكثر تميزاً من أي شخص آخر، أي مجموعة أخرى من الناس على الأرض".
الثمن الباهظ: من "كابو" إلى التهديدات بالقتل
مواقف تشوريتز السياسية كلفتها غاليا على المستوى الشخصي والمهني. وتعرضت لحملة تشويه واسعة شملت أوصافا مهينة ومؤذية، أبرزها وصفها بـ"كابو".
ومصطلح "كابو" له تاريخ مظلم ومؤلم، إذ يُشير إلى السجناء اليهود في معسكرات الاعتقال النازية الذين عُينوا من قبل الحراس الألمان للإشراف على السجناء الآخرين مقابل امتيازات صغيرة. وهؤلاء "الكابو" كانوا في موقف صعب: إما التعاون مع النازيين أو مواجهة الموت. ويهدف استخدام هذا المصطلح ضد تشوريتز إلى اتهامها بخيانة شعبها اليهودي والتعاون مع "أعداء" إسرائيل.
إعلان
وإلى جانب وصفها بـ"كابو" تلقت تشوريتز أوصافا أخرى مؤذية مثل "يهودية كارهة لذاتها" و"إرهابية حماس". كما تلقت تهديدات بالقتل والاغتصاب، وتعرضت للاعتداء الجسدي في الأماكن العامة و"تم البصق عليّ، والصراخ في وجهي، ودفعي من قبل الصهاينة" هكذا تصف تجربتها، خاصة في المناطق ذات الكثافة اليهودية العالية مثل مناطق "سي بوينت أو مركز غاردنز" بمدينة كيب تاون.
وعندما سؤالها عن ما يبقيها مستمرة رغم هذه التكاليف الباهظة، أجابت بلا تردد "أبدا، فموقفي غير مرن. هذا هو السبب في أنني لا أستطيع التعامل مع الصهاينة على الإطلاق".
تمزق العائلة والمجتمع الجديد
على المستوى الشخصي، أثر نشاط تشوريتز بشكل عميق على علاقاتها العائلية. ففي إحدى كتاباتها، أشارت إلى أنه "من المحتمل أن أفراد عائلتي يعيشون أو عاشوا في منازل فلسطينية مسروقة" مما يكشف عن الألم الشخصي الذي تواجهه.
وعندما سألناها عن تأثير نشاطها على علاقاتها العائلية، تكشف عن الثمن العاطفي الحقيقي "في معظم الأيام أنا بخير وأشعر بالدعم من مجتمعي الجديد: يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة، مجتمع النشطاء المؤيدين لفلسطين، مجتمعي متعدد الأديان الذي يضم نشطاء مناهضين للصهيونية من المساحات المسيحية والمسلمة والأمم الأخرى".
لكنها أضافت بصوت يحمل الألم "في بعض الأيام أكون محطمة. اليوم واحد منها. قلبي محطم اليوم لأنني لا أجد راحة أو عزاء من عائلة تشاركني موقفي".
ووجدت تشوريتز رغم هذا الألم مجتمعا جديداً يحتضنها. وتتحدث بامتنان خاص عن الدكتور امتياز سليمان من منظمة "وقف الواقفين" الإغاثية الأكبر بالقارة الافريقية "لقد دعمني وأحاطني بالرعاية. هو حقا الذي يفهم الفرق بين كونك يهوديا أو صهيونيا. إنه يسمي أعضاء يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة بالمجتمع اليهودي، وأنا أحب ذلك كثيرا".
وتشرح تشوريتز فلسفة هذا المجتمع الجديد "لأنني أعتقد أن أعضاء يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة يجسدون الجوهر، مبادئ (تيكون عولام) شفاء أو إصلاح العالم. اليهودية تؤمن أيضا بقدسية كل روح بشرية. وهذه المبادئ يمكن العثور عليها في جميع الأديان، وهذا ما يجمعنا".
الفن مقاومة والكتابة شهادة
بالنسبة لتشوريتز، لا يمكن فصل الفن عن السياسة. وعندما سألناها عن العلاقة بين روايتها التي تستكشف الإرث النفسي للأبارتهايد والوضع الحالي في فلسطين، أجابت "أعتقد أن إنشاء الفن، سواء كان أدبياً أو بأي شكل آخر، لا يمكن فصله عن رؤية الفنان للعالم. نحن نبدع، نكتب، نؤدي، لتغيير قلوب وعقول الناس الذين يدخلون إلى رؤوسنا لفترة".
وتكشف عن تأثير الأحداث الحالية على إبداعها "منذ السابع من أكتوبر، كل قصيدة جلست لكتابتها كانت عن الإبادة الجماعية. أنا محبوسة فيها بعمق شديد، الشر الذي يفعله الرجال، لا أعرف إن كان يمكن قول أو فعل أي شيء آخر".
وتُظهر كتاباتها الحديثة -في مدونة سابستاك، وخاصة منشورها بعنوان "قسوة المستعمر"- العمق العاطفي والاستثمار الشخصي الذي يميز كتاباتها السياسية الحالية. وعندما تكلمنا معها عن تطور كتابتها منذ أن أصبحت ناشطة، أجابت ببساطة "أكتب لأنني مضطرة، وأكتب عن الإبادة الجماعية لأنني لا أستطيع التفكير في أي شيء آخر".
جدل المهرجان الأدبي "ليست صهيونية بما فيه الكفاية"
واحدة من أبرز اللحظات في رحلة تشوريتز النضالية كانت استبعادها من المهرجان الأدبي اليهودي في أبريل/نيسان 2025. وعندما قدمت دار النشر روايتها للمشاركة بالمهرجان "تهربوا، وصمتوا، ولم يجيبوا، وتجاهلوني" كمشاركة. وبعد شهور من الصمت، اعترفوا أخيرا بأنهم "لا يستطيعون استضافتي لأن سياستي متطرفة جدا، ومهرجانهم محايد وأدبي".
وجاءت ردة فعل تشوريتز مبتكرة وذات أثر لافت، ففي 28 أبريل/نيسان 2025 أقامت طاولة احتجاجية صغيرة أمام متحف الهولوكوست في منطقة غاردنز بمدينة كيب تاون، حيث كان المهرجان الأدبي يُقام، وعلّقت عليها لافتة كتب عليها "لست صهيونية بما يكفي للمهرجان الأدبي اليهودي".
"كان ذلك اليوم نقطة تحول مذهلة بالنسبة لي، وللصهاينة" هكذا تتذكر تشوريتز وتقول "لا أعتقد أنهم توقعوا أي شيء مثل الذي قمت بفعله، وأبقيت ما كنت أفعله سراً حتى ذلك الصباح. أعتقد أن منظمي المهرجان كانوا محرجين بشكل فظيع".
وقد حظي الاحتجاج، الذي لقي انتشارًا واسعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدعم كبير. وتوضح تشوريتز أنها تمكنت من حشد قدر هائل من التأييد، وأن مبادرتها الاحتجاجية الصغيرة وجدت صدى واسع الانتشار.
إعلان
ولكن اليوم لم يخل من المضايقات فـ"منظمو المهرجان لم يساعدوا أنفسهم، لأنهم استمروا في استدعاء الشرطة، ولم يكن هناك الكثير مما يمكنهم فعله، لأنني لم أكن أخرق القانون". كما تعرض رفيقها في الاحتجاج للاعتداء الجسدي من قبل أحد زوار المهرجان، والذي كسر هاتفه المحمول عمدا.
وتخلص تشوريتز إلى استنتاج قاسٍ حول مجتمعها السابق "ما زلت غير متفاجئة من القبضة الحازمة والعنيفة للصهيونية على المجتمع اليهودي الجنوب أفريقي. وإذا تحدثت، أو خرجت، أو طرحت أسئلة، أو حتى اقترحت أنك غير مرتاح للإبادة الجماعية: يتم إسكاتك، أو إقصاؤك، أو استبعادك. وبالنسبة لمعظم اليهود، الثمن باهظ جداً".
الأبارتهايد وإسرائيل: مقارنة مؤلمة
كجنوب أفريقية بيضاء عاشت نظام الأبارتهايد، تملك تشوريتز منظورا فريدا لمقارنة ذلك النظام بالوضع في فلسطين. وعندما سألناها عن هذه المقارنة، أجابت بوضوح قاطع "إسرائيل كانت دائما ولا تزال، نظام فصل عنصري لكنه مضاعف. لا يمكنك أن تكون مناهضاً للأبارتهايد وصهيونياً. هذا لا معنى له. وهذا هو التنافر المعرفي".
وتشرح تشوريتز منطقها وتقول "كل شيء عن الصهيونية خاطئ، بنفس الطريقة التي يكون بها الأبارتهايد. هذا هو المكان الذي يتعقد فيه دماغي كله. وعندما يطالب الصهاينة بوطن لليهود، فإنهم يعنون وطناً عنصرياً متفوقاً. وهذا أبارتهايد. لكن أسوأ. إنها دولة يهودية حصرية على الأرض الفلسطينية".
رسالة إلى فلسطين: من القلب إلى القلب
في ختام حوارنا الطويل مع تشوريتز، طلبنا منها أن توجه رسالة مباشرة إلى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. فتوقفت قليلا، وتنهدت بعمق، ثم قالت "أعزائي الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، أريد فقط أن تعرفوا هذا مني. أنتم في قلبي وأفكاري كل لحظة، وحتى في أحلامي. أنا آسفة لأننا فشلنا في مساعدتكم حتى الآن. أعدكم بأن أستمر في القتال. أؤمن بفلسطين حرة وديمقراطية لجميع الذين يرغبون في أن يكونوا جزءاً منها. آمل أن يتحقق هذا في حياتي. من النهر إلى البحر فلسطين ستكون حرة".
النشاط المستمر والرؤية المستقبلية
تواصل تشوريتز اليوم نشاطها السياسي رغم التكلفة الشخصية والمهنية الباهظة. فهي عضو نشط في منظمة "يهود جنوب أفريقيا من أجل فلسطين حرة" وتشارك في الفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني. وفي يونيو/حزيران 2025، لعبت دوراً بارزاً في دعم "المسيرة العالمية لغزة" والتي وصفتها بأنها قد تكون "مغيرة لقواعد اللعبة" للتضامن مع فلسطين.
وفي أغسطس/آب 2025، دُعيت للحديث في منتدى متعدد الأديان ليوم المرأة حول "التحدث ضد السلطة" والذي أظهر اعترافاً متزايداً بها كصوت للقضايا التقدمية التي تتجاوز حركة التضامن الفلسطيني.
وتحتفظ تشوريتز بحضور رقمي نشط عبر منصات متعددة، حيث يصفها حسابها على إنستغرام بأنها "ممثلة، كاتبة، مرتجلة، مخرجة، نباتية، مناهضة للعنصرية، قارئة تاروت، مناهضة للصهيونية". وهذا الوصف المتعدد الأوجه يعكس شخصية شاملة تجمع بين الفن والسياسة.
0 تعليق