تشهد الكويت في المرحلة الحالية تحوّلاً جوهرياً في تنفيذ المشروعات التنموية الكبرى، مدفوعاً بحراك حكومي متكامل يربط بين الدبلوماسية الاقتصادية، لاسيما مع شركائها الاستراتيجيين ومنظومة إصلاحات داخلية شاملة.
ويعكس هذا التحول رؤية واضحة نحو رفع كفاءة الأداء وتعزيز الشفافية وتسريع وتيرة الإنجاز ضمن الخطط الاستراتيجية الهادفة إلى تنويع مصادر الدخل وتطوير البنية التحتية وتحقيق التنمية المستدامة بما يتوافق مع تطلعات رؤية «الكويت 2035».
في السياق، برزت مجموعة من الخطوات الحكومية الجادة، منها العلاقة بين الإصلاحات التشريعية والتنظيمية الأخيرة، وتوسيع الشراكات الاستراتيجية التنموية، وجهود تسريع المشروعات الكبرى والمؤشرات الاقتصادية المشجعة.
4 مسارات للتنمية
وتجسيدا لهذا الحراك المتصاعد، عقدت اللجنة الوزارية لمتابعة الاتفاقيات المبرمة مع الصين 22 اجتماعا، حددت فيها 4 مسارات رئيسة لدفع التنمية الاقتصادية، وتسريع وتيرة التنسيق والتشاور مع الصين، وتكثيف الزيارات الفنية، إلى جانب تذليل العقبات أمام المشروعات، كذلك وضع الخطط والأولويات ودعم الوزارات والأجهزة الحكومية المعنية بتنفيذ مذكرات التفاهم.
وحققت الجهود الحكومية الحثيثة تقدماً ملحوظاً في تنفيذ مشروع ميناء مبارك الكبير الاستراتيجي، بدءاً من اعتماد وقبول الترشيح المقدم من الصين بناء على مذكرة التفاهم الخاصة بالمشروع مطلع العام الحالي، وصولاً إلى توقيع عقد مباشرة أعمال المشروع في مارس الماضي.
وفي مجال البنية التحتية البيئية، تدرس الحكومة تقريرا مفصلا أعده وفد صيني يتضمن خطة عمل للإجراءات التنفيذية لسبل التعاون الثنائي بين البلدين في مجال استصلاح الأراضي، إضافة إلى بحث تفاصيل خطة تنفيذ مشروعات تطوير وتأهيل النظم البيئية والتوسع في برامج التشجير، كذلك حماية البيئة ومكافحة زحف الرمال.
مؤشرات إيجابية
وشدد رئيس مجلس الوزراء، سمو الشيخ أحمد العبدالله، على أن ما تحقق من مؤشرات إيجابية للنمو الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية يؤكد ثبات الخطى على المسار الصحيح، ونجاح مساعي اللجنة الوزارية نحو تحقيق أهداف الخطة الشاملة في كل مسارات التنمية، تحقيقا لرؤى وتطلعات سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد.
وتوجت الكويت جهودها نحو تعزيز شراكاتها الدولية أخيراً برفع مستوى العلاقات التاريخية بين الكويت واليابان إلى مستوى علاقات استراتيجية شاملة، في خطوة تفتح الباب لتعميق المردود التنموي والاقتصادي من شراكة البلدين.
ويعتزم البلدان، وفقا لذلك، ترسيخ شراكتهما الاستراتيجية الشاملة في جميع المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات وغيرها، والتي تمثل حجر زاوية مهمة في سبيل تعزيز أمن الطاقة واستقرار تكلفتها.
«الزور الشمالية»
ويعد مشروع المرحلتين الثانية والثالثة لمحطة الزور الشمالية، الذي جرى توقيع وثيقة التزام تنفيذه في 10 الجاري واحدا من أكبر مشروعات الكهرباء في البلاد، حيث يهدف إلى تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء والمياه في الدولة، وتوفير البنية التحتية اللازمة لتنفيذ المشروعات المدرجة ضمن الخطة التنموية.
ويسهم المشروع في تشجيع مشاركة القطاع الخاص والاستفادة من خبراته في خفض تكاليف إنشاء وتشغيل محطات القوى الكهربائية، وتسريع الإنجاز وتحقيق الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية.
كما يعكس المشروع التوجه الحكومي نحو إشراك القطاع الخاص في تطوير البنية التحتية، بما يسهم في خفض التكاليف وتسريع الإنجاز وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية، إلى جانب جذب الاستثمارات الأجنبية.
حصر المشروعات
وفي إطار التقييم المستمر للموقف التنفيذي للمشروعات، تعمل الحكومة على حصر جميع المشروعات والعقود في مختلف الوزارات والجهات، وإعداد قوائم تفصيلية تتضمن المشروعات الإنشائية الجاري تنفيذها والعقود المرتبطة بها، إلى جانب المشروعات المستقبلية، لمتابعة آليات الإنجاز على الأرض الواقع.
وتهدف هذه الخطوة إلى توفير قاعدة بيانات دقيقة تمكّن متخذي القرار من معرفة واقع الأداء، إلى جانب إحكام التنسيق المسبق بين الجهات ومنع تداخل الاختصاصات أو ازدواجية الطرح.
وتّتبع الحكومة منهجية موحدة في إدراج المشروعات والمبادرات ضمن خططها الاستراتيجية تشمل مستهدفات مرحلية وفق جداول زمنية، إلى جانب مؤشرات أداء رئيسية قابلة للقياس، مع تحديد الجهات ذات الصلة التي يجب التنسيق معها.
كما يمثّل تبنّي مبادرات تمويلية جديدة لدعم المشروعات الكبرى وتنفيذها ركنا أساسيا في استراتيجية الحكومة، لا سيما مشروعات الطاقة والنقل والبنية التحتية والمدن الذكية والمناطق الصناعية.
العبء المالي
وتسعى الحكومة إلى تقليل العبء المالي عن الميزانية العامة بنسبة تبلغ نحو 30 في المئة، علاوة على استقطاب استثمارات خاصة وأجنبية بقيمة تصل إلى 10 مليارات دينار، وتحقيق إيرادات سنوية تصل إلى مليار دينار بحلول عام 2030 وتوفير أكثر من 50 ألف فرصة عمل جديدة.
وتحتضن خطة التنمية السنوية 2025/ 2026 التي اعتمدتها الكويت في شهر مارس الماضي عددا غير مسبوق من المشروعات الإنشائية، منها 69 مشروعا ضمن ميزانيات الوزارات والإدارات الحكومية و21 مشروعا للهيئات الملحقة و34 مشروعا للمؤسسات المستقلة.
وكانت الكويت قد وقّعت عددا من مذكرات التفاهم مع الصين عام 2023، تشمل تنفيذ مشروع ميناء مبارك الكبير، والتعاون في مجالات الطاقة الكهربائية والتطوير الإسكاني ومعالجة مياه الصرف الصحي والمناطق الحرة والمناطق الاقتصادية، إضافة إلى تطوير مشروعات الطاقة المتجددة والتعاون بشأن منظومة خضراء منخفضة الكربون لإعادة تدوير النفايات.
مجلس الوزراء ينفذ حزمة إصلاحات
نجح مجلس الوزراء في تنفيذ حزمة إصلاحات تشريعية وتنظيمية لدعم الإصلاحات الاقتصادية في البلاد، شملت نظام الوسيط العقاري ومشروع الرخصة الذكية وتعديل أحكام قانون الشركات ومشروع الضريبة على مجموعة الكيانات المتعددة الجنسيات، إضافة إلى تدشين أولى الخطوات التنفيذية لمنظومة المطور العقاري.
كما أطلقت الكويت، أخيرا، الجزء الثاني من المرحلة الثالثة من برنامج تطوير منظومة سوق المال الذي يعد من أبرز المشروعات الاستراتيجية لهيئة أسواق المال، والمدرج ضمن خطة الدولة الإنمائية، حيث يسهم في تهيئة البنية التحتية والتنظيمية للهيئة بما يدعم تحقيق متطلبات الترقية إلى فئة الأسواق الناشئة المتقدمة، ويعزز من ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في السوق الكويتي.
البنك الدولي يتوقع تعافي النمو الاقتصادي بالكويت
تنعكس الجهود الحكومية المتكاملة في البلاد على توقعات المؤسسات الدولية، حيث توقع البنك الدولي تعافي النمو الاقتصادي لدولة الكويت بشكل كبير ليصل إلى 2.2 في المئة عام 2025، مدفوعا بالإلغاء التدريجي لسقوف الإنتاج التي أقرتها مجموعة «أوبك +»، والتوسع في القطاعات غير النفطية المدعومة بنمو نشاط الائتمان ومشروعات البنية التحتية الكبيرة.
وتوقّع البنك الدولي، في تقرير أصدره أخيرا مكتبه الإقليمي في الرياض حول دول الخليج بعنوان «إنفاق ذكي ونواتج اقتصادية أقوى: سياسات المالية العامة من أجل ازدهار دول الخليج»، أن يظل النمو الاقتصادي مستقرا عند 2.7 في المئة خلال الفترة من 2026 إلى 2027، مبينا أن الآفاق الاقتصادية الطويلة الأجل تعتمد على التنفيذ الناجح للإصلاحات الهيكلية وجهود تنويع النشاط الاقتصادي.
وبينما توقعت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات (S&P)، في تقرير لها، استمرار النمو الاقتصادي في الكويت بفضل إصلاحاتها، أفادت شركة إي إف جي هيرميس، في تقرير لها، أن ظروف صنع القرار في الكويت تحسّنت بشكل ملحوظ، مشيرة إلى أن التركيز الآن ينصبّ على المشروعات الحكومية وعلى إقرار القوانين الرئيسية.
وتوقعت «هيرميس» أن تعزز هذه البيئة النمو الائتماني للقطاع المصرفي لسنوات عدة، فيما رفعت توقعاتها لنمو القطاع المصرفي بكامله بدءا من 2026.
0 تعليق