في زمن تتسابق فيه الشركات لتسويق منتجات "طبيعية" و"نظيفة" و"خالية من السموم"، يتنامى شعور جمعي بالخوف من كل ما يحمل كلمة "كيمياء"، من الصابون ومواد التنظيف، مرورا بمستحضرات التجميل، وصولا إلى الطعام واللقاحات، إذ يتعامل كثيرون مع المواد الكيميائية وكأنها الخطر الأكبر في حياتهم اليومية.
يشير تقرير لموقع "هاف بوست" إلى أن هذا الخوف -المعروف باسم فوبيا المواد الكيميائية (Chemophobia)- أصبح ظاهرة متنامية في المجتمع الأميركي، حيث يتجه الأفراد إلى تجنّب كل ما هو مصنّع أو "غير طبيعي"، غير أن العلماء يحذرون من أن هذه الفوبيا لا تقوم على أسس علمية بقدر ما تنبع من عواطف ومغالطات، وقد تقود في النهاية إلى قرارات تضر بالصحة أكثر مما تحميها.
ما فوبيا المواد الكيميائية؟
تعرّف اختصاصية علم المناعة والميكروبيولوجيا الدكتورة أندريا لاف هذه الفوبيا بأنها خوف غير عقلاني من كل ما هو كيميائي، وتوضح أن الجسم الإنساني نفسه عبارة عن "كيس من المواد الكيميائية"، ولا يمكن العيش من دونها.
أصول الظاهرة واتجاهاتها السياسية
يُوضح تيموثي كولفيلد، مؤسس منظمة "ساينس آب فيرست" المعنية بمكافحة المعلومات المضللة، أن فوبيا المواد الكيميائية ظهرت بداية في الأوساط اليسارية باعتبارها موقفا مناهضا لهيمنة السوق وقوى الربح. لكن مع مرور الوقت، انتقلت الظاهرة بقوة إلى اليمين، حيث اتخذت شكل رفض واضح للقاحات والأدوية الخاضعة للتنظيم، مقابل الترويج لعلاجات طبيعية لا تخضع لأي رقابة.
أما أندريا لاف فترى أن اليسار ينجذب إلى خطاب "النقاء العضوي" والخوف من التلوث والسموم، في حين يركّز اليمين على نشر الشكوك حول اللقاحات والأدوية، مفضلا بدائل طبيعية تفتقر في الغالب إلى الأساسيات العلمية والمعايير التنظيمية.
العاطفة قبل العلم
توضح اختصاصية التغذية أندريا هاردي أن انتشار فوبيا الكيميائيات يعود إلى استغلال المخاوف العاطفية، وتضرب مثالا بحملة ضد "الفركتوز" على مواقع التواصل الاجتماعي دفعت بعض الأمهات إلى حرمان أطفالهن من الفاكهة، مما يؤدي إلى نقص غذائي، ويعزز أفكارا خاطئة حول الطعام.
وتحذر لاف من أن الخوف غير المبرر من الكيميائيات قد يؤدي إلى رفض اللقاحات، وعدم استخدام واقيات الشمس، أو تجنب الفاكهة بحجة احتوائها على سكريات، وهي ممارسات قد تهدد الصحة العامة.
وحسب هاف بوست، تحولت هذه الفوبيا إلى أداة تسويقية قوية، عبارات مثل "نظيف" و"خالٍ من السموم" و"كيميائيا حر" أصبحت شعارات تجارية لمنتجات في مجالات التجميل والأغذية، رغم أن كل المواد في الكون مكوّنة من مركبات كيميائية. ويصف كولفيلد هذه الظاهرة بأنها "مجرد شعارات مبسطة" تخاطب رغبة المستهلك في حلول سهلة بين "جيد" و"سيئ".
إعلان
فوبيا المواد الكيميائية لم تعد مجرد "نزعة استهلاكية عابرة"، بل تحولت إلى ظاهرة متجذرة سياسيا واجتماعيا تُغذيها مشاعر الخوف وتستثمر فيها الأسواق لتحقيق مكاسب تسويقية، ويرى تيموثي كولفيلد أن مواجهة هذه الظاهرة لا تكون عبر الشعارات الدعائية أو مغالطات "الطبيعة الآمنة"، بل من خلال تشريعات ورقابة علمية صارمة تستند إلى الأدلة.
0 تعليق