24 أغسطس 2025, 10:14 صباحاً
اتصل بي صديق يعمل كمدير اتصال في جهة ما وهو محبط من تعامل رئيسه معه وتناقص ثقته في فريق الاتصال. طمأنت ذلك الصديق بأنه وفقا لتقرير نشره Axios فإن 17% من الرؤساء التنفيذيين في العالم يشعرون أن فرق الاتصال والعلاقات العامة لديها الكفاءة لمواجهة التغيرات الاقتصادية والجيوسياسية. وهذا يعني أن مدير صديقي ضمن الـ 83% الذين لا يثقون بمدراء الاتصال لديهم وهذا أمر طبيعي. لكن ما الحل؟ وهل يجب أن يستسلم صديقي لهذا القائد أم يقفز من المركب؟.
وأزمة الثقة بين القادة ومدراء الاتصال ربما تعود في قالبها الرئيسي إلى غياب الشفافية من وجهة نظري. وقد أظهرت دراسة Maritz أن هنالك ارتباطًا مباشرًا بين توسع الفجوة الاتصالية بين القادة وفِرَق الاتصال وارتفاع مستوى عدم الثقة. وأنه فقط 25% من الموظفين رأوا أن القادة يتصفون بالشفافية في القرارات الحيوية. وبالتالي فعملية رفع الثقة تحتاج لقائد يعي دوره ومسؤوليته، كما أن لديه الشفافية الكاملة والهيكلة العملية الواضحة والحوكمة التي يستطيع فريقه فهمها للتغلب على مشكلات الاتصال سواء مع الجمهور الداخلي أو الخارجي.
ومن واقع تجربتي في تأسيس المراكز الإعلامية وإدارتها، والعمل مع عدد من أصحاب المعالي، أجد أن الشك في قدرات مديري الاتصال وصلاحيتهم لقيادة الصورة الذهنية هو الانطباع الأول لدى القادة عند التفكير في اختيار المدير الاتصالي. ولتجاوز هذه الإشكالية، لا يكفي أن يعتمد القائد على ترشيحات مستشاريه، بل يجب أن يواجه المرشح بشكل مباشر، ويتحاور معه بوضوح حول خططه وأهدافه المستقبلية.
بل إن الدور الأعمق يكمن في أن يتعامل القائد مع مدير الاتصال بوصفه “مستشارًا للأمن القومي الاتصالي”، مطلعًا على كامل المعلومات، ليكون قادرًا على إدارة المشكلات والأزمات الإعلامية بفاعلية. هذا الاطلاع سيعزز شعور المدير الاتصالي بالثقة، ويحفزه على تحويل توجيهات القائد إلى خطوات عملية على أرض الواقع. لذلك، فإن القائد الناجح هو من يتجاوز الانطباع الأول، ويبتعد عن الارتهان للشكوك، ويحرص منذ اللحظة الأولى على تمكين مدير الاتصال وتزويده بالمعلومات بصورة مستمرة.
تؤكد التجارب العالمية، التي لا يتسع المقام لذكرها تفصيلًا، أن أزمة الثقة بين القادة ومديري الاتصال ليست شأنًا محليًا فحسب، بل هي معضلة إدارية متكررة. فقد أثبتت النماذج الدولية أن مواجهة هذه الأزمة تبدأ عبر ترسيخ مبدأ الشفافية وإيجاد حوار متوازن يضمن تبادل الرؤى، إضافة إلى تبني نموذج التميز في العلاقات العامة، الذي يحول الاتصال إلى وظيفة استراتيجية متصلة مباشرة بمستوى الإدارة العليا.
وتشير الدراسات إلى أن الممارسات الفعلية للقادة أكثر تأثيرًا من التصريحات، وأن الثقة تُبنى عبر الدعم العملي الصادق لا عبر الأقوال وحدها. وقد عززت تقارير عالمية، من بينها Axios وGallup، هذا التوجه بربطها بين وضوح الرؤية، وإدارة التغيير بشفافية، وإشراك مديري الاتصال كشركاء حقيقيين في صناعة القرار.
ولذلك لابد من تعزيز الثقة بين القادة ومدراء الاتصال من خلال تبني القادة نهج “القدوة بالفعل لا بالقول”، حيث ترتفع مستويات الثقة حين تتجسد القيم في السلوك لا في الشعارات من حيث الثقة بمدير الاتصال وتمكينه معلوماتيا. وأيضا على القائد والمدير الاتصالي وضع معايير دقيقة لقياس نتائج الاتصال — مثل مؤشرات نشر المحتوى، والإنتاج والتفاعل الموظفين أو أثر الرسائل في الجمهور — للتأكد من جدوى دور فرق الاتصال وأنها تقوم بدورها خير قيام.
خلال مسيرتي في إدارة الاتصال، سواء في القطاعين الحكومي أو الخاص، التزمت بنهج مهني يقوم على تقديم تقارير دورية تعزز الشفافية وتبني جسور الثقة. ففي كل يوم خميس أرفع تقريرًا أسبوعيًا من صفحة واحدة يتضمن أرقامًا وإحصاءات حول ما أُنجز من أعمال، إضافة إلى خطة العمل للأسبوع القادم.
وإلى جانب ذلك، أحرص على إعداد تقارير شهرية وربع سنوية ونصف سنوية وسنوية، تتيح لرؤسائي الاطلاع على الصورة الكاملة، والاستماع إلى توجيهاتهم، وضمان التناغم بين مهام إدارتي الاتصالية وأدوارهم القيادية. هذا النهج يرسّخ الثقة المتبادلة، ويمنح الموظفين إحساسًا بوضوح الرؤية القيادية وقدرتها على إدارة التغيير بصدق، كما يعزز مكانة مسؤولي الاتصال باعتبارهم شركاء استراتيجيين لا يقلّ دورهم أهمية عن بقية الأدوار التنفيذية.
بقي القول، إن أزمة الثقة بين القادة ومديري الاتصال ليست حتمية، بل اختبار لوعي القيادة وفاعلية فرق الاتصال. فالقائد الذي يفتح قنوات الشفافية، ويمكّن مدير الاتصال من المعلومات، ويعامله كشريك استراتيجي، سيجد أن النتائج تتحول تدريجيًا إلى نجاحات ملموسة.
ومدير الاتصال حين يقدّم مؤشرات قياس واضحة ويثبت أثر عمله، فإنه يعزز الاطمئنان ويؤسس لعلاقة قائمة على الشراكة. إن المؤسسات الأكثر نجاحًا اليوم هي التي تنظر للاتصال كوظيفة استراتيجية تعادل الأمن الداخلي، لا مجرد نشرات وأخبار. لذا، فالمعادلة الصحيحة أن يمنح القائد ثقته منذ البداية، ويبرهن مدير الاتصال على استحقاقها بالفعل، ليصبح "عنصر الثقة" بين الطرفين رأس المال الحقيقي لبناء صورة ذهنية قوية ومستقبل مؤسسي راسخ.
0 تعليق