الخصوصية تصنع الإبهار.. «ويجز - العلمين» صوت مختلف في مكان استثنائي! - هرم مصر

الاسبوع 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
الخصوصية تصنع الإبهار.. «ويجز - العلمين» صوت مختلف في مكان استثنائي!

ويجز في مهرجان العلمين

جيهان حسين

في زمن مضطرب، تتشابه فيه الأصوات وتتكرر الملامح، تأتي لحظات تومض فيها أشياء، وتبرق أماكن، وتلمع أصوات ليست كغيرها، في "يوم جمعة" استثنائية، كاستثناءات أيام خالدة في ذاكرة الوجدان، أضاءها نجم شاب لم يكمل عامه السابع والعشرين بعد، استطاع بـ"اسم غير مألوف" وغير دارج في قوائم الأسماء العربية، أن يحفر لنفسه مكانة على مقاسه فقط، تألفه القلوب قبل العيون، حتى لو لم تفهم بعضاً مما يقول، فالمهم، أحياناً، أن نشعر لا أن نفهم، تلك الجمعة كانت لـ"ويجز"، على خشبة مسرح "يو آرينا" بمهرجان العلمين، ذاك الحدث التاريخي المتجدد المتلون بألوان البهجة والانبهار، في زمن لم يعد فيه شيء مبهر.

أتى على الإنسان حين من الدهر، تنكر الكثيرون لأصولهم الشعبية، ولكن "ويجز" في مهرجان العلمين، العام الماضي، وقف فخوراً بالحي الشعبي الذي ولد فيه، وخلده في أغنية قالت بعض كلماتها "ويجز من المتراس"، والمتراس (التي لا يعرفها أحد)، هي منطقة فقيرة بالورديان غربي الإسكندرية، أما المفارقة الكبرى أن ابن المنطقة الغارقة في الفقر، شاب أسمر نحيل، يرتدي ملابس عادية غير منمقة، مزج بين كلمات صادمة وإيقاعات "التراب"، والـ"درل"، كتب ذاته في سطور متكسرة، بإيقاعات غير منتظمة، وصوت "ليس قوياً" بمقاييس الغناء، ولكنه صادق بمقاييس الإنسانية، أثبت للجميع أن العالم لا يحتاج إلى صوت كامل قوي، بقدر ما يحتاج إلى صدق حقيقي، نابع من روح حرة تحكي قصتها بالموسيقى، وللعام الثاني على التوالي، على خشبة المسرح نفسه، استطاع "ويجز" أن يحوّل الغناء من مجرد ترف وتسلية سماعية، إلى فعل ثقافي وفلسفي يعيد صياغة الوعي، ورسالة صارخة بصوت هادئ تصل إلى القلوب قبل الآذان، من هنا، من مهرجان العلمين 2025.

أثبت "ويجز" أن الفنان حين يكون صادقاً، يصبح امتداداً لأصوات الناس، منذ صعوده إلى الساحة الغنائية، لم يقبل أن يكون مجرد "مؤدٍ" يغذي التريند بلا قيمة، اختار أن يوظف فنه لخدمة قضايا وطنه، فأصبح حضوره لا يشبه أحداً، إشاراته كانت واضحة: حين رفض التواطؤ بـ"بيع صوته وصورته" لإعلان ترويجي لإحدى شركات المياه الغازية الملوثة بدماء شهداء فلسطين، برغم تهافت مشاهير الكرة الأرضية، لكن "ويجز" ضمير حيّ خارج التصنيف، وقف بشموخ على مسارح أوروبا يعلن دعمه للقضية الفلسطينية رافعاً علمها المناضل، فعلها "ويجز" ولم يصمت كغيره ممن اختاروا الجانب الآمن، أو هكذا يظنون.

"ويجز" لا يعرف الصمت، يغني بكل حواسه، حتى لو لم يفهموا، يراهن على "نعمة الوعي والإدراك" ولو بعد حين، وبالرغم من دراسته للإنجليزية وإجادتها ببراعة، لكنه مدرك أن لغة القرآن هي "السيدة الأولى"، وغنى لهذه اللغة الأم، معلناً صيحة "العربي أصلي"، لكونها الأصل والتاريخ والثابت الوحيد وسط موجة من التفريط والذوبان في قواميس متناقضة لـ"جيل z"، هذا الجيل العاشق لـ"ويجز"، والذي يصدقه ويتفاعل معه، وحين غنى ذات مرة مع رمز الطرب الأصيل "أنغام"، ورغم أن الاثنين يفصلهما "ربع قرن زمني"، ومدرسة مختلفة للغناء، إلا أن الثنائي وقفا معاً يتبادلان إمتاع الجمهور، نفس الجمهور، كلٌ بطريقته الخاصة جداً، في تناغم بدا غريباً، ومألوفاً في آن واحد، في مباراة طرفاها منتصران، انكسرت فيها الحواجز بين "الراب/ التراب" والموسيقى الكلاسيكية، وانفتحت أبواب جديدة أمام الفن الحقيقي ليثبت قدرته على عبور القلوب مهما اختلفت ذائقتها، ولِمَ لا؟، والاثنان مواليد الإسكندرية، ملهمة الثقافات، مدينة البحر التي اختلطت شوارعها بالأمواج الهادئة والهادرة، لتُعلِّم أهلها مهارة التقاط الإيقاع من صخب الحياة اليومية، وهكذا أثبت "ويجز" أنه ليس موجة عابرة وإنما تيار جديد يحمل روحاً مختلفة، ومتجددة، ومدهشة في كل مرة، كأنها أول مرة.

لا يمكن النظر لـ"ويجز" باعتباره "رابر" ناجحا فقط، ولكن كمشروع ثقافي مفتوح، يمكن سماع أغانيه ورؤيتها كمرايا لأجيال كاملة، بداية من "دورك جي" التي أعلن خلالها حضوراً صاخباً مثيراً للجدل، مروراً بـ"باظت خالص" التي عبر فيها عن خيبة أمل شباب تائه يواجه واقعاً مرتبكاً بلا ملامح واضحة، ثم "هصلا" التي فتحت الباب لتجربة صوتية مغايرة لكل ما هو سائد، وجاءت "البخت" كأيقونة رومانسية تمايلت معها قلوب الملايين، وأخيراً "خسرت الشعب" و"الأيام"، قائمة طويلة صنعها ويجز على أعين التجربة والمغامرة والتمرد، ليخرج كل مرة بـ"نص" يترجم هواجس أجيال كاملة وجدت ضالتها على ضفاف حنجرته، ذات النبرات الحزينة التي تجيد خطاب العالمية، وتطل من خلفها بيئة غارقة في المحلية، لتكون النتيجة النهائية لونا شديد الخصوصية يعيشه الجمهور بكل جوارحه.

حفل "ويجز" في مهرجان العلمين 2025، لم يكن مجرد أمسية موسيقية صاخبة على شاطئ البحر، بل لحظة فارقة اختصرت رحلة فنان حقيقي بدأها من أبعد نقطة شعبية في عروس البحر، المتراس، صنع من الموج موسيقاه الخاصة، لم يلتفت لمن سخروا منه، قاوم من رفضوا تجربته، واضعاً صوته في خدمة المبدأ، ليتحول إلى أيقونة فنية تجمع بين الفن والموقف، الإيقاع والهوية، النوستالجيا والحداثة، حتى صفق له الجميع وهو جالس على منصة التتويج، وكأن سيناريو رحلته مستلهم من مقولة "المهاتما غاندي": "في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر".

اقرأ أيضاً
بمشاركة مطرب الراب «ويجز».. آسر ياسين بلوك مختلف بفيلم «وتر واحد»

«أشطر مني في كل حاجة».. ويجز يهنئ شقيقه الأصغر بمناسبة عيد ميلاده

اليوم.. الجمهور يترقب حفل ويجز في مهرجان العلمين

782b33adaf.jpg
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق