تتصاعد التحذيرات والتطورات الميدانية بشأن خطة الاحتلال الإسرائيلي لشن عملية عسكرية شاملة في مدينة غزة، وسط حالة من الجدل السياسي والعسكري في إسرائيل، وانتقادات حادة من حركة حماس، ومخاوف إنسانية دولية من كارثة مرتقبة.
وكشفت الأيام الأخيرة عن ملامح واضحة لخطة تهدف إلى احتلال المدينة وتفريغها من سكانها، تحت ذرائع أمنية، في ظل رفض رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لأي مقترحات سلام أو صفقات لتبادل الأسرى، ما يثير تساؤلات حول الأهداف الحقيقية من وراء هذا التصعيد، ومدى استعداد الاحتلال لتحمل تبعاته.
رفض المبادرات السياسية وإصرار على الحل العسكري
اتهمت حركة حماس رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالسعي لعرقلة جهود الوساطة الإقليمية والدولية الهادفة إلى إنهاء الحرب، من خلال تعنته ورفضه لكل المقترحات المتعلقة بتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار.
وأشارت إلى أن موافقته السريعة على خطة احتلال غزة جاءت مباشرة بعد قبول الحركة بالمقترح الجديد الذي طرحه الوسطاء، ما يعزز الاتهامات بأن نتنياهو يفضل استمرار الحرب لأغراض سياسية داخلية، خاصة في ظل تراجع شعبيته وانعدام الثقة في قيادته.
تؤكد حماس أن نتنياهو يضع شروطا تعجيزية كلما اقترب الطرفان من اتفاق، كما كشفت تصريحات سابقة للمتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية كان يماطل عمدا بهدف تأجيل إنهاء الحرب، ما يطعن بمصداقية إسرائيل دوليا ويضعها في مأزق سياسي وأخلاقي.
خطة الاحتلال: أربع مراحل للسيطرة الشاملة
وبحسب وتقارير عبري مختلفة تمت المصادقة من قبل رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي الجنرال إيال زامير على خطة عسكرية شاملة تهدف إلى احتلال مدينة غزة، وهي خطة معقدة مقسمة إلى أربع مراحل رئيسية:
إقامة مراكز تجميع: وتشمل إنشاء "مناطق إنسانية" في جنوب القطاع، مزودة بالبنية التحتية الأساسية لاستيعاب مئات الآلاف من المدنيين.
الإخلاء الواسع: إخلاء ما يزيد عن 800 ألف مدني من مدينة غزة، في عملية قد تستغرق أسابيع في ظل محدودية الموارد ومخاطر القصف المستمر.
التطويق والحصار: عزل المدينة عن بقية المناطق، من خلال السيطرة على المحاور الرئيسية كطريق نتساريم، وفرض حصار خانق على السكان المتبقين.
الاقتحام التدريجي: دخول القوات الإسرائيلية إلى المدينة مدعومة بغارات جوية، في محاولة للسيطرة الكاملة مع استمرار التهجير القسري للسكان.
رغم الموافقة المبدئية على الخطة، ما زالت هناك خلافات داخل القيادة الإسرائيلية، خاصة من جانب قادة الجيش، الذين يحذرون من تأثير الخطة على الجنود، وقضية الأسرى الإسرائيليين الذين يحتمل تواجدهم داخل المدينة.
مخاوف داخلية إسرائيلية من تكلفة العملية
وكشفت تقارير إسرائيلية عن توتر متزايد بين القيادة السياسية والعسكرية. فالجيش عبر عن تخوفه من انهيار معنويات جنود الاحتياط، والذين يعاني معظمهم من الإرهاق بعد ما يقارب عامين من العمليات المتواصلة.
ونبهت قيادات عسكرية إلى أن تدمير غزة بشكل كامل سيتطلب شهورا طويلة، وربما يؤدي إلى أزمة حادة في الجبهة الداخلية العسكرية.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة تل أبيب أن 61% من الإسرائيليين يرون أن الحل الوحيد لاستعادة الأسرى هو من خلال اتفاق شامل يشمل إنهاء الحرب، فيما قال 65% إن قرارات الحكومة لا تسهم في تحقيق أهداف الحرب، كما يرى 68% أنه لا توجد خطة واضحة لإنهاء الحرب، مما يعكس فقدان الثقة بالقيادة السياسية وارتباك الرؤية المستقبلية.
تظاهرات وضغوط من عائلات الأسرى
في الداخل الإسرائيلي، تزايدت الاحتجاجات من عائلات الأسرى الإسرائيليين، الذين يتهمون الحكومة بالتقاعس ويطالبون بصفقة تبادل تنهي معاناة أبنائهم. وشهدت عدة مدن مظاهرات أمام منازل وزراء وأعضاء كنيست، طالب فيها المتظاهرون الحكومة بالتوقف عن التلاعب بمصير الأسرى من أجل مكاسب سياسية، متهمين نتنياهو بقيادة البلاد نحو الهلاك.
المجاعة سلاح حرب
في المقابل، يعاني سكان غزة من ظروف إنسانية كارثية، حيث أعلن مرصد الأمن الغذائي العالمي رسميا أن المدينة ومحيطها تعاني من مجاعة، يتوقع أن تتسع لتشمل أكثر من 640 ألف شخص بحلول نهاية سبتمبر. وتتهم الخارجية الفلسطينية إسرائيل باستخدام التجويع كسلاح في الحرب، معتبرة أن هذه المجاعة نتيجة مباشرة لسياسة الاحتلال في تقييد دخول المساعدات، واستهداف البنى التحتية الصحية والغذائية.
ومع تدمير أكثر من 75% من مباني القطاع، وتوقف عمل المستشفيات، يحذر المكتب الإعلامي الحكومي في غزة من أن أي اجتياح جديد للمدينة سيؤدي إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، خصوصا في ظل وجود أكثر من 500 ألف طفل في المدينة.
شلل أمام الكارثة
رغم التحذيرات الدولية المتكررة، لا تزال الاستجابة العالمية ضعيفة أمام تصاعد الجرائم في غزة.
ودعت الخارجية الفلسطينية إلى تحرك دولي فوري، مطالبة بفرض ترتيبات ملزمة لحماية المدنيين وضمان استمرار العمل الإنساني.
ووفقا للتقارير فأن حسابات المصالح السياسية والضغط الأميركي تمنع اتخاذ خطوات جادة لوقف المخطط الإسرائيلي.
0 تعليق