ولعل من نافلة القول الإشارة إلى أن الأمن هو عامل محوري من عوامل ازدهار الأوطان ورخائها، إذ لا سبيل للتنمية والبناء والعمل والإنجاز إلا بتوفر الأمن والسلامة الوطنية. وهذا تحديداً ما انشغلت به القيادة السياسية البحرينية الحكيمة منذ منتصف القرن التاسع عشر، حينما كانت البلاد تحت الحماية البريطانية. ففي عام 1860 تولدت قناعة لدى المغفور له صاحب العظمة الشيخ عيسى بن علي طيّب الله ثراه (حكم من 1869 إلى 1932) بضرورة إنشاء حرس يتولى حمايته ويوفر الأمن والاستقرار في ربوع البحرين، فكان أنْ أمر عظمته بتشكيل مجموعات عُرفت بـ«الفداوية» للتمركز في المنامة والمحرق وبقية أنحاء البلاد، على رأس كل منها شخص بمسمى «أمير الفداوية». وحينما شرعت البحرين الأخذ بالتنظيمات الإدارية الحديثة في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين وتأسست بلدية المنامة سنة 1919 قامت الأخيرة بتشكيل فصيل مسلح بالبنادق لتطبيق النظام والقانون وحراسة الأسواق التجارية والمنشآت الحكومية ليلاً، أطلق عليه «النواطير». وهكذا مثّل «الفداوية» و«النواطير» النواة الأولى لشرطة البحرين النظامية التي صدر قانون في 20 يوليو 1920 بإنشائها على أن تتبع المجلس البلدي.
وقتذاك كان عدد قوات شرطة البحرين لا يتجاوز المائتي فرد، وكان الجل الأعظم منهم من جنسيات غير بحرينية. أما سبب عدم إقبال البحرينيين على الانخراط في سلك الشرطة وقتذاك فمرده غياب الثقافة الأمنية وانعدام اللياقة البدنية لديهم من جهة، وانشغال السواد الأعظم منهم بمهنة الغوص وصيد اللؤلؤ من جهة أخرى، ناهيك عن عامل آخر هو انتشار المخاوف في أوساطهم من احتمال إرسالهم للمشاركة في معارك الحرب العالمية الثانية. غير أنّ الأمر بدأ يتغير تدريجياً بسبب كساد تجارة اللؤلؤ، خصوصاً أنّ ذلك تزامن مع قيام الحكومة بإغراء المواطنين بالانضمام إلى شرطتها عبر نشر إعلانات تفيد بحصول كل شرطي على 27 روبية كراتب شهري ثابت، إضافة إلى حصوله مجاناً على بعض المواد التموينية كالأرز والطحين والسمن والسكر.
تطورت الشرطة البحرينية سريعاً، لجهة مهامها والأعباء الملقاة على عاتقها، وكذلك لجهة تشكيلاتها الإدارية والقيادية. أما لجهة الشخصيات التي تولت قيادتها، فقد تناوب على المنصب الكابتن البريطاني «كامبل»، الذي خلفه مواطنه الكابتن «جيك» المعار من جيش الهند البريطانية. كما تولى القيادة الميجور «كلايف كيرباتريك ديلي» الذي شغل منصب المعتمد البريطاني في البحرين من عام 1921 وحتى عام 1926، والكابتن «إل. إس. بارك» الذي عمل مستشاراً للميجور ديلي ثم تولى قيادة الشرطة من نوفمبر 1929 وحتى أبريل 1932، وقد أطلق اسمه في تلك الفترة على شارع قريب من مبنى وزارة الداخلية (القلعة) بالمنامة هو الشارع المعروف حالياً بشارع قاسم المهزع. وكان يحل محل الكابتن بارك أثناء سفره لقضاء إجازاته مستشار حكومة البحرين البريطاني «سير تشارلز بلغريف»، علماً بأنه بعدما ترك بارك منصبه وغادر البلاد نهائياً في عام 1932 أضاف بلغريف هذا المنصب إلى مناصبه العديدة الأخرى.
وفي عام 1939 تولى قيادة شرطة البحرين المرحوم الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة الذي قام بالتعاون مع المستشار بلغريف بنقلة تنظيمية وتحديثية نوعية كان من ثمارها تأسيس فرقة الخيالة للحفاظ على الأمن على طول سواحل البلاد الشمالية والغربية، إضافة إلى تقديم العروض العسكرية، وإنشاء فرقة موسيقى الشرطة التي أمتعت الجمهور بأعذب الألحان في الأعياد والمناسبات الوطنية والرياضية. وقد تعززت وتطورت تلك الإصلاحات في حقبة تولّي المغفور له الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة رئاسة الشرطة والأمن العام من عام 1961 إلى 1966، حيث استثمر سموه ما تلقاه من علوم شرطية وأمنية حديثة في المملكة المتحدة في إحداث تقسيمات إدارية جديدة ووضع التشريعات اللازمة لمكافحة الجريمة والارتقاء بالأنظمة المرورية.
أما وزارة الداخلية البحرينية، فقد تأسست في عام 1971، في أعقاب إنهاء معاهدات الحماية مع بريطانيا ونيل البلاد سيادتها الكاملة. وقتها تسلم معالي الشيخ محمد بن خليفة بن حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، الذي كان آنذاك نائباً للمدير العام لإدارة الشرطة والأمن العام، حقيبة الداخلية، فأدارها باقتدار وكفاءة من 15 ديسمبر 1973 وحتى تقاعده بتاريخ 22 مايو 2004، وهو اليوم الذي أصدر فيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم أمراً ملكياً بتعيين معالي الشيخ راشد بن عبدالله بن أحمد آل خليفة وزيراً جديداً للداخلية، ليدخل معاليه تاريخ البحرين كثاني وزير لجهاز الداخلية الحساس المكلف بأمن الوطن.
كان ما سبق توطئة للحديث عن معالي الفريق أول ركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، الذي صادف شهر مايو الفائت مرور 21 عاماً على توليه مهامه، كان خلالها شاهداً على الكثير من المتغيرات والأحداث في تاريخ البحرن الحديث، بل كان في مقدمة الرجال الأشاوس الذين حموا أمن البلاد وسلامتها من الفتن والدسائس والمؤامرات والتدخلات الخارجية، فضرب أروع الأمثلة في الوفاء والولاء والعطاء والالتزام من خلال قرارات حكيمة ومناقبية رفيعة وعقلية منفتحة. فقد جعل معاليه من الداخلية، المعنية بإنفاذ القانون والسلامة العامة، خلية نحل تصل الليل بالنهار من أجل تحقيق النظام، مستثمراً في ذلك علومه وخبراته ومعارفه المتراكمة منذ دخوله السلك العسكري في ثمانينات القرن العشرين. فكان النجاح والتوفيق من نصيب معاليه في كل خطوة وقرار، على الرغم من الأعباء الكثيرة المنوطة بوزارته والتي تشمل الأمن العام والشرطة والنجدة، المرور، الدفاع المدني، التحقيقات الجنائية، الجنسية والجوازات والإقامة، خفر السواحل، الجرائم الإلكترونية، الشؤون الجمركية، الإسعاف الوطني، الاستخبارات المالية، القوات الخاصة، الشرطة النسائية، مكافحة المخدرات، إدارة السجون، مراكز الإصلاح والتأهيل، وغيرها.
أخبار ذات صلة
وهكذا نرى أن معالي الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة كان أحد التلامذة النجباء لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة المعظم في قوة الدفاع، وأحد رفاق جلالته في السلاح. لذا لم يكن غريباً أن يضع جلالته كامل ثقته في معاليه في 22 مايو 2004 حينما اختاره ليكون حارساً لأمن الوطن وساهراً على سلامته من خلال تكليفه بحمل حقيبة الداخلية، مع ترقيته من رتبة لواء ركن إلى رتبة فريق ركن. وفي 31 ديسمبر 2004 صدر أمر ملكي برقم 69 لسنة 2004، قضى بترقية معاليه من رتبة فريق ركن إلى رتبة فريق أول ركن.
ومنذ أن تسلّم معاليه حقيبة الداخلية، توالت المشاريع الشرطية والأمنية الهادفة لخير البلاد وسلامتها. فمن إنشاء جهاز شرطة المجتمع في عام 2005 كشريكة لقوات الأمن العام في التوعية الأمنية ومكافحة بعض الظواهر السلبية في المجتمع كالهروب من المدارس، والتسول والتشرد، وإعاقة الحركة المرورية، وجنوح الأحداث وانحرافهم، إلى إطلاق المشروع الحضاري للعقوبات البديلة والسجون المفتوحة، إلى تدشين تطبيقي «حكومتي» و«المفتاح الإلكتروني المطور» لحصول المواطن والمقيم على 41 خدمة حكومية بطريقة مبتكرة وآمنة وسهلة وسريعة، فإلى مبادرة «بحريننا» كخطة وطنية هادفة لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة من خلال عدة مسارات وعدد من الحملات والبرامج والتشريعات. هذا ناهيك عن الحملة الوطنية الناجحة التي أدارتها وزارة الداخلية البحرينية باقتدار وكفاءة لمكافحة جائحة كورونا من خلال تكثيف عمليات التوعية والإرشاد، والتعقيم والتطهير، وتدابير التباعد ومنع الاختلاط، ومثلها كذلك الحملات المتتابعة والمستمرة لمحافحة المخدرات وضبط مهربيها وتنظيف المجتمع من سمومها وآثارها المدمرة.
تقدير عربي ودولي
انتشرت أخبار جهود معاليه وجهود وزارته الموقرة إلى خارج الحدود، فنالت الاستحسان والتقدير العربي والدولي، بدليل حصول معاليه خلال الدورة 37 لمجلس وزراء الداخلية العرب المنعقدة في تونس في مارس 2020 على جائزة ووسام الأمير نايف بن عبدالعزيز للأمن العربي (جائزة تمنح للشخصيات القيادية الأمنية صاحبة الأدوار المتميزة والفعالة)، وذلك بناء على اقتراح الرئيس الفخري للمجلس ورئيس هيئة أمناء الجائزة، وزير الداخلية السعودي سمو الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود. إلى ذلك تم تكريم معاليه في عام 2017 من قبل الإتحاد الدولي للرياضة الشرطية، تقديراً لجهوده في دعم الرياضة الشرطية ومساهمة البحرين الفعالة في أنشطة الاتحاد الدولي. كما تم تكريمه في ديسمبر سنة 2018 بحصوله على جائزة شخصية العام 2018 من المنظمة الدولية لمكافحة العنف والإدمان (DARE)، تقديراً لما تحقق من نجاحات في برنامج «معاً لمكافحة العنف والإدمان». وفي فبراير عام 2025 حصلت وزارة الداخلية البحرينية تحت قيادة معاليه على جائزة أفضل بطولة تشالنجر للتنس في آسيا والمحيط الهادي لعام 2024، التي استضافتها وزارة الداخلية بمملكة البحرين.
ونختتم بالإشارة إلى النجل الأكبر لمعالي الفريق أول ركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وهو معالي الشيخ عبدالله بن راشد بن عبدالله آل خليفة، الذي يشغل منذ عام 2017 منصب سفير مملكة البحرين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، علماً بأنه تاسع سفير للبحرين في واشنطن منذ تبادل السفراء في عامَي 1974 و1976، من بعد عبدالعزيز بوعلي، وغازي محمد القصيبي، والشيخ عبدالرحمن بن فارس آل خليفة، والدكتور محمد عبدالغفار عبدالله، والشيخ خليفة بن علي آل خليفة، والدكتور ناصر البلوشي، والسيدة هدى عزرا نونو، والشيخ عبدالله بن محمد آل خليفة، على التوالي.
0 تعليق