صعّدت بعض التيارات في محافظة السويداء بشكل غير مسبوق ضد الحكومة السورية، حيث رفعت شعارات تدعو إلى الانفصال عن البلاد والانضمام إلى إسرائيل، ضمن مظاهرة رفعت شعار "حق تقرير المصير" نظمتها في 16 أغسطس/آب الجاري، وشارك فيها مئات المتظاهرين.
أتت هذه المطالب بعد مواجهات بين عشائر بدوية وفصائل درزية في المحافظة، وما تبعها من تدخل للقوات الحكومية لفصل الجانبين وبسط الأمن، مما أدى إلى وقوع مواجهات بينها وبين فصائل محلية يقودها المجلس العسكري، انتهت بضربات إسرائيلية في مساندة للأخير.
وتصدر حزب اللواء السوري، التيار الداعي إلى انفصال السويداء عن سوريا، حيث أصبح الأمين العام للحزب، مالك أبو الخير، يصرح بهذا المطلب في المقابلات التلفزيونية منذ أواخر يوليو/تموز الماضي، مستغلاً الأحداث الدامية التي وقعت في المحافظة.

من حزب اللواء السوري؟
أول نشاط إعلامي لحزب اللواء السوري كان في منتصف عام 2021، لكن نشطاء كثر من محافظة السويداء يؤكدون أن جهود تأسيسه بدأت منذ أواخر عام 2019 من العاصمة الفرنسية باريس، حيث يقيم الأمين العام للحزب مالك أبو الخير.
في بداية التأسيس أكد الحزب أنه علماني ويتبنى وحدة الأراضي السورية، ويعمل من أجل التخلص من هيمنة الأجهزة الأمنية، والانتقال إلى حكم ديمقراطي، ويعمل على عودة السويداء إلى دورها التاريخي سوريا وعربياً.
وقبل سقوط نظام الأسد في سوريا، ركز حزب اللواء السوري على رفضه النفوذ الإيراني في السويداء وجنوب البلاد عموما، وحذر من أن استمرار نفوذ إيران يساهم في جلب التدخل الخارجي إلى سوريا، وأن هذا النفوذ قد يؤدي إلى حرب إقليمية على الأراضي السورية.
وفي أواخر عام 2021، عزّز حزب اللواء من تنسيقه مع تشكيل عسكري كان يعرف باسم "قوة مكافحة الإرهاب" ويقوده سامر الحكيم، وكان معقله الأساسي في بلدة خازمة جنوب شرقي السويداء، وصار يصرح الحزب بوجود وثيقة تفاهم بين الطرفين، وهو يتولى التمثيل السياسي الدولي، في المقابل تقوم القوة بحماية المدنيين من الإرهاب بإشراف مراقبين من حزب اللواء.
إعلان
وسعى الحزب بهذا التحالف إلى زيادة ثقله في المشهد، في ظل نظرة له من تيار شعبي واسع على أنه مشروع خارجي غير واضح الأهداف.
الحزب والحراك المدني
مع بدايات تأسيس الحزب ظهرت تحذيرات في أوساط السويداء "من المشاريع الخارجية" حيث طالب بعض مشايخ العقل وعلى رأسهم يوسف الجربوع بالتصدي لهذه المشاريع، كما تجنبت حركة رجال الكرامة أكبر فصيل عسكري في السويداء العمل المشترك مع قوة مكافحة الإرهاب المتحالفة مع الحزب.
وبعد اندلاع الاحتجاجات في السويداء ضد نظام الأسد عام 2023، حاول حزب اللواء التغلغل في الحراك المدني الذي كان يتخذ من "ساحة الكرامة" مكاناً لاعتصاماته.
وفي مطلع 2024، جرت مشادات بين الحراك المدني في السويداء وأعضاء في حزب اللواء على خلفية محاولة الأخير المشاركة في الاحتجاجات ورفع علم الطائفة الدرزية، وتبني شعارات الإدارة الذاتية.
وسعى الحزب إلى اختراق الحراك عبر "هيئة بناء وطن" التي يرأسها خالد جمول، و"مجلس الجنوب السوري"، إضافة إلى التحالف مع ما يعرف بـ"تيار الفدرالية".
واتهم مشاركون في الحراك حزب اللواء بأنه يسعى إلى شق الصف، أو تمريره دسائس أمنية، وأبدوا الحرص على عدم سيطرة اللواء على اعتصامات ساحة الكرامة بسبب التوجس من توجهاته.

العلاقة بـ"قسد"
تحدثت تحقيقات صحفية نشرتها وسائل إعلام سورية عام 2022 عن تنسيق مشترك بين قوة مكافحة الإرهاب المرتبطة بحزب اللواء السوري وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وقيام الأخيرة بتدريب القوة.
تعرضت "قوة مكافحة الإرهاب" منتصف العام ذاته لحملة عسكرية من نظام الأسد وفصائل مسلحة موالية لإيران، وتمكنت الحملة من قتل الحكيم قائد القوة، التي تفرق عناصرها على فصائل محلية متعددة.
وشكل حزب اللواء عام 2023 مكاتب خدمية في السويداء، مستغلاً اندلاع احتجاجات شعبية على نظام الأسد بسبب تردي الواقع الخدمي، كما أعلن اللواء أن هذه المكاتب ستكون نواة لتأسيس "إدارة ذاتية" في المحافظة.
وأفادت تقارير صحفية تضمنت شهادات منتسبين سابقين للحزب، أن هذه الخطوة اتخذت بعد تلقي الأمين العام للحزب دعماً من "قسد" يقدر بـ 200 ألف دولار أميركي.
في مطلع مايو/أيار 2025، أعلنت قوات الأمن السورية عن ضبط شحنة أسلحة في منطقة السخنة بالبادية السورية، كانت متجهة من مناطق سيطرة "قسد" إلى محافظة السويداء.

الإدارة الذاتية والانفصال
بعد سقوط نظام الأسد، صعد حزب اللواء ضد الحكومة السورية الجديدة ودعا في مارس/آذار 2025 إلى "النفير العام ضد هيئة تحرير الشام" وتأكيده الوقوف في وجه المشروعين الإيراني والتركي، مع تبنيه منع دخول القوات الحكومية إلى السويداء، وإعلانه التنسيق مع شيخ العقل حكمت الهجري الذي وقف هو الآخر ضد امتداد سيطرة الحكومة الجديدة للسويداء.
وأعلن الحزب في منتصف أغسطس/آب 2025 الشروع في تطبيق نموذج "الإدارة الذاتية" والتأكيد على أن الجنوب السوري أصبح كياناً سياسياً وأمنيا مستقلاً عن سوريا، وأن العمل جارٍ على إلحاق درعا بهذا النموذج، وأتبع خطوته هذه بقيادة مظاهرات وسط السويداء تطالب بتقرير المصير، وتدعو للانفصال عن سوريا.
إعلان
وبرر الأمين العام للحزب هذه المظاهرات بأنها حق لأبناء السويداء لأن الحكومة السورية لا تمثل الحالة الوطنية السورية، وتعرض الطائفة الدرزية لهجمات طائفية، حسب وصفه.
وبدا لافتا أن هذا التصعيد في الخطاب تزامن مع تدخل إسرائيلي مباشر في سوريا والسويداء، وإعلان تل أبيب على لسان وزير الخارجية جدعون ساعر ضرورة التحالف مع الأقليات السورية وخاصة الدروز والأكراد، وأن الحلفاء الطبيعيين لدولة إسرائيل يجب أن يكونوا الأقليات في المنطقة.
العلاقة بإسرائيل
لسنوات عدة، حاول حزب اللواء نفي تنسيقه مع إسرائيل، وقلل أمينه العام مالك أبو الخير من مصداقية الاتهامات التي وجهتها وسائل إعلام تابعة لنظام الأسد بوجود علاقة بين الحزب وتل أبيب.
اتجه حزب اللواء إلى المجاهرة بالعلاقة بإسرائيل بعد سقوط نظام الأسد، ومع التوتر بين بعض الفصائل المحلية في السويداء والحكومة السورية الجديدة الذي بلغ ذروته في يوليو/تموز 2025، وتصاعد دور شيخ العقل الدرزي الإسرائيلي موفق طريف في السويداء.
ومنذ أواخر يوليو/تموز 2025، رفع منتسبون للحزب، إلى جانب عناصر سابقين في قوة مكافحة الإرهاب ممن انضموا إلى مجلس السويداء العسكري، علم إسرائيل في السويداء علنًا.
وفي 16 أغسطس/آب 2025، أصدر الحزب بيانا رسميا أعلن فيه أن السويداء دخلت في "تحالف إستراتيجي" مع إسرائيل لمواجهة ما وصفه بـ"الإرهاب المدعوم من تركيا"، مؤكدا أن أولويات المرحلة المقبلة ستتركز على رصد ومتابعة نشاط حركة حماس في درعا وجنوب دمشق، في لهجة تعكس بوضوح تبني الخطاب الإسرائيلي.
ويتزامن كشف الحزب عن علاقته بإسرائيل مع مساعي الأخيرة إلى توسيع نفوذها في محافظة السويداء، إذ أفاد موقع أكسيوس الأميركي في أغسطس/آب 2025 بأن إسرائيل تعمل على فتح ممر مع محافظة درعا، في ظل معارضة الحكومة السورية لهذا الطرح خشية استخدامه لتهريب الأسلحة إلى المحافظة.
واللافت أن الحزب أصبح يستخدم لهجة في بياناته تهدف لاسترضاء إسرائيل، إذ يؤكد أن كوادره تعكف على رصد نشاطات قادة حماس في محافظة درعا، والتأكيد على أن القيادات الأمنية الحكومية السورية العاملة هناك لديها ارتباطات بالحركة الفلسطينية، وهو ما يتلاقى مع المطالب التي تكررها إسرائيل بجعل منطقة الجنوب السوري منزوعة السلاح، وإيكال مهمة ضبط الأمن فيها وخاصة السويداء لجهات محلية.

مستقبل الحزب
من الواضح أن الحزب استثمر بشكل كبير في التوتر الواسع الذي شهدته محافظة السويداء منتصف 2025، ويعمل على دفع الرأي الشعبي باتجاه تبني رؤية إسرائيل بخصوص الجنوب السوري، في محاولة لتعزيز نفوذه داخليا بدعم خارجي، لكن من غير المؤكد ما إذا كانت هذه الجهود ستنجح.
الحزب في بيان تأسيسه أعلن بوضوح أنه "علماني ديمقراطي" وهذا التوجه يجعل من الصعب عليه أن يحظى بدعم المرجعيات الدينية التي اتضح أنها تسعى هي الأخرى إلى قيادة المجتمع المحلي كما في حالة حكمت الهجري.
من جهة أخرى، من المتوقع أن تزداد الأصوات الرافضة لتوسع دور حزب اللواء، خشية من تبعات ذلك، خاصة مع الاستياء الشعبي في الأوساط السورية من المجاهرة بدور إسرائيل في السويداء، ودعوة الحزب لانفصال المحافظة عن سوريا.
فمن شأن استمرار هذا النهج للحزب، أن يزيد من التأييد الشعبي للإجراءات الحكومية التي تتخذ ضد السويداء، وبالأخص التشديد الأمني على الشرايين التي تصل المحافظة مع باقي الجنوب السوري ودمشق، الأمر الذي ينعكس سلباً على السكان المحليين.
في المقابل، من غير المستبعد أن يتمكن الحزب من توسيع دوره في مستقبل السويداء في حال استمرت التدخلات الإسرائيلية، التي ازدادت بعد تسريبات نشرت مطلع يوليو/تموز 2025، التي تحدثت عن رفض الحكومة السورية مطالب إسرائيل بتوقيع اتفاقية سلام بمحددات جديدة أوسع من اتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.
إعلان
0 تعليق