هيئة النفاذ للمعلومة.. مكسب آخر للثورة التونسية بمهب الريح - هرم مصر

الكورة السعودية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تونس- استنكرت منظمات المجتمع المدني في تونس وبشدة ما اعتبرته إغلاقا متعمدا لهيئة النفاذ إلى المعلومة، أحد أبرز المكاسب التي حققتها الثورة التونسية في مجال حماية حق المواطنين في الوصول للمعلومات الرسمية ومساءلة المسؤولين وفضح الفساد.

وقالت المنظمات في بيانات لها إن الخطوة المفاجئة تشكل امتدادا للإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد منذ 25 يوليو/تموز 2021، الرامية -برأيها- لمزيد التفرد بالحكم وتفكيك مؤسسات الدولة المستقلة وتوسيع صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب الرقابة والمساءلة.

وترى هذه المنظمات، بينها نقابة الصحفيين التونسيين، أن تجميد عمل الهيئة وإنهاء دورها الريادي في تكريس حق المواطن في النفاذ للمعلومة وممارسة دوره الرقابي على الإدارة يهدف لتكميم الأفواه وضرب المكسب الوحيد في مجال الشفافية ومكافحة الفساد.

وبيّنت أن هذا الإغلاق هو حلقة جديدة من حلقات إغلاق المؤسسات الشرعية للدولة التي تأسست بعد الثورة بعدما حل سعيد البرلمان السابق والمجلس الأعلى للقضاء وأغلق هيئتي مكافحة الفساد والاتصال السمعي البصري وعطل منظومة المبلّغين عن الفساد.

الهيئة ودورها

وتعتبر هيئة النفاذ إلى المعلومة مؤسسة عمومية مستقلة استُحدثت بمقتضى القانون الأساسي (22) لسنة 2016، بهدف ضمان حق المواطن في الوصول للمعلومة التي تملكها الإدارات العمومية والهياكل الحكومية، بما يسمح بممارسة الرقابة المدنية ومكافحة التعتيم الإداري والفساد.

وتمتلك الهيئة صلاحيات قضائية إدارية، تفصل في النزاعات بين من يطلب المعلومة وبين الإدارة، وتصدر قرارات ابتدائية ملزمة للجهات المعنية بتقديم المعلومة، مع إمكانية الطعن فيها أمام المحكمة الإدارية.

ويشمل اختصاصها مراقبة مدى التزام المؤسسات العامة بالقانون وضمان تنفيذ قراراتها بمد طالبي المعلومة بالبيانات اللازمة، وتسهيل وصول المواطنين والصحفيين والمنظمات إلى المعلومات الرسمية.

إعلان

وعبر هذه الصلاحيات، أصبحت الهيئة أداة هامة لحماية حقوق المواطنين ودعم العمل الصحفي الاستقصائي، حيث ساعدت في الكشف عن ملفات وشبهات فساد وإخضاع الإدارة للمساءلة القانونية.

كما أصدرت الهيئة مئات القرارات التي أنصفت نشطاء ومنظمات وصحفيين في مواجهة تعتيم إداري، وأسهمت في الكشف عن ملفات هامة وشبهات فساد في قطاعات مختلفة، ما جعلها إحدى ركائز تكريس المساءلة والشفافية.

دلالات الإغلاق

واعتبرت منظمة "أنا يقظ" في بيان، نشرته أول أمس الثلاثاء، أن السلطة عمدت لتفريغ الهيئة تدريجيا من مهامها عبر سلسلة من الإجراءات المنهجية انتهت بإغلاقها الكامل.

وأوضحت المنظمة أن العملية بدأت منذ تعيين رئيس الهيئة على رأس وزارة الدفاع الوطني سنة 2020 دون تعويض رسمي، مما اضطر نائب الرئيس لتسيير مهام الهيئة.

ثم تم إنهاء إلحاق رئيس الهيئة بالنيابة بتاريخ 21 مايو/أيار 2024، ما أحدث شغورا في تركيبة مجلس الهيئة وأفقدها القدرة على ممارسة دورها القضائي في إصدار القرارات المتعلقة بالنفاذ إلى المعلومة.

واعتبرت المنظمة في بيانها أن إغلاق مقر الهيئة وإعادة موظفيها إلى إداراتهم الأصلية تمّ دون إعلام الرأي العام، في خطوة "خطيرة" تهدف لتعطيل مرفق قضائي مستقل وضرب مباشر لحق المواطنين في الوصول للمعلومة.

بدورها، استنكرت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وبشدة قرار إغلاق هيئة النفاذ إلى المعلومة، مقدرة هذه الخطوة بأنها تجاوز صارخ للقانون وصلاحيات مجلس النواب الذي أصبح وفق مراقبين أداة طيعة بيد الرئيس سعيد.

وأكدت -في بيان لها- أن الهيئة كانت سندا أساسيا للصحفيين في معركتهم اليومية ضد البيروقراطية والتعتيم، محذرة من أن تعطيلها يعيد البلاد إلى مربع الإعلام الموجه والدعاية الرسمية لنظام الرئيس سعيد.

تناقض الرئيس

من جهته، يرى الصحفي والمحلل السياسي زياد الهاني أن إغلاق هيئة النفاذ للمعلومة يمثل حلقة جديدة ضمن سلسلة إلغاء المؤسسات الشرعية للدولة، ويعكس تركيز الحكم الفردي الاستبدادي المطلق الذي لا يخضع لأي مساءلة.

ويقول للجزيرة نت إن الهيئة كانت بمثابة محكمة تفصل النزاعات بين من يطلب المعلومة والإدارة، ما جعلها أداة قضائية مركزية لضمان حق المواطنين في النفاذ إلى المعلومات الرسمية وممارسة رقابتهم على الإدارة.

ويضيف أن الإغلاق المفاجئ للهيئة يثير تساؤلات حول مصير القضايا التي رفعت لديها من قبل مواطنين وصحفيين ونشطاء، كانوا ينتظرون إصدار أحكام تحمي حقوقهم وتكشف أي تجاوزات إدارية.

ويؤكد أن إنهاء عمل الهيئة -يعني عمليا- تبخر هذه المسارات القضائية وإلغاء القدرة على الحصول على المعلومة أو مساءلة الإدارة، بما يحرم المواطنين من وسيلة أساسية لمواجهة التعتيم الإداري ومحاسبة المسؤولين.

إعلان

ويستغرب هاني "التناقض" في خطاب الرئيس قيس سعيد، الذي كان يشيد بدور الهيئة خلال استقباله للرئيس السابق عماد الحزقي في تعزيز حقوق المواطن ومبادئ الشفافية والمساءلة، ليقدم بعدها على إغلاقها بشكل فعلي.

ويصف هذا الفعل بأنه بمثابة "قتل مؤسسة تحمي المواطن من تغوّل الإدارة" ما يجعل القدرة على مساءلة الإدارة معدومة، خاصة بعد أن حاز الرئيس على جميع الصلاحيات والمسؤوليات التنفيذية، وفق تعبيره.

احتجاجات الصحفيين بتونس ضد سياسة التضييق على حرية التعبير (الجزيرة)

تكريس للاستبداد

وفي السياق، استنكر القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني إغلاق هيئة النفاذ للمعلومة، معتبرا ذلك خطوة ممنهجة لتأسيس نظام حكم فردي واستبدادي يرفض أي شكل من أشكال المساءلة.

وأوضح للجزيرة نت أن هذا الإجراء يشكل امتدادا لسلسلة من القرارات التي استهدفت مؤسسات الدولة الشرعية بعد 25 يوليو/تموز 2021، بما فيها البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء وتغيير تركيبة هيئة الانتخابات، وتعطيل الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري.

واعتبر أن هذه السياسات لا تقتصر على المؤسسات الرسمية، بل شملت أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، عبر حملات شيطنة وتحريض وخنق للأنشطة المستقلة، في سياق ما وصفه بـ"سياسة قتل المريض" بدل معالجة الإشكاليات الهيكلية ودعم عمل الهيئات المعنية.

وأكد أن هيئة النفاذ للمعلومة، كباقي الهيئات التي أُغلقت أو جمدت، كانت تمثل سلطة مضادة للسلطة التنفيذية، وأداة لضمان الرقابة ومنع تجاوزات الإدارة، وهو ما يجعل من إغلاقها ضربة مباشرة لمكاسب الثورة في مجال الشفافية والمساءلة.

وتكرس هذه الخطوات -يواصل العجبوني- الغياب الكامل لإصلاحات حقيقية، وتعيق أي محاولة لتأسيس قضاء مستقل أو دولة قانون تحمي الحريات الفردية والجماعية.

ولم يستبعد أن يكون مصير هيئة النفاذ للمعلومة نموذجا لما يمكن أن يحدث لبقية المؤسسات المستقلة، كهيئة حماية المعطيات الشخصية وهيئة مناهضة التعذيب، مضيفا أن استمرار هذا المنحى سيؤدي لإغلاق تدريجي لكل فضاءات التعبير الحر والنقاش العام.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق