القامشلي- منذ أشهر ومدينة القامشلي شمال شرقي سوريا بلا مياه صالحة للشرب، في حين تُرجع السلطات ذلك إلى أعطال الشبكة وازدياد نسبة الهدر وتهالك الأنابيب، والانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي والتوسع العمراني والسكاني.
ووفقا لأهالي أحياء الزهور، والموظفين، والسياحي وغيرها، فإن الانقطاع مستمر بشكل شبه كلي منذ أكثر من عام، وسط غياب تام لأي حلول أو بدائل.
وقالوا إنهم يضطرون إلى شراء مياه الصهاريج التي غالبا ما تكون غير صالحة للشرب، والتي تُعبأ من آبار غير معقمة، وتبدو في أغلب الأحيان ملوثة ولونها رمادي، مما يثير مخاوف صحية كبيرة لديهم.
وتتزود القامشلي من مصادر مائية عدة، أبرزها محطة الهلالية القريبة من قرية نافكور، ومحطات عويجة قرب المنطقة الصناعية بالمدينة، وجقجق على الحزام الشمالي للمدينة، وسفان في المالكية التي تأتي مياهها إلى محطة عويجة، ومنها يجري ضخ المياه إلى الأحياء.

أضرار صحية
وحول المشاكل الصحية المتوقعة من استعمال تلك المياه، يقول الطبيب موسى مسروح للجزيرة نت، إن نسبة التكلّس مرتفعة جدا في مصادر تعبئة الصهاريج. ويؤدي ذلك إلى ارتفاع نسبة التكلس في الدم، ويقود لظهور حصيات في الكلى، وأمراض جلدية مع مرور الوقت.
وأضاف أن "الخطر الأكبر هو على الأطفال بسبب ضعف مناعتهم، لهذا نوصي بتوفير مياه معدنية أو مغلية لهم، أو اقتناء فلاتر مياه داخل المنازل، حيث استقبلت المشافي بعض حالات التسمم الناجم عن المياه غير النظيفة".
من جانبه، يقول المواطن ميلاد عيسى للجزيرة نت، "في فصل الصيف يزداد استخدام الماء سواء للاستعمال الشخصي أو حاجيات المنزل. لهذا كل يوم أو يومين نضطر لشراء خزان سعته 5 براميل مياه بسعر 5 دولارات". وتابع "أحتاج شهريا إلى 100 أو 150 دولارا لشراء الماء فقط. علما أن أجور موظفي الحكومة السورية والإدارة الذاتية لا تتجاوز هذا المبلغ، فكيف تُدبر الأمور؟".
إعلان
وتتمثل أسباب أزمة شح المياه، وفقا له، في "انتشار أعداد كبيرة للمنازل الكبيرة والمزارع في الأراضي البعلية، وحفر الآبار أو حصول بعض مالكيها على خطوط خاصة للمياه".
توضيح رسمي
أما هاني إبراهيم، وهو تاجر مستلزمات مدرسية، فقال للجزيرة نت "من حقي أن أستفسر عن تزامن انقطاع المياه مع زيادة ضخمة في عدد خزانات المياه المعدة للبيع للأهالي، هل هي صدفة، أم شيء آخر". ولجأ الأهالي لاقتناء خزان مياه إضافي في المنازل لتخزين المياه.
وأضاف إبراهيم "ماذا عن الزيادة الكبيرة في عدد صهاريج المياه، هل أيضا صدفة، أم ربما يوجد شيء من المصالح المتبادلة بين أكثر من جهة".
في تصريح لوكالات إعلام محلية، أوضح مسؤول في بلدية القامشلي أن أزمة انقطاعات الكهرباء في المدينة تعود لانخفاض منسوب المياه في سد تشرين، مما أدى لتوقف عمليات التوليد وفرض نظام تقنين يشمل محطات ضخ المياه.
وأوضح أن التيار الكهربائي يصل للمحطات فقط 12 ساعة يوميا، والبلدية تضطر لتشغيل الآبار بالمولدات في باقي الوقت. كما أن الانخفاض المستمر في المياه الجوفية بسبب التغيرات المناخية وموجات الحر "يزيد الأزمة سوءا". وانخفاض منسوب مياه سد سفان بنسبة 40%، والذي يشكل المورد الثاني للمياه، أدى لانخفاض تغذية المياه بنسبة 60%.
من جانبه، أكد المكتب الإعلامي للبلدية أن محطة جقجق ستضخ المياه يوميا من الساعة السادسة صباحا حتى السادسة مساء، وأن محطة عويجة ستضخ المياه على فترتين، الأولى من السادسة صباحا حتى 12 ظهرا، والثانية من الساعة السادسة مساء حتى منتصف الليل، "لكن الكثير من الأهالي في أغلب الأحياء، أكدوا عدم تحسن الوضع".
وكشف المسؤول ذاته عن مشاريع للتخفيف من هذه الأزمة، مثل حفر 20 بئرا جديدة وتوزيع المدينة إلى قطاعين لتنظيم ضخ المياه، مع تعزيز الضخ ليلا في المناطق الأكثر تضررا.

عوامل متشابكة
في المقابل، قالت المواطنة دنيا زاهر للجزيرة نت "فصل الصيف شارف على الانتهاء، ولم تجد مشاريع ووعود هيئة البلديات والمياه التابعة للإدارة الذاتية طريقها للتنفيذ. كل المبررات مرفوضة، وهي ليست سوى تحايل وخداع".
وأكدت "نريد مياها للشرب، لا تتحمل إمكانياتنا المالية شراءها يوميا، وتصفيتها عبر غليها على الغاز، ثم تبريدها وشربها، وكأننا نعيش في العصور الحجرية".
وخلال حديثه مع الجزيرة نت، يربط المهندس المتقاعد مروان عبد الله بين أزمة المياه وتأثيرها على باقي مناحي الحياة، ويقول "الأزمة تلقي بظلالها على مستوى المعيشة بشكل مباشر. فارتفاع تكلفة المياه يشكل عبئا ماليا ثقيلا يؤثر على قدرة السكان على تأمين الاحتياجات الأساسية الأخرى مثل الغذاء والرعاية الصحية". وأضاف أن المخاطر الصحية تزداد بسبب استهلاك مياه غير نظيفة، مما يهدد الأمن الغذائي للأسرة.
ووفقا له، فإن للأزمة عوامل متشابكة أبرزها "اهتراء البنية التحتية المائية، التي لم تشهد تحديثا أو صيانة كافية، إلى جانب الإدارة السيئة والفساد الذي يعمّق المشكلة بدلا من حلها". كما تلعب "الظروف السياسية والأمنية المتوترة دورا في تعطيل تقديم الخدمات الأساسية، مما يؤدي إلى تفاقم الوضع وإضعاف قدرة الجهات الرسمية على الاستجابة".
إعلان
ويرى عبد الله أن القامشلي تحتاج لحلول جذرية حقيقية من إصلاحات شاملة في البنية التحتية، ومكافحة الفساد، وتوفير دعم إنساني وتقني مستدام، وتحرك عاجل من الإدارة الذاتية، لضمان توفير مياه نظيفة بأسعار مناسبة، "فاستمرار الوضع على ما هو عليه، يعني تعريض حياة المجتمعات المحلية لمخاطر جسيمة".
0 تعليق