تشهد صادرات الفحم الجنوب أفريقية إلى إسرائيل جدلاً واسعًا وسط تصاعد الدعوات الشعبية والنقابية لوقفها، في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة التي أدت لاستشهاد نحو 63 ألف فلسطيني وإصابة 159 ألفًا، بينهم 246 صحفيًا منذ أكتوبر 2023.
حجم ضخم للتبادل التجاري في قطاع الفحم
وتكشف وثائق برلمانية جنوب أفريقية عن حجم ضخم للتبادل التجاري في قطاع الفحم بين البلدين، حيث صدرت جنوب أفريقيا خلال الفترة من 2004 إلى 2009 ما مجموعه 23.75 مليون طن من الفحم لإسرائيل بقيمة 8.66 مليارات راند (492 مليون دولار).
وتشير البيانات إلى أن أعلى حجم صادرات كان في 2004/2005 بواقع 6.26 ملايين طن بقيمة 1.58 مليار راند (90 مليون دولار)، بينما شهد 2008/2009 أعلى قيمة مسجلة للصادرات بلغت 2.73 مليار راند (155 مليون دولار) مقابل 4.46 ملايين طن.
وتأتي هذه الأرقام بينما تواجه جنوب أفريقيا، التي رفعت دعوى قضائية ضد إسرائيل لدى محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، ضغوطًا لترجمة موقفها السياسي إلى خطوات اقتصادية عملية.
وتفيد البيانات الحديثة أن صادرات الفحم الجنوب أفريقية لإسرائيل ارتفعت بنسبة 17% عام 2024، حيث شُحن نحو 1.6 مليون طن بقيمة 178.2 مليون دولار، وفقًا لبيانات الأمم المتحدة للتجارة الدولية.
ووفق تقرير صادر عن منظمة "سومو" الهولندية، ساهمت جنوب أفريقيا بما يقارب 15% من واردات إسرائيل من الفحم خلال 2023-2024، بينما احتلت كولومبيا المركز الأول بنسبة 60%، تليها روسيا بنسبة 15%.
ويلعب في هذا الملف دور مركزي كل من شركة "غلينكور" السويسرية متعددة الجنسية، التي شاركت في 15 شحنة فحم وصلت إلى الموانئ الإسرائيلية منذ أكتوبر 2023 (منها ست شحنات بعد أن علقت كولومبيا صادراتها في أغسطس 2024)، وشركة "أفريكان رينبو مينيرالز" المملوكة لصهر الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوسا.
تنطلق هذه الشحنات من محطة "ريتشاردز باي" التي تُعد الأكبر عالميًا بطاقة تصديرية تصل إلى 91 مليون طن سنويًا، متجهة إلى موانئ حيفا وأسدود لتغذي محطتي "روتنبرغ" و"أوروت رابين" اللتين توفران 17.5% من احتياجات إسرائيل الكهربائية.
وتصاعدت منذ عام 2024 موجات احتجاجية في جنوب أفريقيا بقيادة حركة التضامن مع فلسطين والتحالف الجنوب أفريقي للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، حيث شهدت كيب تاون وديربان وبريتوريا تظاهرات رفعت شعارات مثل "غلينكور تغذي الإبادة الجماعية" و"لا فحم جنوب أفريقي إلى إسرائيل".
وأكد اتحاد عمال الصناعات العامة رفضه استمرار هذه الصادرات، معتبرًا أن "دولة رفعت قضية إبادة جماعية لا يمكنها تزويد إسرائيل بالفحم الذي يدعم بنيتها العسكرية".
وفي المقابل، تواجه الحكومة معضلة قانونية واقتصادية معقدة، إذ حذرت وزارة التجارة والصناعة من أن فرض عقوبات من طرف واحد "سينتهك مبادئ منظمة التجارة العالمية"، فيما أشار ناشطون مثل أنديل زولو وأنتوني هودجسون إلى أن سياسات الطاقة النيوليبرالية والضغوط الأميركية تعرقل اتخاذ قرارات حاسمة.
وعلى الصعيد الدولي، قادت كولومبيا جهود وقف تصدير الفحم إلى إسرائيل بإصدار مرسوم (1047) في أغسطس 2024 لحظر هذه الصادرات، فيما تبقى جنوب أفريقيا أمام اختبار بين التزاماتها الأخلاقية ومصالحها الاقتصادية في ظل التحول العالمي نحو الطاقة المتجددة.
0 تعليق