يتفنن الاحتلال الإسرائيلي في صناعة الأكاذيب وتدليس الحقائق لنفي المجاعة المروعة التي يعيشها سكان قطاع غزة، وكانت آخر محاولاته خلق "مسرحية" مدروسة بعناية، أبطالها مؤثرون معروفون بدعمهم للاحتلال، لترويج روايته المضللة للعالم.
وبالتزامن مع إعلان المجاعة في غزة، استعانت الحكومة الإسرائيلية بمؤثرين أميركيين وإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي لتصوير وترويج تكدس المساعدات على المعابر، بهدف نفي تفشي المجاعة، بينما ركزت وسائل إعلام إسرائيلية على نشر مقاطع فيديو وصور لسلع غذائية في أسواق القطاع.
ترويج للرواية الإسرائيلية
وظهر عدد من المؤثرين الأميركيين والإسرائيليين في مقاطع فيديو من المعابر التي يمنع فيها الجيش الإسرائيلي السلع الغذائية من الدخول، متبنين رواية الاحتلال عبر إبراز صورة "إنسانية ضخمة" لجهود توزيع المساعدات.
وأظهرت كلمات هؤلاء المؤثرين نبرة هجومية واضحة تجاه الإعلام والمنظمات الدولية والنشطاء داخل غزة، واصفين ما ينشر بأنه "أكاذيب" أو "حملة منسقة تقودها أذرع حماس".
كما شاركت المحامية والمؤثرة الأميركية بروك غولدستاين في تصوير محتوى من موقع "مؤسسة غزة الإنسانية"، ضمن حملة غير مسبوقة لنفي تهمة التجويع التي تمارسها إسرائيل بحق السكان، وسط تقارير عن استشهاد مئات المدنيين والأطفال نتيجة سوء التغذية أو أثناء انتظار المساعدات.
مبادرات لتعزيز صورة إسرائيل عالميا
وحاولت المؤسسة ومن خلفها الدبلوماسية الإسرائيلية تلميع صورتها دوليا، عبر منصة إكس تحديدا، وذلك بإبراز نجاحاتها المزعومة في توزيع المساعدات الإنسانية، مع نفي الانتقادات والاتهامات الصادرة عن منظمات أممية وإعلامية.
إعلان
في المقابل، قالت صحيفة "هآرتس" الشهر الماضي إن وزارة الخارجية الإسرائيلية ستمول جولة لمؤثرين أميركيين ضمن حملات "لنجعل أميركا عظيمة مجددا" و"أميركا أولا"، بهدف مواجهة التراجع في المشاعر المؤيدة لإسرائيل بين الشباب الأميركي، وتعزيز صورة إسرائيل عبر نشر رسائل متوافقة مع سياسة الحكومة.
وفي هذا السياق، أعلنت الأمم المتحدة وخبراء دوليون رسميا الجمعة الماضية تفشي المجاعة على نطاق واسع في قطاع غزة، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها عن مجاعة في منطقة الشرق الأوسط.
مسرحية إسرائيلية
أثار المحتوى المنشور انتقادات واسعة بين سكان غزة، معتبرين أنه مسرحية إسرائيلية لنفي المجاعة، وأن الإعلام الإسرائيلي يشوه معاناة المواطنين ويستغلها بما يتناسب مع الدعاية الإسرائيلية وتسويقها عبر منصاتهم وحساباتهم الرسمية.
وأوضح مغردون أن السلع المصورة غالبا باهظة الثمن وغير متوفرة للمواطنين، بينما تمنع إسرائيل إدخال المواد الغذائية الأساسية مثل اللحوم والدجاج والفواكه والخضار، وتعرقل وصول المساعدات للمنظمات الدولية.
ووصف مغردون المشهد بأنه مسرحية جديدة لنفي وجود مجاعة في قطاع غزة، مشيرين إلى أن السلع المعروضة ليست أساسية، بينما تمنع المواد الحيوية وتنهب عبر طرق غير مباشرة، في حين اعتبره البعض "هندسة للمجاعة بشكل ممنهج ومدروس".
حذر من التوثيق العشوائي
حذر مغردون من الاستخدام العشوائي للكاميرات في توثيق الأحداث، مشيرين إلى أنها أداة قوية قد تستغل ضد الفلسطينيين إذا أسيء استخدامها وتدليسها من قبل الاحتلال الإسرائيلي وتزويرها.
وأوضحوا أن توثيق لحظات استثنائية مثل وصول شاحنات المساعدات أو توفر بعض السلع لفترة قصيرة قد يعطي انطباعا زائفا بأن غزة كلها تعيش الوفرة، بينما الواقع أن معظم السكان يعانون الجوع والحرمان.
وأشاروا إلى أن الإعلام الإسرائيلي يستغل هذه الثغرات لتشويه المعاناة ونفي المجاعة، مستخدما منصات إعلامية غربية لترويج روايته وتدليسها، وشددوا على ضرورة التوثيق المسؤول وحماية الرواية من التشويه.
إعلان
وذكر مدونون أن بعض السلع التي دخلت، مثل السكر والطحين والقهوة وزيت الطبخ، ما زالت أسعارها مرتفعة بـ10 مرات عن الأسعار السابقة، ولا يستطيع المواطنون شراءها، بينما بقيت المواد الأساسية الأخرى غير متوفرة.
وأكدوا أن قياسات المؤسسات الدولية حول المجاعة تعتمد على أبحاث ميدانية موثقة، وليس على مقاطع فيديو أو تصريحات مضللة، مشيرين إلى أن الدعاية الإسرائيلية لها صدى واسع عالميا بسبب نفوذ مؤيديها الإعلامي والاقتصادي.
واستذكر النشطاء شهادات مؤلمة، مثل جندي أميركي سابق شهد وفاة الطفل الفلسطيني أمير برصاص الجيش أثناء محاولته الحصول على طعام، بينما لا يزال والداه يجهلان مكان جثمانه.
كما تساءل مغردون عن التناقض بين الدعاية الإسرائيلية والواقع المأساوي: لماذا يموت الناس من الجوع والقصف والإذلال إذا لم يكن هناك نقص حاد في الغذاء؟
وأشار آخرون إلى أن الدعاية الإسرائيلية لن تجدي نفعا في عصر التكنولوجيا، إذ تملأ صور الأطفال الهياكل العظمية شاشات العالم، بينما يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على نفي المجاعة، مدعيا أن الصور والفيديوهات "مفبركة".
وقال مدونون إن بعض السلع شاهدوها منذ شهور على قنوات أجنبية تحتجزها إسرائيل في أماكن مكشوفة للشمس، وهذا يؤدي إلى تلفها ويجعلها خطرة على المحتاجين عند إدخالها، مسببة عدوى معوية وإسهالا وكوليرا.
واستذكر آخرون تصريحات الناطق العسكري باسم جيش الاحتلال هاغاري، والمراسلة الأميركية التي زورت شهادتها حول مشاهد مروعة في مستوطنات غلاف غزة، معتبرين أن هذه الدعاية كانت فعالة في التسعينيات، لكنها اليوم مسخرة أمام التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة.
ورأى البعض أنه يجب السماح للصحافة العالمية بدخول غزة لتصوير الواقع مباشرة، معتبرين أن التقييد على وسائل الإعلام الدولية يكشف للعالم الحقيقة.
0 تعليق