مخيم "حارة المغاربة" بطنجة يجمع أطفالا من القدس والمغرب - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

طنجة – في مركز أحمد بوكماخ الثقافي بمدينة طنجة شمال المغرب، تعلو أصوات أطفال قادمين من القدس وهم يرددون أهازيج فلسطينية، بينما يتجاوب معهم نظراؤهم المغاربة برقصات محلية.

في أول لقاء يحرص المنظمون على أن يبدأ بالتعارف وإلقاء السلام وتبادل هدايا رمزية، قبل أن يتحول إلى عناق عفوي حار بين أطفال في عمر الزهور، تحدوهم رغبة اكتشاف ثقافة أخرى، والتعرّف على لهجة جديدة، يجدونها تنطلق من وجوه بملامح تشبههم كثيرا.

في وسط القاعة الفسيحة ترتفع رايتا المغرب وفلسطين جنبا إلى جنب، في لحظة امتزجت فيها كل مشاعر الود، وكأن الزمن استعاد دفء العلاقة التاريخية بين شعبين عريقين.

وبين المقاعد الأمامية تجلس فتاة فلسطينية تحدق بعينيها اللامعتين إلى العلم المغربي وهي ترفعه بيد وترفع العلم الفلسطيني بيد أخرى.

تقول الشابة الفلسطينية نايل حلو (15 سنة) للجزيرة نت "أشعر كأنني في بيتي، كأن زهرة المدائن وعروس الشمال مدينة واحدة".

وتضيف الطالبة في مدرسة الفتاة بالقدس "لم أتخيل يوما أنني سأرى هذا الكم من الحب والتشجيع، هنا بعيدة عن أهلي، لكن قريبة جدا من قلوب المغاربة".

_طفلة فلسطينية تحمل العلمين الفلسطيني والمغربي
طفلة فلسطينية مشاركة في مخيم "حارة المغاربة" تحمل العلمين الفلسطيني والمغربي (الجزيرة)

رمزية خاصة

يحمل المخيم الصيفي الذي تنظمه وكالة بيت مال القدس الشريف في نسخته السادسة عشرة، والذي بدأ في 12 ويمتد إلى 26 أغسطس الجاري، رمزية خاصة تعكس حضور المغاربة التاريخي في القدس وتشبثهم بروابطهم الروحية والثقافية بالمدينة.

يجمع المخيم الذي يشرف عليه المدير المكلف بتسيير الوكالة محمد سالم الشرقاوي، وحضر افتتاحه سفير دولة فلسطين في المغرب جمال الشوبكي، عشرات الأطفال الفلسطينيين من القدس مع أقرانهم المغاربة، في فضاء تربوي وترفيهي يزاوج بين الأنشطة الثقافية والرياضية والورشات الفنية.

إعلان

تقول المؤطرة الفلسطينية سارة عمورة للجزيرة نت إن زيارة أطفال القدس ومؤطريهم إلى المغرب في إطار المخيم الصيفي تعد مناسبة نادرة وذات دلالات عميقة.

وتوضح أن المخيم الذي حمل اسم "حارة المغاربة" لا يستحضر فقط حضور المغاربة التاريخي في المدينة المقدسة منذ قرون، بل يذكّر أيضا بالدور الذي اضطلعوا به بصفتهم جزءا أصيلا من نسيجها الثقافي والحضاري، محتفظين بعاداتهم وتقاليدهم، ومواصلين عبر الأجيال مد جسور التواصل وتقوية الروابط بين المملكة المغربية وفلسطين.

وتضيف "هذا اللقاء هو فرصة ذهبية أيضا للتعبير بصدق عن مشاعرنا تجاه بلد احتضننا بمحبة، وللحديث بحرية عن أحلامنا وطموحاتنا بصفتنا مواطنين قادمين من القدس، وللتعبير عن امتناننا العميق للمملكة المغربية، على ما وجدناه من دعم ورعاية ودفء إنساني".

_طنجة، شمل المخيم أنشطة رياضية
المخيم يجمع عشرات الأطفال الفلسطينيين من القدس مع أقرانهم المغاربة في أنشطة متنوعة (الجزيرة)

أهمية المخيم

لا يقتصر أثر المخيم على الجانب الترفيهي، بل يحمل بعدا إنسانيا، فاستقبال أطفال القدس في المغرب كل صيف يبعث برسالة دعم واضحة للشعب الفلسطيني، ويمنح الأطفال فرصة نادرة لكسر دائرة العزلة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي.

يقول الطفل الفلسطيني فارس نضال حجازي (13 سنة) للجزيرة "شعوري بالأمان هنا لا يوصف، لقد منحتني هذه الزيارة فرصة التعرف على أصدقاء جدد في بلد نسمع عنه كل خير، نلعب ونضحك ونمزح ونأكل معا".

ويضيف الطالب في مدرسة تراسانطة في القدس "ولدَت في داخلي محبة اللهجة المغربية وكلماتها، وأجد مع صديقي يحيى متعة المقارنة بينها وبين اللهجة الفلسطينية، في أجواء يغمرها الدفء والأخوة والمحبة المتبادلة".

ويقول الباحث المغربي في شؤون القدس محمد رضوان إن هذه المخيمات الصيفية تكتسي رمزا لاستمرارية العلاقات والروابط التاريخية بين المغاربة والفلسطينيين عامة، والمقدسيين على الخصوص.

ويضيف صاحب كتاب "الرحلات المقدسية إلى الديار المغربية" للجزيرة نت "تساهم الأنشطة المبرمجة في إطار هذه المخيمات، مثل الورشات الفنية ومقابلات كرة القدم، التي تجري بين أشبال القدس ونظرائهم من الأطفال المغاربة، في تجسيد نوع من مواصلة اللحمة مع الأجيال الفلسطينية لتمكينهم من الحفاظ على الهوية الفلسطينية وإشاعة الأمل في نفوسهم بغد أفضل".

_المؤطرة سارة عمورة الى جانب أطفال القدس
أطفال من القدس والمغرب في برنامج ترفيهي ضمن مخيم "حارة المغرب" بطنجة (الجزيرة)

سحر الأمكنة

تشكّل الزيارات الميدانية جزءا أساسيا من برنامج المخيم، حيث ينتقل الأطفال بين مدن المغرب لاكتشاف تنوعه الثقافي وثرائه الحضاري.

في طنجة تعرفوا على الرحالة الشهير ابن بطوطة والباحث التربوي أحمد بوكماخ، وفي شفشاون استمتعوا بهدوء وألوان المدينة المميزة، وارتدوا اللباس التقليدي الجميل، وفي تطوان -التي تُنعت بالقدس الصغرى- حضروا محاكاة رحلة طلاب مغاربة إلى مدرسة النجاح في نابلس، أواخر عشرينيات وبدايات ثلاثينيات القرن الماضي، من خلال رواية شفوية وموثقة.

تقول المؤطرة عمورة "في كل محطة من محطات الرحلة، لم نُعبُر مكانا إلا واستُقبلنا بحفاوة بالغة، عكست صدق المحبة التي يكنها المغاربة لفلسطين، وتجذر شعور التضامن مع القضية الفلسطينية".

إعلان

وتضيف "وإذا كان البرنامج قد صمم ليجمع بين الترفيه والتثقيف واختير له موضوع حول كيفية التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية، فإن الخبراء المغاربة أبانوا عن سخاء كبير في تقاسم خبراتهم ومعارفهم، ففتحوا أمامنا آفاقا جديدة، وقدموا لنا المعلومات النافعة بروح عالية من التفاني والحرص على الفائدة".

_طنجة، شمل المخيم أنشطة رياضية
المخيم الصيفي هذا العام هو النسخة السادسة عشرة التي تنظمها وكالة بيت مال القدس الشريف بالمغرب (الجزيرة)

نظرة إلى المستقبل

يفتح المخيم أفقا نحو المستقبل، حيث تتحول الذكريات المشتركة إلى التزامات عملية، ويصبح منصة لبناء جيل قادر على حمل رسالة القدس بروح جديدة.

ويشرح الباحث رضوان "كلما عاد وفد من أطفال القدس المشاركين في المخيمات الصيفية إلى موطنهم يصبحون من تلقاء ذواتهم سفراء حقيقيين للمغرب في تلك الديار المقدسة، بعد أن يتعرفوا على حضارة المغرب وثقافته وتقاليده وحقيقة مشاعر المغاربة نحو أبناء فلسطين والقدس، وتعلقهم بالمسجد الأقصى المبارك".

ويلاحظ أن أطفال القدس المشاركين في هذه المخيمات يحرصون على تجسيد محبتهم لشعب المغرب المعطاء بجلب شتائل من شجر الزيتون والزعتر معهم من تربة القدس، والتي يعتبرونها أثمن ما يملكون، لزرعها في أرض المغرب، وردا جميلا منهم على حفاوة المغاربة بهم.

وتختم عمورة بقولها "سنحمل معنا ذكريات لا تمحى من مدن طنجة وتطوان وشفشاون العريقة، والتي وجدنا في أزقتها القديمة وبيوتها البيضاء ما يذكرنا بحارات القدس ودروبها".

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق